جنيف الشغل الشاغل لكل المهتمين بالشأن السوري بما فيهم السوريين أنفسهم.. لمصلحة من تم انعقاده؟ ومن المستفيد ومن الخاسر في أرض حلبات جولاته؟؟
لو عدنا إلى البداية في 30 حزيران 2012 وبيان جنيف 1 الذي تشكلت حروفه لتنطق بيانه تحت ضغوط متعددة تنضوي بمجملها تحت خانة حرج المجتمع الدولي من عدم فعالية وهشاشة منظوماته التي عرّت بشكل فاضح تأثير المصالح الاستراتيجية لكل دولة صاحبة قرار والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تحديدا.. هذه المصالح الجماعية حينا، والإفرادية أحيانا كانت دائما المتحكم بأي قرار لصالحها حتى لو كان يتعارض مع حماية السِلم الدولي وحقوق الإنسان وتأديب الحكام الشاذين عن الأعراف التي سنها المجتمع الدولي.
لقد اضطر هذا المجتمع الدولي لحلٍ ما يسكت به أصوات الضغط الهائل والمكثف من قِبل مؤسسات المجتمع المدني والقواعد الشعبية للكثير من الأحزاب في الغرب، بالإضافة للمؤسسات ذات الطبيعة الأخلاقية الغير ملزمة بياناتها (منظمات حقوق الإنسان والحريات).
اضطرار المجتمع الدولي دفع لإخراج جنيف 1 ووثيقته التي طويت صفحتها وقتها لتعود الفكرة من جديد بعد أكثر من عام عند بلوغ حجم الدمار والقتل والتشريد في سوريا حجما لم يشهده التاريخ الإنساني من قبل، وبعد ارتفاع الأصوات في كل مكان، تدين صمت المجتمع الدولي بالإضافة لأصوات بدأت تتحدث بوضوح عن اعتبار قادة الدول العظمى ومنظمات المجتمع الدولي شركاء لسفاح دمشق في جرائمه ووجوب محاكمتهم تحت قانون محاكمة عدم مد يد العون لإنسان في خطر.
كل ذلك مضافا إليه بالتأكيد تنامي القوة العسكرية والانتشارية للقوى الإسلامية عموما وما يسميها الغرب بالتكفيرية الإرهابية خصوصا.. هذه القوى التي يمكن أن تمس الأمن الغربي بعيدا وحليفته إسرائيل القريبة.
لهذه الاسباب وغيرها (أسباب معلنة وأسباب غير معلنة) تم بالدفع بالإبراهيمي كموفد للأمين العام للأمم المتحدة ليخرج الينا بمسلسل جنيف بحلقته الثانية ومن ثم ديمستورا بحلقته الثالثة التي لا يمكن القول، حاليا على الأقل، إنها ستكون الاخيرة.
من هم لاعبو جنيف؟؟
هناك المجتمع الدولي والذي ينقسم لقسمين: العالم الغربي الذي تختلف نسب آرائه في المشكلة السورية وطرق حلها، لكن اللاعب الأساس في هذا الفريق (أمريكا) يرى الحل برحيل بشار الأسد، وفي الباطن لا يمكننا الجزم بطبيعة رؤيته، ولكن يمكننا القول إنها محكومة بهواجس أمريكا حول أمنها القومي (الأمن النفطي والأمن القيادي للعالم وترتيباتها للمنطقة وأمن حليفتها إسرائيل) مضافا إليها ما يوصم به رئيسها الحالي (أوباما) وإدارته من انعدام أي رؤية واضحة للسياسة الخارجية وخاصة في الملف السوري.
الفريق الدولي الثاني تمثله روسيا والتي تحاول من خلال الملعب السوري إعادة اسمها كقوة دولية (رغم هشاشة مقومات القوة لديها) مستفيدة من إرثها السوفييتي كصوت دائم ومعطل إن لزم في مجلس الامن إضافة لسلاحها الذي تبيعه لمن تريد دعمه واللعب من ورائه لمصالحها، وقد نجحت لحد الآن في ذلك دون التطرق للمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية التي حصلت وستحصل عليها من خلال دعمها لبشار الأسد.
اللاعب الثالث هو النظام الاسدي والذي فقد منذ زمن طويل أي قرار سيادي، قبِل خوض اللعبة بإشارة من روسيا بعد تفاهمها مع أمريكا، رغم تصريحات النظام المتكررة سابقا انه لن يفاوض الارهابيين وعملاء اجهزة المخابرات الغربية، وقد ذهب بتطمينات روسية (على ما يبدو) بالوقوف معه لأبعد الحدود، إضافة إلى ورقة الكيماوي الذي يؤخر ويماطل بتسليمه كاملا ليضمن عدم تدخل عسكري ضده من قِبل الغرب الذي يضع هذه المسألة في خانة أمن إسرائيل الذي يعتبر الغرب نفسه ضامنا لها ولأمنها. يمكننا أن نضيف كسبب ثانوي، السبب الإعلامي.. حيث وجد النظام بجنيف منبرا تتركز أنظار الإعلام الدولي عليه وهناك يمكنه توجيه رسالته التي يريد تسويقها، وقد رأينا ذلك في محاولات وفده التركيز على مسألة الإرهاب والتكفيريين، وحتى تقديم مجازر ارتكبها جيشه وميليشيات مرتبطة به، على أنها مُنفذَة من قبل المعارضة.
اللاعب الرابع في هذه اللعبة هو المعارضة السورية، والأصح تسميتها بالمعارضات السورية والتي اختزلت، عبر قرار دولي، بالائتلاف السوري في بداية جنيف ثم بهيئة التفاوض في حلقة جنيف الثالثة، ومع لمسات ديمستورا وروسيا والنظام تمت إضافة معارضات جديدة بينها من تشكل داخل أجهزة الأمن السورية ومثيلاتها الدولية أو بصفات استشارية من ديمستورا ومع الوقت ستصبح مقررة.
الائتلاف الذي شهد في الفترة السابقة لجنيف 2 مشاهد تجاذب وانسحابات، طبعته بصورةٍ، أقل ما يمكن القول عنها أنها سلبية، إن لم نقل مخجِلة، مع شبه انعدام لتأييد الشارع الثائر في سوريا. لقد ذهب الائتلاف السوري مدفوعا بضغوطات مُجبِرة من الدول الغربية والعربية الممولة له، ضاربا بشروطه المسبقة عرض الحائط، ولعله التقى (في إحدى الأسباب الثانوية لقبول الذهاب) مع النظام باستغلال المنبر الإعلامي لجنيف وألقه، عله يستطيع تصحيح صورته السيئة لدى السوريين على الأقل، من خلال محاولة تحصيل أي مكاسب ولو إعلامية. وبجزئيات كثيرة ينطبق هذا الكلام على هيئة التفاوض مضافا إليه ابتعاد هيئة التفاوض تدريجيا عن العمل المؤسساتي باتجاه العمل الفردي والارتجالي.
هذه، بشكل مبسط، أهم الاسباب الموجبة لكل فريق ليذهب إلى جنيف بكل محطاتها، والتي بعد جولتيها الأولى والثانية والثالثة، لم نرى فيها أي تقدم يذكر، حيث ما زال الخلاف على نقاط جدول الأعمال، وتفسير كلمات مقررات جنيف 1.. وما زالت المهاترات الإعلامية هي الواضحة، وكل فريق يحاول الظهور أمام الإعلام بدور الضحية مع محاولات ديمستورا الواضحة لتقديم حله الذي يسميه “واقعيا” مبتعدا بالشكل والمضمون عن وثيقة جنيف 1.. وما زال القتل والتجويع والحصار والدمار والتشريد في استمرار وتزايد..
ومازال المجتمع الدولي بفريقيه مرتاحاً، كونه رفع المسؤولية الأخلاقية (أمام شعوبه) عن كاهله قائلاً ضمنياً: لقد جلبنا الأطراف، أصحاب القضية لملعبٍ محايد ليتحاوروا باتجاه إيجاد حلٍ سياسي.. والكرة الآن بينهم، ووزر شعبهم في رقابهم.
وهذا يقودنا للختام بالإجابة على السؤال عنوان المقال: جنيف لمصلحة من؟
جنيف لمصلحة المجتمع الدولي، والنظام الأسدي، والمعارضة الائتلافية ونادي المعارضات الآخر.
ويبقى الشعب السوري صاحب المصلحة الحقيقية غائبا أو مغيبا، ويبقى هو الدافع الأوحد للفاتورة.
محمد طه عضو الأمانة العامة لتيار الغد السوري