فلسطين هي الشاهد والضحية، وهي من استغل اسمها زورا لتمرير ما لا يمكن تمريره. هللت فلسطين كما الجماهير العربية لانطلاق الربيع العربي ولسان حالها يقول “المستعبد لا يحرر”، وانتظرت خافقة القلب لعودة الروح للجسم العربي الذي انهكته سياسات الاستبداد على مر السنين.
لكن أزمتنا وأزمة الربيع العربي انه جاء يتيما.. وقف جيل الشباب بصدورهم العارية مدافعين ومواجهين ذوداً عن هذا الربيع، وهم يصوبون جباههم نحو أفق يعيد لهم إنسانيتهم وكرامتهم التي انتهكتها أنظمة الهزيمة وآلياتها.
صحيح أن ربيعنا لم يحط الرحال بعد، فمعركة الحرية وكرامة الانسان ما زالت في محطة من محطاتها والحرب سجال. وما زال عقل الهزيمة سائداً هنا وهناك، ومحال وصولنا دون تجاوز فكر الهزيمة في العقل العربي بكل ثقافته وخطابه.
فالإستبداد والأبواط العسكرية مسؤولة مسؤولية تاريخية عن الهزيمة أو الهزائم التي مني بها الواقع العربي، من احتلال فلسطين، والتمدد باتجاه سيناء والضفة والجولان الذي مازال قابعا تحت استيطان الثكنة الصهيونية، بينما “شكليا” أعيدت الضفة وسيناء التي أصبحت فضاء وظيفيا يمرر ثقافة وأفكار الرضوخ لسيطرة القوى العالمية بحراسة صهيونية وظيفتها حماية الاستبداد ونشر الفتن واستمرار التجهيل والتبعية، وهي الوظيفة الأساسية لهذه الثكنة.
لهذا دأبت القوى المهزومة والمسؤولة عن تذرير ولوي عنق الربيع العربي، الثورة الوحيدة بتاريخ المنطقة، إما المزاودة بقضية فلسطين، أو باستعمالها هراوة ومشجب لكل هذا العقل القاصر.
الفاجعة الأكبر، ضرب المحرمات، والاجتهاد الغبي أو المستغبي بتمرير مقولة الخيانة كوجهة نظر، وأن تصبح مقولة مخاطبة الصهاينة حالة من اللغو والتفاهه تمر هكذا دون رادع ومحاسبة، أمر ملفت للنظر ودليل على ضعف هذه القوى وتفتت بناها وضحالة وعيها.
أكيد ليس هناك ظرف وميزان قوى حاليا، يسمح بفتح معارك ونحن في خضم معركتنا والسهام موجهة نحونا من كل الجهات، لكن هذا لا يعطي مبررا ولا يشرع لخطوات غبية خيانية؛ بل ولا يمكن التساهل مع هذه الخطوات، كما لا يمكن أيضا أن تكون هذه القضية العادلة مشجبا وهراوة يستعملها كل معتوه إن اختلف، أو كلما حرد غبي يتطاول بجهالة ليتهم الآخرين بالعمالة.
إننا في تيار الغد نعي تماما أهمية القضية الفلسطينية، ونعي عدالتها، كما نعي تماما الدور الوظيفي لهذه الثكنة التي غرست، ليس لطرد الفلسطينيين من أرضهم فقط، ولكن لحماية الاستبداد والتخلف وزراعة الفتن في المنطقة، كما أن التيار يعي ويفرق بين القضايا الاستراتيجية وعوامل حلها والمواقف المرحلية وتسلسل الأولويات.
والبرنامج الذي يحتضنه ويتبناه يقوم على ترسيخ وعي وفكر وثقافة تنويرية تنموية على مستوى المنطقة، والتي تدرك حق الشعب الفلسطيني وعدم التفريط به تحت أي ذريعة وأن النضال بمواجهة هذه الثكنة سيكون:
1 ـ إلغاء دورها الوظيفي، وهذا من خلال وضع يدنا كمنطقة على ثرواتنا والتعامل بالمصالح المشتركة.
2 ـ التفريق بين الصهيونية واليهود باعتبار اليهودية دين، والصهيونية برنامج معادي استيطاني احتلالي.
3 ـ الاعتراف بالظلم التاريخي لليهود باعتباره ظلم وقع عليهم من الغرب النازي ولا علاقة للعرب به.
4 ـ تقديم برنامج محمي أساسه تماسك وقوة المنطقة، لكنه أيضا حضاري يقدم إجابات على هرطقات الغرب ويحل مسألة اليهود في فلسطين كوطن مشترك مع السكان الأصليين والشرعيين وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
تيار الغد يعي ويميز بين المرحلي القاهر والملح، وبين الاستراتيجي ومقدماته، ولديه وعي وفهم، يمكن طرحه والحوار عليه، ولن نقف أمام هرطقات من كتبه أو أصحاب القلم المأجور الذين يتناولون معلومة مدسوسة دون تدقيق ويبنوا عليها تحليلات وتهجمات لن تؤثر على تيار الغد لكنها قطعاً ستؤثر على من يدعي الصحافة ومصداقيتها.
بكل الأحوال نقول ونكرر أن منهج التهجم والتشويه وعدم التدقيق، هو منهج لا ينم إلا عن قصور في الوعي أو ربما صفقة رخيصة، خاصة إن جاءت من صحفي مثل ماجد عبد الهادي الذي له باع في عالم الكتابة والصحافة، وهو ما يجعلنا نشك في مصداقيته ومهنيته وشغفه بملاحقة وتدقيق ما يكتب.
هناك مثل عند الإخوة الفلسطينيين يقول: “قالوا للديك صيح، قال لهم كل شي بوقته مليح”.
زكريا الصقال: عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري.