منذ اليوم الأول للثورة السورية، قام نظام الأسد بقتل المتظاهرين المدنيين السلميين بدم بارد، مرتكباً المجزرة تلو الأخرى، كي يدفعهم لحمل السلاح والتحصن في مناطق لا تطالها يداه، وذلك بعد أن تبين لهم أن البديل هو قتلهم أو موتهم تحت التعذيب في مراكز الاعتقال.
وفي خطوة خبيثة، قام بإطلاق معتقلين من المتشددين الذين تحولوا إلى قادة لفصائل متطرفة فيما بعد، وتزامن ذلك مع تدخل حلفاء النظام من حزب الله والميليشيات الشيعية التي جيئ بها من كافة أصقاع الأرض، وتواجد إيران التي دفعت بقوات النخبة من فيلق القدس والحرس الثوري إلى حواري وأزقة البلاد السورية، في مشهد طائفي بغيض، الأمر الذي ذكّى رد فعل في الطرف الآخر تجسد بحضور مقاتلين من السنة وأيضاً من مناطق مختلفة من العالم، كل ذلك ليخلط الأوراق ويخلق فوضى مدروسة بعناية، ليقول للعالم: من هو البديل؟.
لعقود قبل 2011، دأب النظام على اللعب على المتناقضات، كي يظهر بصورة المنقذ الذي لا حل بغيابه، في هذا الصدد، من غير المفهوم تبني قسم لا يستهان به من مثقفين ومعارضين سوريين قضوا ردحا من سني عمرهم في سجون الأسد الأب، لا بل ومثقفين وفنانين عرب لهم شأنهم، لخطاب “من هو البديل؟” .
هؤلاء قبل غيرهم يعرفون حق المعرفة أن كتب التاريخ لم تذكر أن ثورة في العالم كانت تمتلك البديل الديمقراطي محدد الملامح قسم كبير من اليسار السوري اعتبر “الثورة الإسلامية” في إيران أواخر سبعينات القرن الماضي على أنها انجاز مهم في المنطقة وقوة مضافة في وجه الامبريالية العالمية، كما صدعوا رؤوسنا بحزب الله ’’المقاوم‘‘ ونظَّروا له، أما اليوم فيقتلهم الرهاب من كلمة “الله أكبر” مع أن من عادة الناس إن هم شاهدوا امرأة جميلة قالو “الله أكبر”، ويعيبون على الثورة انطلاق مظاهراتها من المساجد وكأن المسارح ودور السينما كانت على قارعة كل طريق.
بكل الأحوال، لنفترض أنه لا يوجد بديل واضح الآن، إلا أننا على الأقل أمام أطياف واسعة تتبنى دولة القانون والمواطنة في حين أن النظام، وعلى عدة عقود، لم يفعل شيئاً سوى التفقير والتجهيل وكم الأفواه واستعباد الناس وكان أفضل حاوية لكل الممارسات الديكتاتورية في العالم.
باختصار شديد، نحن أمام مجرم دمَّر البلد، وقتل مئات الآلاف، وهجَّر الملايين ولا يزال، والحس السليم يقول أن الأَولى هوا الإطاحة بهذا النظام وإنقاذ ما تبقى من البشر والحجر، أما مسألة البدائل فهي في طور التشكل من خلال تفاعل كل القوى على الساحة السورية مع معرفة الجميع أن المكان والزمان لا يسمحان بأي شكل أن يكون البديل قوى متطرفة، والأكيد إن جرائم النظام هي التي تضعف إلى الان الدور المجتمعي المدني في سوريا ومعها كل قوى الاعتدال وليست القوى المتطرفة إلا متغير طارئ.
واقع الحال يقول إن مشروع دولة القانون والمواطنة يتبناه أكثر من ثُلثي الشعب السوري في الحد الأدنى، هذا هو طموحهم، بما فيهم المتدينين، مع بعض التفاوت في الفهم وهذا أمر صحي وطبيعي، ومن المهم دعم كل القوى التي تؤمن بهذا المشروع، وفي مناخات أفضل وبعد زوال النظام وإجرامه، سيكون جل الشعب السوري حاملاً لهذا المشروع باستثناء قلة مرفوضة.
أما الوقوف كثيراً عند فكرة البديل واعتبار أن الفعل الثوري ومجابهة الديكتاتور صراع لا طائل منه، وأن الوقوف على الحياد وأحياناً النظر بتقدير إلى “علمانية النظام” ما هو إلا تماهي مع فعل إجرامي منقطع النظير.
كثير من أصحاب الدعوة إلى وجوب وجود البديل كي يأخذوا موقفا أخلاقيا مما يجري في سوريا ليسوا إلا مسوخا فكرية مصابة بلوثة التماهي مع الظالم، هؤلاء تخشبت تلافيف أدمغتهم، يدَّعون الثقافة ويركبون موجتها بينما هم أنفسهم بحاجة إلى من يثقفهم، جعلوا مما حفظوه من عبارات جاهزة استخرجوها من أمعاء الكتب الرخيصة “ديناً” جديداً، ونصبوا من أنفسهم طبقة فوق الناس ممارسين بذلك إقطاعاً فكرياً واحتكاراً للفهم، هم أسرى قَصَّة الشَعْر، والغليون، وبعض الـ “اكسسوارات” التي لا يظهرون إلا بها كي يلبسوا “عدة الشغل”، والأكثر فجاجة هو أن بعضهم يغلف ممارساته الطائفية البغيضة بقشرة واهية من الحرص على البلد والصالح العام، متناسين أن الثورة ليست تنظيراً ولا هي بأمرٍ يلقن تلقيناً، إنها شيئ طبيعي ينشأ مع وجود الظلم.
أيمن الأسود عضو الأمانة العامة لتيار الغد السوري