هل أتى الدور على إيران؟ هل سيحتفل العرب في مدنهم وعواصمهم، ولا سيما الخليجية منها، بمشهد رفع العلم الأمريكي فوق تماثيل الخميني والخامئني في طهران، هل سنشهد حكومة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة “العلمانية أو الوسطية” تدخل على ظهر الدبابات الأمريكية، والأهم هل سيتكرر سيناريو بغداد في طهران، ونتخلص إلى الأبد من خطر البوابة الشرقية؟.
ربما هي أكثر الأمور التي تسيطر على تفكير المواطن العربي حالياً بعد تصعيد اللهجة الأمريكية حيال طهران، لاسيما بالنسبة للناظر إلى الكوارث في الشرق العربي على أنها نتيجة التدخلات الإيرانية وأطماع الملالي بالتوسع، تلك الأطماع التي دمرت سوريا واليمن والعراق ولبنان، وهددت الكعبة المشرفة ودول الخليج، لكن السؤال المهم هنا وقبل “السرحان” أكثر في خيالنا، هل فعلاً “دونالد ترامب” قادر على اتخاذ مثل هذه الخطوة أو القرار باجتياح إيران أو ضربها عسكريا؟، هنا يكمن بيت القصيد.
كلنا يعلم تهور ترامب، وربما عدم صلاحيته للتفكير السياسي والدبلوماسي، لكن أعتقد أنه من المبالغة جداً الحديث عن قدرته على اتخاذ مثل هذه الخطوة، على الأقل في الوقت الراهن، لاسيما وأن الرجل لا يملك الصلاحية الكاملة لاتخاذ هذا القرار بمعزل عن إدارته وعن موافقة الكونغرس “الذي لا يحظى بتأييد كبير فيه” أو وكالة الاستخبارات الأمريكية والمعروفة بموقفها المعارض لأي عمل عسكري من هذا القبيل لاسيما بعد حرب العراق 2003، بالإضافة إلى أهمية رأي جماعات الظل ذات النفوذ في واشنطن كـ”إيباك” حيال هذا الأمر، ناهيك عن القوة العسكرية الإيرانية التي تجعل من الصعب تكرار سيناريو العراق فيها بهذه البساطة.
أما لو تحدثنا بعيداً عن الناحية القانونية وقدرة ترامب على اتخاذ القرار، فإن من يعرف المصالح الأمريكية – الإسرائيلية، يدرك تماماً أن تلك المصالح تطلب بقاء إيران ونظامها بشكله الحالي، وذلك انطلاقاً من عدة اعتبارات، أهمها حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي خلقتها إيران في المنطقة العربية من خلال احتلالها الفعلي لأربع عواصم عربية “دمشق – بيروت – صنعاء – بغداد” ولإثارتها المشكلات في الكثير من الدول العربية الأخرى، ما ساهم إلى حد كبير في تهميش القضية الفلسطينية وفتح المجال أكثر أمام إسرائيل للتوسع في الاستيطان والتفرد بقضية فلسطين التي لم تعد بطبيعة الحال من أولويات الشارع العربي في ظل بروز عدو جديد غير إسرائيل على الساحة، طبعاً إلى جانب ما أسهمت به مطامع إيران في المنطقة العربية من التقارب بين إسرائيل والعديد من الحكومات العربية “ولو من تحت الطاولة” في ظل ما باتت تشكله طهران من تهديد للشرق العربي.
في السياق ذاته، لا يمكن تجاهل أن الخطر الإيراني كان ولا يزال ورقة الضغط الأمريكية الأكبر على دول الخليج ولاسيما السعودية، وهي ورقة الضغط الأكبر التي تمكن الإدارات الأمريكية على اختلافها من فرض التحالف الذي يناسبها على دول الخليج ويساعدها على ترسيخ قواعدها هناك باسم ذلك التحالف وأمن الخليج من التمدد الإيراني، وبالتالي فسيكون من السذاجة السياسية تخلي الولايات المتحدة عن هذه الورقة مقابل لا شيء.
هنا لا أقصد استبعاد اتخاذ إدارة ترامب أي خطوات ضد النظام الإيراني، ولكنها ستنحصر خارج الحدود الوطنية لإيران، أي أن الضربات ستهدف إلى قطع الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية كمليشيات حزب الله والميليشيات العراقية وربما أيضاً ميليشيات الحوثي، ما يعني أن سوريا واليمن وأيضاً العراق غالبا ما ستكون المسرح الرئيسي للضربات الأمريكية ضد نظام إيران، ولا أعتقد انها ستتجاوز ذلك إلى حد ضرب إيران أو منشآتها النووية.
باختصار، فإن أكثر ما يمكن لترامب عمله ضد إيران اليوم أو ربما ما هو مطلوب منه “إسرائيليا”، هو تشديد العقوبات أكثر على إيران، وإعادة نفوذها إلى ما كان عليه قبل العام 2003، بعد أن أدت طهران مهمتها كاملة في تدمير سوريا واليمن ولبنان والعراق، وأشعلت فتيل حروب أهلية كبيرة في المنطقة العربية خلقت شرخاً كبيراً بين مكونات الشعب العربي “عرقياً وطائفياً” يمهد إلى ما يسمى بمشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي تتبناه الولايات المتحدة منذ إسقاط نظام صدام حسين.
أعتقد أنه من المبكر جداً الحديث عن نهاية حقبة الملالي السياسية، والأصح هو الحديث عن نهاية دورها في المنطقة العربية، أو الحد منه، وأن تلك النهاية أي “إسقاط الملالي”، حتى وإن جاءت، فإنها لن تأتي إلا بعد تصفية الكثير من القضايا على الساحة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، كما أنها ستأتي بسيناريو بعيداً تماماً عن سيناريو العراق أو الحرب العسكرية المباشرة، وأغلب الظن أنها ستكون بسيناريو قريب مما نشاهده في سوريا اليوم، لاسيما في ظل وجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية المضطهدة في إيران والتي تشكل نواة حقيقة لثورة عارمة ربما تحمل معها تقسيما جزئيا لإيران.
حسام يوسف – تيار الغد السوري