دفعني كثرة الحديث عن مصير الأسد، لاسيما حول إمكانية بقائه على رأس السلطة بتواطئ دولي وبدعم روسي، إلى استذكار ما حدث مع الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، والذي سقط بعملية عسكرية “للناتو” بقيادة أمريكية مطلع القرن الحالي، انتهت باعتقاله ليساق إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي على خلفية ارتكاب الكثير من المجازر آخرها مجزرة سربرنيتشا التي ارتكبتها قواته بحق 5000 بوسني من الرجال والأطفال والنساء الذين قتلوا أمام أعين مراقبي الأمم المتحدة والقوات الدولية وبتواطئ منها.
وجه الشبه بين ميلوسوفيتش وبشار الأسد ليس فقط في مستوى الإجرام، وإنما يكمن أيضا في الدعم الروسي لكلا الرجلين، إن لم نقل إن الدعم الروسي لميلوسوفيتش كان أكثر تقدما على اعتبار أنه وصل إلى حد مساعدة روسيا للجيش اليوغسلافي في إسقاط طائرةِ شبح أمريكية خلال العملية، ذلك الدعم الذي انتهى باتفاقية بين واشنطن وموسكو، أَطلقت فيها يد الأخيرة في مناطق القوقاز والشيشان التي دخلتها القوات الروسية في العام 2000 بالتزامن مع دخول القوات الأمريكية إلى يوغسلافية السابقة وإسقاط نظام ميلوسوفيتش واقتياده إلى محكمة الجنايات الدولية التي مات فيها عام 2006 قبل انتهاء محاكمته.
ربما يدرك ساسة النظام، كما يدرك الكثيرون، أنه من الخطأ ربط مصير بشار الأسد بالدعم الروسي الذي لم يحم ميلوشوفيتش من السقوط، لاسيما وأن لدى روسيا القدرة على إيجاد أي حليف لها يخلف الأسد في حكم سوريا فيما إذا قررت التخلي عنه لصالح اتفاق مع واشنطن، خاصة وأن روسيا لا تدافع عن الأسد بذاته وانما تسعى من خلال الحرب السورية إلى تحقيق توازن قوى جديد في الخارطة العالمية عبر اتفاق شبيه باتفاق إسقاط ميلوسوفيتش، ليس بالضرورة أن ينحصر بالحدود السورية وإنما من الممكن أن يتعلق هذا الاتفاق بملفات القرم أو أوكرانيا أو مناطق توسع روسية جديدة في أوروبا الشرقية، في الوقت الذي تعاني فيه روسيا من انكماش كبير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي 1990 ووصول الدرع الصاروخية الأمريكية إلى حدود روسيا الغربية، ما يجعل من اتفاق كهذا ثمنا جيدا للتنازل عن دعم الأسد.
عمليا، لم تعد روسيا بحاجة لبشار الأسد في سوريا فالسفير الروسي وقاعدة حميميم الروسية باتوا المسير الأكبر لكل ما تشهده البلاد من تطورات بما فيها تحركات وقرارت الأسد الذي تحول بفعل هذا الواقع إلى مجرد موظف في الحكومة الروسية يمكن استبداله أو إنهاء خدمته في أي لحظة دون أدنى تضرر للمصالح الروسية خاصة في ظل تركيبة النظام السياسية والعسكرية الممتلئة بالموالين لموسكو، وهو ذات الأمر الذي يمكن أن يُسحب على إيران ثاني أكبر داعمي النظام من حيث القوة، والتي هي الأخرى لم تعد بحاجة لشخص الأسد مع امتلاكها آلاف المقاتلين والمسلحين على الأرض السورية يعملون على ترسيخ مصالح طهران في سوريا غير سياسة “التغيير الديموغرافي لمناطق العاصمة دمشق” في محاولة لخلق مشروع ضاحية دمشق الجنوبية التي تضمن بقاء موطئ قدم لطهران في سوريا بعد رحيل الأسد.
واقعيا، ما يستفيد منه الأسد وأكبر عوامل استمراره في السلطة ولو شكليا حتى الآن، هو أن مسألة بقائه لم تعد هي المشكلة حتى بالنسبة لحلفائه، وأن الحرب التي تشهدها سوريا وتديرها دول إقليمية وعالمية باتت حرب مصالح تحول فيها الأسد ونظامه إلى ورقة ضغط يستخدمها كل طرف ضد الطرف الآخر وضد الثوار السوريين لتحقيق مصالحه، فسوريا دخلت فعليا ومنذ بداية التدخلات الخارجية في معركة عض الأصابع بين كل تلك الأطراف.
مما لاشك فيه، أن روسيا لن تضحي بأي مكاسب إضافية ممكن أن تحصل عليها في أوروبا الشرقية مثلا مقابل الاحفاظ برئيس شكلي، كما أن ايران لن تضحي بطموحاتها النووية ونفوذها في العراق لأجل الأسد الذي لم يعد يملك ما يقدمه لنظام الولي الفقيه، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لم يعد لديها أي مصلحة بالأسد خاصة مع احتراق ورقة حفظه لأمن اسرائيل التي كان يستخدمها سابقا بعد أن سقطت كل المناطق الحدودية والاستراتيجية القريبة من الحدود مع الجولان السوري بيد المعارضة السورية، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية القادمة لن تغامر بمكانة واشنطن العالمية والخروج من سوريا بمظهر الخاسر لاسيما في حال وصول الجمهوريين إلى الحكم بعد سنوات الترهل والضعف خلال حكم باراك أوباما، وبالتالي ليس من مصلحة أي طرف دولي الاحتفاظ بالاسد بعد انتهاء الحرب وتحقيق مصالحه.
وهنا يمكن القول وبناءا على معطيات الواقع السابق إن ما بات يفصل بين بشار الأسد والسقوط أو ملاقاة مصير ميلوسوفيتش هو إعلان وقف الحرب في سوريا، وتوصل روسيا والولايات المتحدة على وجه الخصوص إلى اتفاق مصالح فيما بينها ينهي لعبة عض الأصابع ويزيل كل أدواتها من مشهد ما بعد الحرب وعلى رأس تلك الأدوات بشار الأسد الذي، وبحسب لعبة المصالح، سيمثل سقوطه أو قتله أو إزاحته بأي شكل من الأشكال المشهد الأخير قبل إسدال الستار على حقبة الحرب في سوريا، وهو ما يفسر محاولة الأسد جاهدا إلى الاستمرار في تلك الحرب عبر خرق الهدن والمجازر ومحاولة تحقيق انتصار عسكري ربما يكون قشة يتعلق بها نظامه.
حسام يوسف – تيار الغد السوري