من الأوقات المحببة لي تناول فنجان من القهوة بصحبة ميشيل كيلو، الرجل المخضرم، صاحب الباع الطويل في الفكر والسياسة، في هذه الجلسات، نادراً ما نتكلم في السياسة. هي للتعرف على الوجه الآخر لهذا الرجل وروحه الطافحة وجداناً عالياً وحساً مرهفاً، لا يعرف كنهها إلا من حظي بمنادمته.
في لقائي الأخير معه ، بادرني بالقول أن كلمة أحمد الجربا في المؤتمر التأسيسي لتيار الغد السوري كانت وطنية ومتكاملة. جاء ذلك في معرض التعليق على كيل الاتهامات للجربا في الفترة الأخيرة، إذ تكاثر الغمز واللمز من قناته، وكان أغلب ذلك من باب تصفية الحسابات، وربما أيضا من منطلق ممارسة هواية تشويه المشتغلين بالسياسة التي برع فيها كثيرون حتى غدت مهنة عند البعض.
في تلك الجلسة، قلت له يمكن أن يكون أحمد الجربا “رفيق الحريري” سوريا، فرد قائلاً: لو كنت مكانه لعملت كي أكون الرجل الذي تمس الحاجة إليه: شكري القوتلي. في الحقيقة، لم يفاجئني تعليق كيلو على خطاب الجربا، مع معرفتي بما صنع الحداد بينهما، وذلك لما يُعرف عنه من حيدة وموضوعية وإنصاف وهو الخبير بمعادن الرجال.
ربما هي مناسبة لأقول أن الميزات الشخصية للجربا لا تقل عن ميزات الشهيد رفيق الحريري. فهذا الرجل لكل من عرفه شيخ بكل المعاني الإيجابية لهذه الكلمة. فهو صاحب موقف، وفي، طيب، إن قال فعل، وفيه لهفة فطرية تجاه اليتامى والفقراء والمحتاجين.
لا أنسى ذلك الموقف عندما انحنى هذا الرجل أمام عجوز نازحة من حمص إلى بلدة تل شهاب في ريف حوران الغربي خلال قيامه بزيارة ميدانية لتلك المنطقة أثناء رئاسته للائتلاف، جلس القرفصاء، وخاطبها قائلا لها بلهجته المحببة: “يا أمي، احنا خدم إلْكَم”، في مشهد غريب عن عالم السياسة في العالم العربي. صحيح أن هناك من رأى في هذا التصرف ضرباً من “البروباغاندا”، إلا أنني أذهب إلى أنه كان صادقاً منسجماً مع ما تربى عليه.
كانت آخر جهوده تأسيس تيار الغد السوري الذي جاء خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن ذلك مجرد بداية، لا بد أن تتبعها خطوات عديدة على مستوى شخصيات التيار وآليات عمله وتحديد أولوياته كي لا يذهب هذا الجهد أدراج الرياح وكي لا تتكرر تجارب سابقة بدأت واعدة، سرعان ما انفض سامرها واستحالت هياكل لا تعني إلا أصحابها يعجُ بها شارع السياسة المزدحم بالنمطي والمتشابه والمتناسخ.
لا ينكر أحد ما للجربا من علاقات تجعل منه رجل سياسة من طراز رفيع، وكان حضور ممثلي قوى إقليمية عديدة في المؤتمر التأسيسي للتيار دليلاً على ذلك، إلا أن هذا لا يكفي. فلم يكن رفيق الحريري ليكفيه ذلك. فقد استعان الحريري بشريحة عريضه من رجال كبار مثل فؤاد السنيورة والمغدور باسل فليحان وآخرين من ذوي الاختصاص والخبرة، خريجي أرقى الجامعات العالمية، وشكل منهم نواة تيار المستقبل الذي استطاع كسب المزيد من الشخصيات والرموز الفاعلة ومن خلفها جماهير عريضة من اللبنانيين الذين يتطلعون إلى استقلال قرارهم الوطني وبناء لبنان الحديث.
تيار الغد السوري يحتاج جهداً خاصاً من رئيسه شخصياً لجمع ما أمكن من الشخصيات الوطنية والخبراء والأكاديميين السوريين المنتشرين في كل بقاع العالم، فلم تعد السياسة تنظيراً وأيدلوجيا محضة منفصلة عن الواقع بعيدة عن مواكبة آخر المستجدات، فهي علم، وعمل، في إطار مؤسساتي حداثي.
لأن السياسة “بيدر” لـ “حقل” الجهد الدؤوب والمثابرة والتميز في ميادين شتى، ولأن الخطب جلل وسورية بحاجة إلى أفكار “من خارج الصندوق” كما يقال، وكي تكون حسابات البيدر من حسابات الحقل، على متصدري المشهد القيام بما عليهم قبل أن يفوت الأوان، عندها لن يفيد الندم على اللبن المسكوب!.
أيمن الأسود عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري
رد
عيب هذا المقال ، ميشيل كيلو الذي قال عن الجربا أنه ” جرب الأسد” يقول العكس؟ أم أن أيمن الأسود الذي يتعيش على الاثنين يريد أن يعمل وسيط بينهما؟ عيب فعلا لقد هزلت