لا أعتقد أنه كان من باب المصادفة تزامن جلوس هدية عباس كأول رئيسة للسلطة التشريعية فوق رأس بشار الأسد أثناء خطابه الأخير وكلامه عن الإرهاب، مع تنامي الحديث عن ترشيح رجل الأعمال الشاب فارس الشهابي لرئاسة الحكومة القادمة “بحسب الإعلام الإيراني”، في الوقت الذي يهلل فيه إعلام النظام لتوجه قوات الأخير لفتح جبهة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم داعش، وترافق ذلك مع ما أعلنته القوة الغربية حول التجهيز لفتح المعركة ذاتها.
فمن خلال الخطوات الثلاث السابقة وتزامنها يبدو أن الأسد وبعيدا عن ما جاء في خطابه الأخير حول هجومه على الغرب، بدأ يبحث عن مكان له في صفوف التحالف الغربي، من خلال الظهور بمظهر الرجل الليبرالي العلماني المؤمن بحقوق المرأة ودور الشباب في بناء الوطن العصري المتماهي مع المفاهيم والقوانين السائدة في الدول الغربية، والذي يمثل مشروع يضمن عدم تحول سوريا إلى كابول وقندهار، خاصة وأنه من خلال الحديث عن بدء قواته لمعركة الرقة مع داعش بدا وكأنه يريد أن يرسل لأوروبا والولايات المتحدة رسالة مفادها انه يقف في خندق واحد مع تلك الدول ضد العدو الواحد، وذلك على مبدأ “عدو عدوي صديقي” لاسيما في الوقت الذي تتعرض فيه تلك الدول لهجمات من أتباع التنظيم المتطرف.
ربما ليس من المهم الآن الدخول بتفاصيل وأسباب هذا التحول في تفكير النظام، ولكن لابد من الاشارة على عجالة إلى ما يعكسه من احتمالية اقتناع النظام بعدم جدوى اسطوانة الممانعة والمقاومة، إلى جانب انخفاض ثقته بالحليف الروسي والايراني الذين لم بحظيا سوى بمساحة صغيرة جدا في خطابه لا تتعدى بضعة كلمات، مع قناعته المطلقة بعجز قواته من حسم المعركة على الأرض ، ما جعله يبحث عن مخارج جدية لإقناع الغرب بنفسه كحليف لا عدو خاصة مع التخوف العالمي الواضح من بديل راديكالي.
المفارقة في الواقع الحالي، أن خطوات النظام هذه ومحاولة تقديم صورته الليبرالية العصرية، تترافق مع ممارسات المعارضة السورية ولاسيما المسلحة منها التي تسهم في ترسيخ صورة الثورة السورية كثورة إسلامية وليست شعبية وطنية ضد نظام استبدادي طائفي قتل مئات الالاف تحت شعارات دينية، ما أسهم بتصنيف العديد من الفصائل المعارضة كتنظيمات إرهابية ما أضر بشكل مباشر بالثورة وسيرها ومنح فرصة لبعض الدول الغربية بالتملص من دعمها ومدها بما تحتاج.
وعمليا، لايمكن تجاهل أن تلك الممارسات “التي لا تمثل الثورة الشعبية السورية” قد ساهمت سواء من ناحية التركيز على الأسماء الدينية وميل بعض الفصائل إلى فرض واقع معين مرتبط مع ايديولوجياتها وأفكارها، إلى جانب المساحة الضيقة الممنوحة لدور المرأة في العمل السياسي، ساهمت في خدمة دعاية الأسد بأن سقوطه يحول سوريا إلى كابول وقندهار جديدتين، كما أنها لعبت دورا مركزيا في إطالة عمر نظامه ست سنوات حتى الآن.
أمام هذا الواقع، وبغض النظر عن مدى نجاح الأسد في خطته لفرض نفسه كحليف للغرب في مواجهة الإرهاب، يمكن القول إن المعارضة السورية اليوم مطالبة بشقيها بضرورة إدراك أن الغرب لا يتعاطى مع النوايا بقدر تعاطيه مع الظاهر له، ما يحتم عليها خلع العباءة الإسلامية عن الثورة، وإعادة تقديمها بصورتها الحقيقية كحراك شعبي مطالب بدولة ديمقراطية يسودها قانون يضمن بأن تكون سوريا لكل السوريين وليس لطيف واحد، مع التأكيد على أن الشعب سوري خرج بحثا عن الحرية، وليس لفرض عقاب على من لم يصل أو لم يصم، أو لانشاء دولة خلافة كما يحاول النظام تصوير الثورة.
والأهم أن تعي بعض أطياف المعارضة السورية والسوريين، أن التمسك بالعباءة الاسلامية لا يمكن أن يقدم للثورة السورية إلا مزيدا من التخاذل الغربي وربما العزل، وأن هذا التمسك لا يتعدى كونه أكبر خدمة مجانية لصالح عدوهم الأسد ونظامه الذي سعى منذ اللحظة الاولى لانطلاقة ثورة الكرامة إلى شيطنتها وصبغها بالإرهاب.
تيار الغد السوري – حسام يوسف