فيما تغرق سوريا مجددا في دوامة سفك الدماء بعد توقف الهدنة التي أعلن عنها الأسبوع الفائت ولم يلتزم بها النظام، ووسط مستقبل غامض، وبعد أن أوقفت الأمم المتحدة قوافل مساعداتها الإنسانية بعد التعرض لها وبعد ممانعة النظام لدخولها، يناشد مسؤولون دوليون بإعادة الهدنة فيما تسعى الدول الكبرى جاهدة إلى إقناع نفسها بأن وقف اطلاق النار يمكن إنقاذه.
فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن المساعي الأمريكية الروسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات “لم تنته”، ووعد باستئناف المحادثات الدولية هذا الأسبوع.
كما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن الدبلوماسية هي الطريق الوحيد لإنهاء الحرب في سوريا، مؤكدا أنه لا يمكن تحقيق نصر عسكري حاسم، وعلينا أن نبذل جهودا دبلوماسية حثيثة تهدف إلى وقف العنف وتوصيل المساعدات للمحتاجين”.
تصريحات كيري الحاسمة بعد اجتماع مقتضب في نيويورك للمجموعة الدولية لدعم سوريا، لم تخف جو التشاؤم بين وزراء خارجية دول المجموعة. وقد وصل كيري إلى الاجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ليترأس المجموعة التي تضم 23 دولة.
والعلاقات بين أعضاء المجموعة متوترة ومتباينة ومتناقضة بعد الغارة الجوية التي شنها التحالف خطأ وأدت إلى مقتل 60 جنديا سوريا يوم السبت الفائت. وأول أمس الاثنين بدا أن المفاوضات محكوم عليها بالفشل بعد أن أعلن جيش النظام اللسوري انتهاء وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية روسية، وإصابة قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة في غارة جوية.
إلا أن كيري انتهز فرصة اجتماع أعضاء مجموعة الدعم في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة ليجري محادثات أزمة بحسب وكالات أنباء . ورغم أن جو المحادثات كان قاتما ولم تثمر عن نتائج، إلا أنها شكلت فرصة لكيري ومبعوث السلام الدولي لسوريا استيفان دي ميستورا للتأكيد على أن العملية لم تنهار. ولم تستمر المحادثات لأكثر من ساعة، وقال المشاركون فيها إن الجو كان متوترا وجديا.
وصرح جون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن الوزراء “اتفقوا على أنه رغم استمرار العنف إلا أنه لا يزال من الضروري السعي للتوصل إلى وقف للاعتداءات في جميع أنحاء سوريا يستند إلى الترتيب الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي في جنيف بين الولايات المتحدة وروسيا.
من جهته، صرح وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون للصحفيين أن “الجو السائد كان أن أحدا لا يريد التخلي عن وقف إطلاق النار”. مضيفا “بصراحة فإن عملية كيري ولافروف هي المساعي الوحيدة الآن وعلينا أن نعيدها إلى مسارها”.
وقال وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرلوت إن الاجتماع كان متوترا، إلا أنه قال إن على الدول الأخرى أن تساعد موسكو وواشنطن الآن في التغلب على الخلافات. وقال “لقد كان اجتماعا دراماتيكيا، والجو العام كئيب. هل يوجد أمل؟ لا أستطيع الإجابة عن ذلك بعد، لكن علينا أن نبذل كل ما بوسعنا”.
وأضاف “المفاوضات الأمريكية الروسية وصلت الى حدها. والكثير لم يقل بعد. الروس والأمريكيون لا يمكنهم أن يقوموا بذلك لوحدهم”. وبدون التوصل الى وقف لإطلاق النار، فستفشل محاولات إيصال المساعدات للمدنيين الذين يعانون من الجوع أو التوسط في إجراء حوار سياسي.
وقال إيميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لوكالة فرانس برس “فشل وقف اطلاق النار يعني أن شقي المقاربة الآخرين سيفشلان”.
وطالب مسؤولون أمريكيون روسيا بالاعتراف بمسؤولية ما قالوا إنه ضربة جوية شنتها الطائرات الروسية أو السورية على قوافل المساعدات الدولية قرب مدينة حلب. إلا أن وزارة الدفاع الروسية نفت أي دور لها في الهجوم وحاولت توجيه الاتهام إلى الفصائل المسلحة التي تقاتل ضد نظام الاسد. كما نفى النظام السوري علاقته بالغارة.
ومن جهته، أدان الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون “الهجوم المشين والوحشي الذي يبدو أنه متعمد” والذي أدى إلى مقتل نحو 20 شخصا من عمال وموظفي وسائقي الهلال الأحمر العربي السوري. فيما أكد وزير خارجية ألمانيا فرانك والتر شتاينماير أن الهجوم سمم أجواء اجتماع مجموعة دعم سوريا حيث كان المشاركون يشعرون بـ”الاستياء الشديد”.
وقال “كان الجميع مدركون أننا نجد أنفسنا مرة أخرى على أعتاب سوريا”. وأضاف “لا يوجد سوى مسار وحيد للحل في سوريا وهو بذل الجهود الجديدة دائما لخفض مستوى العنف. ولتحقيق ذلك على القوى الإقليمية أن تبذل المزيد من الجهود”.
ودان تيار الغد السوري في بيان له ترويع الآمنين واستهداف قوافل المساعدات الإنسانية معتبرا أن هذا الأعمال الإجرامية التي تستخف بحياة الإنسان، وبكافة الشرائع الدولية والإنسانية هي دليل إضافي على استخفاف الأسد أيضا بالجهود الدبلوماسية الهادفة إلى تحقيق وقف للأعمال العدائية وإعادة إطلاق المفاوضات السياسية من أجل السلام.
وأضاف تيار الغد أنه بالإضافة إلى أعمال القتل بحق الشعب السوري، فإن نظام بشار الأسد قد قتل الهدنة أيضا ودفنها، بعد أن تفاءل الكثير من السوريين في مناطق سيطرة النظام والمعارضة، على حد سواء، بها في الأيام الأولى لتحقيقها خفضا ملحوظا في درجة العنف والضحايا، وأصبح لديهم بعض الأمل في تحقيق السلام.