لا تزال العملية السياسية في سوريا تراوح مكانها في انتظار تفاهمات روسية أمريكية، عسكرية واستخباراتية، وسط غموض يكتنف أبعاد الجولة الجديدة المنتظرة من مفاوضات جنيف بين المعارضة والنظام، لمناقشة الانتقال السياسي وبدء المرحلة الانتقالية.
ومن المرجح أن يزداد الوضع السوري تعقيداً مع بروز معلومات، أمس الأحد، تفيد بأن المبعوث الأممي استيفان دي ميستوار، الذي زار يوم أمس العاصمة الإيرانية طهران، بينما كان نائبه رمزي عز الدين في دمشق يتقدم بمشروع جديد للحل، ينص على بقاء بشار الأسد 18 شهراً في الحكم. وقد حذرت المعارضة من هذه الخطة “الخطيرة” ومن “خدع” روسيا السياسية.
ولم ترشح معلومات مؤكدة عن مجريات الاجتماعات المتواصلة، منذ عدة أيام في مدينتي جنيف وفيينا، بين مسؤولين روس وأمريكيين، بينهم خبراء عسكريون، من أجل بلورة اتفاق بين الطرفين حول التنسيق العسكري والاستخباراتي في سوريا لمحاربة تنظيم داعش وجبهة النصرة، التي غيّرت اسمها منذ أيام إلى جبهة فتح الشام.
وذكرت مصادر مطلعة ”أن الخلاف لا يزال كبيراً بين الروس والأمريكيين”، مضيفة أن “الروس يتلاعبون، في حين أن الأمريكيين مقيدون بسياسة رئيسهم”، في إشارة إلى أداء الرئيس باراك أوباما، المتهم من قبل المعارضة السورية باتباع سياسة المتفرج حيال القضية السورية.
ويبدو أن دي ميستورا ينتظر نتائج اجتماعات جنيف كي يحسم موقفه من مسألة تحديد موعد جولة جديدة للمفاوضات السورية، ويتوقع مراقبون أن يتم عقدها خلال شهر أغسطس/آب الجاري، في حال لم يعصف بها ما جرى ولا يزال يجري في مدينة حلب المحاصرة. ومن غير المستبعد أن يتعثر استئناف مفاوضات جنيف نتيجة حصار حلب وقصفها. فقد حذرت الولايات المتحدة من إيقاف التعاون مع روسيا الاتحادية، أبرز حلفاء نظام الأسد، في حال اكتشافها أنها تعرضت لما سماه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، بـ”الخدعة” من قبل الروس.
وريثما تأتي اجتماعات جنيف بجديد، راح دي ميستورا يجس نبض طهران عبر زيارة، استهلها أمس الأحد، باجتماع عقده مع رئيس الدائرة العربية والأفريقية في الخارجية الإيرانية، حسين جابري أنصاري، لبحث تطورات الملف السوري.
اللافت أن جميع الأنظار تتجه سياسياً إلى حلب، التي يرى مراقبون أن مستقبل سوريا يُرسم الآن فيها. وتحاول فصائل المعارضة “امتصاص الصدمة” والاستعداد لشن هجوم “معاكس” في حلب، وفق مصادر في “جيش الفتح”، الذي يضم أكبر فصائل المعارضة السورية المسلحة. ومن شأن هجوم كهذا، إنْ نجح، أن يؤثر جدياً على المزاج السياسي العام الذي يسعى الأمريكيون والروس والإيرانيون وكل حلفائهم إلى فرضه على المعارضة بهدف إنهاء الثورة السورية.
واستبعدت مصادر في المعارضة إمكانية العودة القريبة إلى طاولة التفاوض في جنيف، كاشفة عن أن دي ميستورا عرض على الأمم المتحدة مشروع حل سياسي للمرحلة الانتقالية، يتضمن بقاء الأسد في السلطة لمدة عام ونصف العام، مع نقل بعض صلاحياته إلى ما يُسمى “حكومة وحدة وطنية”، أو هيئة حكم منقوصة الصلاحيات، مع “تحديد شروط تمنعه من الترشح في انتخابات رئاسية تعقب المرحلة الانتقالية”.
وأضافت المصادر، التي وصفت هذا الاقتراح بـ”الخطير”، أنه ربما يكون هذا “العرض” هو ما أوصل نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، رمزي عز الدين رمزي، إلى دمشق أمس الأحد، لأخذ الضوء الأخضر من قيادة النظام السوري قبل طرحه رسمياً، مثلما كان يفعل فريق دي ميستورا منذ عامين، لناحية التنسيق الكامل مع النظام بشكل تأتي مشاريع حلوله في خدمة هذا المعسكر.
وأكدت المصادر أن مشروع الحل الذي أعده الموفد الدولي “لم يعرض رسمياً بعد على المعارضة السورية”، لكنها تلقت بعض المعلومات في هذا الشأن.
وأضافت المصادر “نحن في انتظار أن يعرض علينا”، مستبعدة الموافقة على بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، ومؤكدة تمسك المعارضة ببيان “جنيف1″، الذي صدر في منتصف عام 2012، والقرارات الدولية التي تدعو صراحة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية من دون الأسد.
كما كشفت المصادر عن لقاء تعقده المعارضة السورية خلال شهر آب/أغسطس الجاري مع وزارة الخارجية البريطانية، لم يحدد موعده بعد، لعرض رؤية المعارضة السورية للحل السياسي، والذي يضمن تحوّل البلاد إلى مرحلة انتقالية تؤسس لوضع سياسي ثابت ومستقر، يقوم على دستور جديد يضمن حقوق السوريين بكل مكوناتهم في دولة ديمقراطية تعددية. وهذا هو الاقتراح الثالث الذي يقدمه دي ميستورا لمصلحة النظام السوري خلال ولايته التي بدأت قبل عامين، إذ سبق له أن اقترح بقاء الأسد مع تعيين نائبين له تختارهما المعارضة، ثم عاد وروّج لإمكانية بقاء رئيس النظام خلال الفترة الانتقالية التي تنصّ صراحة على خلوّها من الأسد ورجاله المتورطين في الإبادة السورية.
ويستبعد مراقبون أن يوافق النظام المدعوم من روسيا وإيران على تحقيق انتقال سياسي يمكن أن يؤدي إلى إزاحة الأسد عن السلطة، راهنا أو مستقبلاً، وأن إعلانه استعداده للعودة غير المشروطة إلى طاولة التفاوض ما هو إلا مناورة سياسية جديدة، وشراء الوقت.