كيف تستطيع سوريا الهروب من مملكة الرعب الأسدية؟

إن الأخبار الآتية من مدينة حلب اليوم كافية لجعل أي شخص، كان قد زار تلك المدينة في أوقات السلم، يبكي؛ حيث نرى هجمات عشوائية على المدنيين، وقصف المنشآت الطبية، إضافة إلى سحب الأطفال الملطخين بالدم من تحت الأنقاض. إننا مجبرون على رؤية واحدة من أقدم مواطن الحضارة تتعرض، وبشكل حرفي، للسحق؛ وعلى مشاهدة حياة العائلات البريئة تتعرض للتمزيق بكل نوع من أنواع الذخيرة، من البراميل المتفجرة إلى غاز الكلورين.

إن عذاب مدينة حلب ليس إلا الحلقة الأخيرة من مسلسل النزاع المستمر لفترة زمنية تعادل تقريبا مدة الحرب العالمية الثانية، وقد حصدت الحرب السورية من حياة الناس، بحسب الأمم المتحدة، ما يصل إلى 400.000 شخص.

أدى القتال إلى تهجير نصف السكان، كما تسبب في دفع كثير منهم إلى الهرب من البلاد، لدرجة أن الطرق على مشكلة الهجرة أثر في أوروبا بأكملها، ولا نزال نستطيع الشعور بارتداداته السياسية حتى الآن. هنالك شخص واحد يتحمل المسؤولية الضخمة عن تلك الكارثة، رجل قادت تكتيكاته العسكرية الوحشية إلى مقتل الغالبية العظمى من الـ 400،000 قتيل، ذلك القائد هو بشار الأسد، إنه عبارة عن آلة قتل، ببراميله المتفجرة، وأخيرا، قتاله بهدف بقائه السياسي الشخصي.

ليست مطالبتنا له بالرحيل من قبيل التقوى، فبملاحظة بسيطة وعملية نجد ألا دور له في الحكومة المستقبلية لسوريا الجديدة؛ فطالما بقي الأسد ممسكا بالسلطة في دمشق، لن تكون هناك أي سوريا لتحكم.

لن تكون هنالك أي طريقة تنهي بها قوات المعارضة، المعتدلة أو غيرها، نضالها؛ لأنها تخاف من حقيقة أن إلقاء أسلحتها قد يبقي الأسد في الحكم؛ كما أن الأسد هو العامل الوحيد، والأكثر فعالية، في تجنيد الميليشيات السنية بجميع أنواعها، إنه هو، الأسد الذي غذى واستغل عبادة الموت البشعة عند داعش.

لذلك، فإن المجتمع الدولي ملتزم، على الأقل من حيث المبدأ، بالتخلص من الديكتاتور السوري، حتى إن الروس قد قبلوا بأنه يجب أن يكون هنالك انتقال سياسي، لكن الروس، أيضا، يستخدمون عضلاتهم العسكرية لمنعه من الخسارة؛ وذلك لإبقائه في السلطة.

عندما يتم سؤال الروس لشرح سلوكهم هذا، والذي لا يمكن الدفاع عنه ظاهريا، يجيبون بطرحهم سؤالا واحدا عنيدا السؤال الذي بدأنا به: ماذا بعد؟ ما الذي سيلي الأسد؟.

إن امكانية طرح هكذا سؤال مشتقة من حرب العراق، ومن الفشل الكامل للغرب في التحضير لنتائج الإطاحة بصدام، فقد قمنا بخلع رجل بعثي قوي، ونتج عن ذلك الفوضى.

لكن، لماذا لن يتكرر ذلك الأمر مجددا؟ هنالك إجابتان: تكمن الإجابة الأولى في عدم كون الأسد بالرجل القوي، بل هو زعيم ضعيف لدرجة مخيفة، ولن يستطيع المحافظة مجددا على وحدة بلاده، بعد المجازر التي قام بارتكابها؛ لن يشعر الشعب السوري، وبكل تأكيد، بالأمان طالما بقي الأسد في قيادة الجيش، أو بقي قادرا على إرسال الطائرات فوق شوارعهم.

أما الإجابة الثانية، فهي، وفي هذا الوقت، تتعلق بتوافر البديل، حيث تستضيف لندن الهيئة السورية العليا للمفاوضات، وهي أوسع تشكيل للمعارضة في سوريا. ستقوم الهيئة بوضع رؤيتها لسوريا ما بعد الأسد، والتي ستكون ديمقراطية وتعددية، وستقوم بالتأكيد على الافتراض المنطقي بعدم إطاحة جميع هيئات وبنى الدولة الموجودة حاليا، فذلك كان أهم الأخطاء المرتكبة في العراق، ولن يتكرر.

سيكون هناك اجتماع في لندن لأناس ذوي خبرة مباشرة في إدارة سورية، لكنهم يرفضون رفضا قاطعا أسلوب الأسد في الدولة البوليسية، هم يريدون إيجاد بلد جديد، يكون فيه محاسبات وتوازنات في الحكومة، بلد تحترم فيه حقوق النساء والأقليات. يتجسد طموحهم في إيجاد مكان آمن، يستطيع المهجرون العودة إليه، وفوق هذا كله، فإن الهيئة العليا للمفاوضات لا تمثل انتصارا لجماعة طائفية على أخرى، أو انتقالا للسلطة من فصيل إلى آخر في سوريا.

هم يقترحون انتقالا تدريجيا، في البدء، ستكون هناك مرحلة مفاوضات تستمر لفترة ستة أشهر بين النظام والمعارضة، وسيرافقها وقف إطلاق نار كلي، وإيصال كامل للمساعدات الإنسانية عبر البلاد كلها، ستليها مرحلة تمتد لثمانية عشر شهرا سيتولى من خلالها جسم انتقالي حكم سوريا، سيتكون ذلك الجسم، بالضرورة، من شخصيات معارضة وممثلين عن الحكومة الحالية وعن المجتمع المدني. بعدها سيكون الأسد قد رحل، وستكون هنالك انتخابات. ستركز الحكومة الجديدة على إزالة داعش من حصنها المتهاوي حول مدينة الرقة.

ما زال هناك أمل أن تتحقق تلك الرؤية، إذا ما توصل الروس والأمريكيون إلى اتفاق وقف إطلاق نار مع بعضهم بعضا، سيكون من الممكن بعدها استئناف المحادثات في جنيف، مع فارق أن كل الأطراف ستكون، ربما، قد رأت إمكانية قيام سوريا ما بعد الأسد.

هنالك الملايين من السوريين لا تزال تعيش في البلاد، فضلا عن نحو 5 ملايين قد هربوا، وجميع ما يتوقون إليه هو وضع حد للعنف، نملك الآن فرصة لنريهم كيف في إمكاننا تحقيق ذلك مع أول صورة ذات صدقية لسوريا من دون الأسد.

 

بوريس جونسون – وزير الخارجية البريطاني

ترجمة: أنس عيسى – جيرون

تعليقات الفيسبوك