نقلت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” مخاوف خبراء روس من أن يؤدي مقترح الرئيس الأمريكي بإقامة مناطق آمنة في سوريا إلى ترسيخ حدود لمناطق النفوذ المختلفة، مشيرة إلى موافقة زعماء عرب من دول الخليج على مقترح ترامب.
وبحسب الكاتب إيغور سبوتين فإن الخبراء لا يستبعدون أن تؤدي مبادرة ترامب حول إنشاء مناطق آمنة في سوريا إلى ترسيم حدود مناطق النفوذ المختلفة في هذا البلد. مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طرح موضوع إنشائها أثناء مكالمته مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. ووفقا للمكتب الصحافي للبيت الأبيض، فإن محادثي ترامب أيدا هذه الإجراءات.
وفي تعليقه لوكالة “رويتر”، قال مسؤول سعودي رفيع إن العاهل السعودي والرئيس الأمريكي تحدثا عبر الهاتف لأكثر من ساعة، وإن الزعيمين أعربا عن الاستعداد لمحاربة الإرهاب والحفاظ على التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين. وإنهما، إضافة إلى مسألة النفوذ الإيراني والأزمة السورية، تطرقا إلى موضوع تنظيم “الإخوان المسلمين”، المحظور في الكثير من الدول بما فيها روسيا. ولاحظ الجانبان أن أسامة بن لادن تم تجنيده في مرحلة مبكرة من قبل تنظيم “الإخوان”، كما ذكر المتحدث السعودي.
غير أن إنشاء مناطق عازلة في سوريا يبقى أحد الموضوعات الرئيسة في جدول أعمال ترامب الحالي. ومن جانبه، أعلن الطرف الروسي أنه يدرس خطة الرئيس الأمريكي. وقال وزير الخارجية “سيرغي لافروف” إنه “سوف يستوضح من الجانب الأمريكي جوانب هذا الموضوع”، وأشار إلى هذا الأمر يختلف عن الأفكار التي كانت تطرح في المراحل السابقة للأزمة السورية، والتي كانت تفترض إنشاء ساحةٍ ما على الأراضي السورية تكون مقرا لحكومة بديلة وتُستخدم كنقطة انطلاق لإسقاط النظام.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا، الشريك الحالي لروسيا، كانت من بين اللاعبين الدوليين الذين اقترحوا فكرة إنشاء “منطقة عازلة”. ولكن روسيا رفضت مناقشة الاقتراح، كما انتقدت الخارجية الروسية في آذار/مارس 2016 المبادرة التركية، وحذرت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” أنقرة من أن “القيادة التركية يجب أن تتوقف عن محاولات الدفع بهذه المبادرة”، مشيرة إلى ضرورة “التنسيق مع هيئة الأمم المتحدة والحكومة السورية” في حال الحديث عن موضوع المناطق الآمنة.
وفي تعليقه على مبادرة ترامب بشأن “المناطق الآمنة” في سوريا، قال لافروف إن “الهدف الأمريكي من إنشاء مناطق آمنة في سوريا، “كما أنا أفهمه” هو تسهيل حياة اللاجئين السوريين، والحد من سفرهم إلى الدول المحيطة وأوروبا. وإذا كان الحديث يعني هنا تحديدا “مسألة إيجاد حل لأزمة المهاجرين” فإن هذا يمكن حله عبر التنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وغيرها من البنى المختلفة التابعة لهيئة الأمم المتحدة”. وأضاف لافروف “بالطبع، إن مبدأ إنشاء مناطق آمنة، وكذلك تفاصيله بحاجة إلى موافقة الحكومة السورية”.
هذا، وتحدث الرئيس ترامب مرارا عن إنشاء مناطق آمنة في سوريا. وقد أمر البنتاغون والخارجية منذ عدة أيام بـ”إعداد خطة خلال فترة 90 يوما لإنشاء مناطق آمنة في سوريا والمنطقة”، كما جاء في نص المرسوم الرئاسي، من دون التطرق إلى أي تفاصيل حول شكل هذه المناطق الأمنة، ومن سيدفع تكاليفها؟ ومن سيدافع عنها؟.
وكان الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال “مارتن ديمبسي” في عام 2013 قد قيم تكاليف إنشاء المناطق الآمنة بحوالي مليار دولار شهريا، هذا إضافة إلى أن بعض موارد الجيش الاميركي يجب ان “تتحول” بدلا من الحرب ضد تنظيم “داعش” إلى الدفاع عن هذه المناطق الآمنة.
وقد يسلط الضوء على مخططات ترامب ما جاء في مقابلته مع صحيفة “بيلد” الألمانية، حيث أفصح سيد البيت الابيض عما يدور في خلده بالقول إن على “بلدان الخليج أن تسدد ثمن ذلك، “أي تكاليف المناطق العازلة”، لأنها في نهاية المطاف تمتلك مالا وفيرا لا وجود لمثله عند أحد آخر”. وفي لقاء مع قناة “إي بي سي نيوز”، أوضح ترامب أنه لا يرغب بأن تتكرر في الولايات المتحدة أزمة الهجرة، التي حدثت في أوروبا قبل عام. وعلى ما يبدو، فإن مسألة إنشاء مناطق آمنة، تنسجم مع فهمه لكيفية مكافحة تدفق المهاجرين.
من جهته، قال ليونيد إيساييف، مدرس العلوم السياسية في كلية الاقتصاد العليا الروسية، إنه من المؤمل أن تكون المنطقة الآمنة مخرجا للمأزق السوري على المدى الطويل. وهذا هو الحل الواقعي الوحيد للصراع، وسيستفيد منه الجميع، ولكن في المقابل هناك شكوك من أن يؤدي إنشاء مناطق آمنة في سوريا إلى تفكيكها. مشيرا إلى وجود مخاطر جدية في مبادرة الرئيس الأمريكي من أن “تعزز نمو الأفكار الانفصالية” في البلاد. ولكن كل شيء في الوقت نفسه، كما يرى إيسايف، يعتمد على أطراف الصراع في سوريا، وقوة الإرادة في التوصل إلى التسوية السياسية المشتركة. وأضاف أن الصراع من أجل تقاسم مناطق النفوذ، لا يعني بعد التقسيم الفعلي للبلاد.
وأشار إيساييف إلى أن إنشاء المناطق الآمنة سيقلل من إمكانية التصادم بين أطراف الصراع في سوريا كما أنه سيقلل من نفوذ اللاعبين الخارجيين وهو ما يمكن اعتبارها خطوة نحو حل الصراع. ومن غير المرجح أن يؤدي إلى حل كامل للقضية السورية، ولكنه بلا شك سيحد من الصدام على الأرض ويساعد على حل سياسي طال انتظاره.
كما نوه الخبير الروسي إلى ضرورة استمرار وتطوير التعاون الروسي التركي الإيراني في سوريا شريطة أن لا يعني ذلك خلق مناطق نفوذ لهذه الدول في سوريا لأن ذلك سيثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، وعلى العموم على الجميع إدراك حقيقة أنه كلما انخفض مستوى العنف في سوريا، من كل من اللاعبين المحليين، فإن ذلك سيسهل مهمة الخوض في الحل السياسي وإيجاد ملاذ آمن لملايين المدنيين الذين يعانون ويلات الحرب، ووجود مناطق نفوذ لهذا الطرف أو ذاك لا يعني بالضرورة تقسيم البلد كما قد يظن البعض.