تيار الغد السوري المعارض الذي يرأسه أحمد الجربا، كما يسمي نفسه ويصف كيانه في بيانه التأسيسي هو: “تيار معتدل وسطي عابر للمناطق والطوائف داخل جسد المعارضة السورية تم إطلاقه كمحاولة لتشكيل وعي جمعي سوري، يخرج من عقلية التفكير السياسي الدوغماتي الذي يتجلى في التعصب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته والتي قد تصل إلى حد الجمود الفكري، والتشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي.
لقد انطلق المؤتمر التأسيسي لـ”تيار الغد السوري” من القاهرة، وعرف عن نفسه كمشروع سياسي هدفه الخروج من فخ الأسلمة في مواجهة “النظام” وداعش، لكسر الجمود والاستعصاء، وهي العوامل الموضوعية حسب رأي تيار الغد السوري، التي وسمت الحالة السورية منذ خمس سنوات دامية بعقلية أورثتها ممارسات النظام، كما أورثتها ممارسات المعارضة، التي وقعت بفخ الأسلمة الذي نصبه لها النظام السوري الذي يستعين بخبراء استراتيجيين صفويين، وهو ما طبع بعض ممارسات المعارضة السورية بالتشظي، وحرمها من الواقعية وعرض بعض مساراتها في بعض الأحيان إلى الدخول في متاهات اللامعقول، فأصبحت الحالة السورية التي بدأت سلمية مرادفاً للإرهاب، مما دفع العالم للتنكر لمطالب السوريين، وجر على البلاد والعباد الدمار والقتل والتهجير، لتصبح المأساة السورية أكبر وأضخم مأساة في التاريخ الإنساني. وليصبح الدم السوري مسفوحاً على طاولة المساومات والصفقات والمفاوضات الدولية والإقليمية، في نأي واضح عن المطالب التي خرج من أجلها السوريون ضمن تحولات الربيع العربي منذ خمس سنوات، وقدموا في سبيلها تضحيات وقرابين على مذبح الحرية قل مثيلها في التاريخ الإنساني.
إن الحالة السورية التي تماهت بنوع من التزاوج الخبيث بين فكرتي “الأسلمة”، و “المؤامرة” والتي روج لها النظام السوري القمعي، لتدخل في مهب تنظيمات دولية عاتية ومستجلبة وعابرة للوطنية، اصطدمت بواقعٍ حال دون تشكيل رؤية تتناسب وطموح السوريين في إقامة دولتهم المدنية التعددية الجديدة، التي تؤمن بالمواطنة، وبدولة قانون يخضع فيها الجميع حكومة وشعباً لسلطة العدالة والديمقراطية. ونتيحة لهذه الحالة، ولد التيار الجديد “تيار الغد السوري” على يد مجموعة من المعارضين والمثقفين والباحثين والتكنوقراط، الذين ــ كما يصفون أنفسهم ــ شعروا بخطر انزلاق الأداء الذي سارت به المعارضة السورية والوقوع في فخ النظام الديكتاتوري النصيري، هذه المعارضة التي بدت ضعيفة نتيجة نقص خبرتها في المسار السياسي منذ قيام “المجلس الوطني” 2011، الذي هيمنت عليه مجموعة من الإسلاميين، لتغدو معارضة غير قادرة على بناء دولة مدنية تعددية، في دولة مثل سورية تضم أطيافها أكثر من أربعين طائفة وإثنية وعرقاً.
لقد ولد تيار الغد السوري ـ كما يعرف عن نفسه ــ لإنتاج حركة سياسية سورية تحمل وعياً يطابق حاجات الواقع السوري، قوامها الديمقراطية والمساهمة في العمل على نقل سوريا من حالة الديكتاتورية والقمع البوليسي إلى فضاء حر يساهم في تقدم المجتمع الإنساني. وقام هذا التيار السوري برئاسة – أحمد الجربا – بعقد مؤتمره التأسيسي في القاهرة، بمشاركة مجموعة من السوريين منهم المعارضون، والذين تقطعت بهم السبل في إيجاد رؤية وطنية تطمح لوقف نزيف الدم السوري المسفوح بين دول إقليمية وميليشيات طائفية، تتكئ على الملف النووي الإيراني، وتوظف أزمة تركيا مع الأكراد والاتحاد الأوروبي.
هذا التيار يصرح بأنه أبعد من حزب أو معارضة، وأنه يؤسس لسورية، الدولة التعددية الحديثة التي تحترم حقوق الأقليات وحرياتهم العامة، وتلتزم في دستورها بالمواثيق الدولية والمبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد أن ظل الأداء السياسي للمعارضة السورية محكوماً بجملة من الاستقطابات الدولية والإقليمية، التي تؤشر في مجملها إلى عدم قدرة المعارضة على إحداث أية زعزعة في أركان بنية النظام السوري الطائفي الذي رفع شعار: “الأسد أو نحرق البلد”. لتدخل سورية في دوامة الاستعصاء، وتتحول إلى بؤرة للجهاديين والتكفيريين والفوضى، التي باتت تهدد المنطقة والعالم، ومن ثم ليصبح الإرهاب البديل الوحيد لإسقاط النظام الطائفي، هذا النظام الذي طالما اشتغل على استجلاب القوى الإقليمية والدولية إلى سوريا وزجها في صراع يحقق للنظام السير في سياسة سحق المعارضة وتعقيد الصراع؛ وبما يؤمن له كسب عامل الوقت، كي يحول مطالب السوريين بالحرية وبدولة مدنية تعددية إلى صراع بدأ إقليمياً وانتهى دولياً.
إن مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والعدالة قد تشظت منذ ظهور تيارين متصارعين على الأرض السورية الأول سني تدعمه تركيا من خلال “الإخوان المسلمين”، والثاني شيعي تدعمه إيران عبر حزب الله والميليشيات الطائفية والمرتزقة القادمين من كل أصقاع الأرض، وليستطيع نظام الأسد الدموي إعادة تدوير العقلية التي يؤمن بها المتأسلمون من المعارضة السورية، ويقنع العالم بفرضية المؤامرة الكونية، التي تقف وراءها قوى ظلامية وتكفيرية من إرهابيي الإسلام الراديكالي المتطرف، ولتبدو الثورة السورية أمام الغرب، كمجرد حرب طائفية ضد الأقليات، وهي الفكرة التي تبناها النظام واستثمرها، ليقنع الأقليات بالالتفاف حوله والاحتماء به.
ومن هنا يصرح الجربا مؤسس “تيار الغد السوري”، بأن التيار جاء بعد أنْ أدار العالم ظهره لتطلعات السوريين، في محاولة جدية لإعادة تصحيح رؤية المجتمع الدولي للثورة السورية على الوجه الحقيقي للمعارضة ونهجها الفكري والسياسي في ترسيخ الديمقراطية. وأن هذا التيار هو دعوة مفتوحة لكل السوريين من أجل التلاقي عند قواسم مشتركة تحترم حق الاختلاف، وتسعى إلى طرح تصور جماعي مقبول على أوسع نطاق، لما يعتقد أنه مستقبل سورية.
أما “تيار الغد السوري” حسب رؤية منظريه فإنه بدأ بالاندماج في عمق الواقعية السياسية التي تتقدم أولويات أي عمل سياسي، في غاية مؤداها إخراج السوريين من موتهم العلني بواسطة السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة وقوارب الموت في بحر إيجة، من خلال دراسة وتحليل ما هو حتمي وقائم على الساحة الدولية، خصوصاً بعد الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول الملف النووي الإيراني والبدء بدراسة الملف السوري. وبخصوص التداخلات والتعقيدات الإقليمية والدولية، فإن “تيار الغد السوري” ينطلق ــ حسب رؤية مؤسسيه ــ من أهمية تحليل الصراع في سورية كظاهرة سياسية في إطار النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ومتغيراتها، بحيث لا تتوقف رؤيته الاستراتيجية عند الأخذ بالنظرية الواقعية القائمة على الاستفادة من مصادر القوة في المجتمع الدولي، إنما يتعداه للأخذ بالنظرية الليبرالية في العلاقات الدولية، وهو ما تضمنه البيان التأسيسي لتيار الغد السوري، ولتشكل معاني الحرية والحق في الاختلاف، التي تتمحور حول الفرد كقيمة، مقدمة الأولويات في التيار السوري الوليد، حيث تندمج خصوصية الفرد، من دين ومذهب واعتقاد في فسيفساء الإطار المكون للشعب السوري.
نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث
التعليقات
لايوجد تعليقات