إنه لمن نافل القول أن الغرب لايعنيه في شيء معرفة قاتل الحسين، رضي الله عنه، ولا هو مسكون بهاجس الثأر لمظلوميات الشيعة عبر التاريخ، ولم يكن ليتغير شيء في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة لو كان اسم الرئيس الأمريكي باراك عمر أوباما، بدلاً من باراك حسين أوباما.
أمريكا، والغرب من خلفها، ليست منحازة للنسخة الشيعية من الإسلام، على حساب السنية منه، حسب ما يحلو للبعض أن يحاجج. صحيح أننا نشهد فتوراً، بل وتراجعاً واضحاً، في السنوات الأخيرة في علاقتها مع المملكة العربية السعودية، والتي كانت في أحسن حال حتى فترة ليست بعيدة ولعقود طويلة ترجع ربما للأيام الأولى لاكتشاف النفط فيها، وأن الأمر الآن وصل إلى حد اتهام المملكة بأنها بيئة حاضنة للإرهاب، وأحياناً الذهاب إلى درجة وصفها بالداعمة والممولة له.
وصحيح أيضاً أن حرارة العلاقة الأمريكية الإيرانية عالية بعض الشيء بعد سنين من القطيعة وحرب باردة وحصار اقتصادي، ولو شكلياً على الأقل، ثم وصلت إلى مباحثات مباشرة بين طهران وواشنطن، ورفع العقوبات وانفتاح اقتصادي على طهران، وحصص كثيرة من الاستثمار مترافقاً مع دور أوروبي في ذلك الانفتاح، وزيارة روحاني إلى باريس وروما، وحتى تغطية عورة المنحوتات في إيطاليا، والتي هي جزء من الإرث الثقافي لإيطاليا إجلالاً لحياء الرئيس الروحاني كما لو كان تلك العذراء في خدرها، إلا أن كل ذلك ليس بسبب تفضيل الغرب للشيعة على السنة، وليس وليد مؤامرة دبرت في ليل على الدول السنية.
إذا كان الغرب يتهم هذه الدول بأنها بيئة عقائدية ثقافية منتجة للتشدد السني متمثلاً بالقاعدة، ثم بتنظيم الدولة الاسلامية، وبعض الفصائل المتشددة الأخرى مثل جبهة النصرة في سوريا، فهو يعرف أكثر من غيره أن إيران منتجة وراعية وممولة لجماعات دينية شيعية في المنطقة كلها، يفوق عددها وعديدها أضعاف تلك السنية، من ميليشيات شيعية عراقية تكاد تضاهي الجيش العراقي في قوته، تعيث فساداً في أمن واستقرار العراق، ناهيك عن النفوذ الإيراني في الجيش العراقي، والذي بات غير قادر على أي فعل وطني نتيجة هذه السيطرة، إلى حزب الله الذي يحتل لبنان جاعلاً فيه دولتين على الأقل، مانعاً استقراره، هذا بالإضافة إلى دوره في إراقة دماء السوريين، والوقوف بوجه إرادتهم في الحرية والكرامة، إلى ميليشيات الحوثي التي استفاقت فجأة في اليمن بعد انتصار ثورته، لتعيده أسوأ مما كان.
في حقيقة الأمر، الفارق الأساسي هو أن إيران تمسك جيداً بقرار الحرب والسلم وبالجغرافيا السياسية لمعارك أذرعها، وميلشياتها، ولو أرادت الولايات المتحدة تغييراً ما في دور الحوثيين في اليمن، أو حزب الله في لبنان، أو الميليشيات الشيعية في العراق، يكفي أن تتفاهم مع إيران على ذلك، وربما باتصال هاتفي، ويكون لها ما تريد. كيف لا، وإيران هي من صنعت هذه القوى، وهي الأب الروحي والبوصلة العقائدية، وهي التي تمسك بكل خيوط تمويلها.
في المقابل، القوى المتشددة السنية متعددة الولاءات والتمويل والخلفية العقائدية، ويغلب عليها الفردية في التعاطي السياسي، مختلفة مع كل آخر، كما هي متناحرة في ما بينها، هي في عداء مع كل الأنظمة العربية الرسمية، بما فيها السعودية، التي باتت من أكثر المتضررين منها.
جوهر مصالح أمريكا والغرب هو مع إيران التي تمسك بخيوط لعبتها، في حين أن القوى السنية الكبرى تعاني هي نفسها من هذه القوى المتطرفة المنفلتة من عقالها. والأخطر من كل ذلك هو أن تكون إيران وراء إرهاب هذه القوى السنية المتطرفة التي تريد التفجير في كل بقعة من العالم، كي يظهر إرهابها هي، أي إيران، والمجازر التي يرتكبها من يدورون في فلكها، أقل دموية وأكثر انضباطا. لن يغير من ذلك دخول كلينتون أو ترامب البيت الأبيض، ولن يفيد في ذلك أن يكرر السنة اسطوانتهم المشروخة في أنهم ليسوا إرهابيين ولو طاولت ألسنتهم عنان السماء!.
أيمن الأسود. عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري