قبل أن تكون زفرة السوريين الأخيرة

خلّد الأسبان قصة استرداد بلدهم من المسلمين ، عبر دراما تداخل فيها التاريخ مع الجغرافيا مع الحكاية، لقد أطلقوا اسم الحزن على آخر مكان وقف فيه عربي يتأمل البلاد...

خلّد الأسبان قصة استرداد بلدهم من المسلمين ، عبر دراما تداخل فيها التاريخ مع الجغرافيا مع الحكاية، لقد أطلقوا اسم الحزن على آخر مكان وقف فيه عربي يتأمل البلاد التي سيرحل عنها، حزن آخر ملوك بني الأحمر في غرناطة، وآخر معاقل المسلمين في الأندلس، محمد الثاني عشر المكنى بـ”أبو عبدالله الصغير”، بتسمية الممر الجبلي القريب من المدينة، باسم (el último suspiro del Moro) وترجمته “زفرة العربي الأخيرة”، اشارة الى حزن الملك المهزوم بخسارة تاريخ إمتد إلى سبعة قرون ونيّف، حكم فيها العرب المسلمون تلك البلاد، وعاشت إمبراطوريتهم مراحل نشوء وصعود وتفتُّت ثم اضمحلال. 

زفرة العربي رويت في بعض المصادر بأنها كانت بكاءً مرّاً وهو يقف على مرتفع يطل على غرناطة ويلقي النظرة الأخيرة إلى ملكه الضائع، وتضيف الرواية أن أمه “عائشة الحرة” قالت له حينذاك قولتها الشهيرة التي ذهبت مثلاً: “لا تبكِ كالنساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه كالرجال”.

كيف تمكن الاسبان من إستعادة مدنهم الواحدة تلو الأخرى حتى انتهوا إلى إرغام أبي عبدالله على توقيع صك إستسلام مُذل وخروجه مع من يرغب في الخروج من المسلمين؟ بل كيف هزم المسلمون؟.

الجواب واحد إنتصر الأسبان لأنهم توحدوا بعد فرقة وتنابذ وتقاتل، وهزم المسلمون لأنهم تفرقوا وتصارعوا وحاكوا المؤامرات ضد بعضهم البعض.

الحالة هذه، حالة الفرقة والتنابذ والاختلاف، ما زال السوريون أيضاً مخلصين لها ويعيشونها بحذافيرها. بل أضيف الفيروس الطائفي والمذهبي إلى عوامل الاختلاف ومسبباته مما أجّج التنافر والتقاتل، وها هي سوريا تشهد أشرس حرب عرفتها بين أبناء البلاد أنفسهم، ولا حلول تلوح في الأفق القريب طالما أن استثمار الحرب مستمر من المحيط الإقليمي والقوى الدولية الكبرى التي إستلمت مقاليد الأمور على أرضنا ولم يعد للسوريين ـ سلطة ومعارضة ـ أي سيادة على بلادهم.

حتى لا نغرق في الإحباط، حتى لا تسمى تلة أو جبل أو ممر ضيق، ضيق حد الاختناق، بـ”زفرة السوري الأخيرة” لا بد من أن نسارع إلى الالتقاء وتجاوز كل ما شهدته سنوات الحرب الكارثية، الآن هو وقت اللقاء والحوار السوري السوري بعد أن فقدنا الأمل بوساطات الآخرين.

فهل ستلتقط النخب السياسية السورية الفرصة الأخيرة لمنع الزفرة الأخيرة أن تخرج، بل تحولها الى زغرودة النصر الأولى، رغم عمق الجرح وشدة النزف وقلة الحيلة؟!.

زغرودة ولادة سوريا الجديدة من رحم آلام ملايين السوريين الذين خسروا الحاضر وهم موشكون على خسارة مستقبلهم إن لم يبادروا إلى نجدة بلدهم وإنقاذها من غول الحرب والموت والدمار.

أحمد  الجربا _ رئيس تيار الغد السوري

أقسام
الأخبار المميزةرئيس التيار

أخبار متعلقة