قبل الحديث عن أي حل في سوريا علينا أن ننظر إلى ما وصل إليه الحال في سوريا خلال السنوات الماضية من عمر الثورة، وما الذي استطاعت الجهات المتصارعة في سوريا أن تحققه خلال صراعها الدامي.
إن نظرة سريعة تدلنا على أن الخاسر الأكبر من هذا الصراع هو المجتمع السوري بكل مكوناته، وفي النهاية وصلت إلى معرفة يقينية أنه لايمكن حسم الصراع في سوريا بطريقة عسكرية بسبب التدخلات الخارجية والمصالح المتشابكة في سوريا.
حلفاء النظام من الروس والإيرانيين وحزب الله يعلمون تمام العلم انهم لن يستطيعوا أن يعيدوا الأمور الى الخلف بسبب الخطوط الحمراء المرسومة من الولايات المتحدة الأمريكية والتي لن تسمح لنظام الأسد أن يستعيد السيطرة على سوريا.
وكذلك الطرف الآخر من فصائل المعارضة السورية باتت تعلم أنها غير قادرة على الحسم العسكري بسبب الدمع الذي يتلقاه النظام السوري من حلفائه، وأن نتيجة أي حسم عسكري ستسمح بسيطرة القوى الإسلامية المتطرفة على المشهد السوري، وهذا أمر مشابه تماماً لما حدث في أفغانستان بعد إسقاط الحكومة الشيوعية المدعومة من الروس من قبل الفصائل الإسلامية، والتي قامت بتشكيل تحالف من أجل الحكم، ولكنها مالبثت أن تقاتلت فيما بينها لأنها جميعها تملك توجهات مختلفة عن بعضها ولايوجد مشروع سياسي واضح يجمعها.
لماذا يجب العودة إلى الحل السياسي؟
هناك عدة أسباب لضرورة العودة إلى الحل السياسي في سوريا..
1. إن أي اتفاق سياسي سيكون برعاية المجتمع الدولي وبتوافق الدول المعنية بالأزمة في سوريا، وهذا سيعطي غطاء دوليا مشروعا لأي حكومة قادمة وفق هذا الاتفاق.
2. إن الاتفاق السياسي والناتج عن مفاوضات الحل السياسي سيسمح بالحفاظ على ماتبقى من الدولة السورية ومؤسساتها من أجل إعادة البناء عليها.
3. إن أي حكومة سيتم اعتبارها شرعية، وسيتم التعامل معها كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري بكل أطيافه، وبذلك سيكون شبح التقسيم قد تم إبعاده عن الدولة السورية.
4. مفاوضات الحل السياسي ستضمن إيجاد آلية متفق عليها من أجل حل جميع الإشكاليات الناتجة عن الأزمة في سوريا والاحتقان الحاصل داخل المجتمع بسبب التجاوزات التي حصلت خلال الثورة، وهذا الأمر سيقطع الطريق على من يحاول إيجاد فتنة وزرع التفرقة بين أبناء الشعب السوري.
إن الحل السياسي والمفاوضات قد باتا أمرا ضروريا وملحا جدا من أجل إيقاف النزيف الحاصل على كافة المناطق الجغرافية في سوريا.
في تسعينيات القرن الماضي انفجرت أزمة البوسنة والهرسك واستمر الاقتتال لعدة سنوات سقط خلاله مئات الآلاف من القتلى والمصابين والمشردين، ولم يتم التوصل إلى حل إلا من خلال المفاوضات السياسية بين الأطراف المتنازعة. ففي الصراعات العسكرية المدعومة من الخارج لايمكن الانتصار أو الحسم، ولايمكن أن تقبل أي دولة بأن يتم سحق مصالحها لصالح طرف آخر، وهذا من أسباب إطالة أمد الأزمة في سوريا.
والمفاوضات بالأساس هي بين الدول التي لها مصالح في سوريا، أي أنها بين روسيا وفريقها وبين أمريكا وحلفائها ورغبة الجميع في الخروج من هذا المستنقع.
لقد باتت المفاوضات السياسية هي المنفذ الوحيد من أجل التغيير في سوريا وإيقاف حمام الدم الذي لم يستثن أحدا، وبات من غير الممكن الصمت عما يجري من انتهاكات وتدخلات تزيد المشهد تعقيداً ودموية.
خلاصة الكلام هي أن أطراف الأزمة في سوريا باتت مقتنعة أن الحل الحقيقي لن تصنعه البندقية، وأن السبيل الوحيد للحفاظ على المتبقي في سوريا هو بالجلوس إلى طاولة مفاوضات حقيقية بضمانات دولية وجدول زمني ونقاط أساسية تتفرع منها خطوط الحل السياسي في سوريا.
صدام الجاسر – تيار الغد السوري