اعتبر تيار الغد السوري ماحدث في داريا يعتبر جريمة قانونية وإنسانية وأخلاقية، وأن خروج أهلها وثوارها بعد أن أطبق النظام حصارها وأحالها إلى أثر بعد عين، لا يضير أهل داريا وثوارها لأنهم فعلوا كل ما في وسعهم إلى درجة أنهم بلغوا حدود الأساطير في الصمود وصد آلة النظام وحلفائه الجهنمية التي جعلت أقل وصف يليق بالمدينة أنها منكوبة، وخصوصا مع عجز المعارضة وفصائلها عن إمداد المدينة بأي شيء يسمح لها باستمرار المقاومة والصمود.
حيث قال أحمد شبيب، عضو المكتب السياسي في تيار الغد السوري، معلوم للجميع أن مدينة داريا هي من أولى المدن التي انتفضت ضد الظلم والطغيان في سوريا، حيث ملأت المظاهرات السلمية ساحاتها وشوارعها، وقد دخلها النظام المجرم وارتكب فيها مجزرة مروعة في 25 /8/2012 راح ضحيتها مئات الشهداء المدنيين.. وحمل ثوار داريا السلاح في مواجهة هذا النظام ومرتزقته وحلفائه وقدموا أنموذجاً مشرفاً في الصمود وكسر شوكة الغرباء والخونة وإذاقة قوات النظام مر العذاب، ولم تدخل داريا الرايات السود ولا التطرف إليها.
ونوّه شبيب، في تصريح للمكتب الإعلامي في التيار، أنه منذ عدة أسابيع بدأن الدائرة تضيق على الثوار المحاصرين مع آلاف المدنيين، مما اضطرهم وللاسف بقبول تسوية يخرجون بموجبها من مدينتهم إلى مدينة إدلب المحررة.. ومن الناحية القانونية فإن مثل هذه التسويات التي يتم بموجبها تفريغ المدن والمناطق من سكانها الأصليين ونقلهم إلى مناطق أخرى تحت التهديد يحمل مخالفة واضحة لمبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
واعتبر عضو المكتب السياسي في تيار الغد السوري أن عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي عمل لا أخلاقي وغير قانوني، وستترتب عليه آثار سلبية مستقبلية تهدد وحدة التراب السوري ووحدة الشعب والتعايش والسلام.
وأكد شبيب أن داريا ستبقى رمزاً للحرية والسلام وستبقى حاضرة في وجدان كل أحرار العالم. وستبقى أزهار الشهيد غياث مطر ورفاقه شاهدة على خيانة جيش النظام ومؤسسته الأمنية لوطننا سوريا.
“تلقت داريا منذ بداية الحصار الذي فرضته عليها قوات النظام 9002 برميلا متفجرا عدا القذائف المدفعية والصاروخية والنابالم، ولم يقتصر الأمر على القصف، بل امتد ليشمل فرض الجوع ومنع الدواء وحليب الأطفال. حتى أكل أهل داريا الحشائش وأوراق الأشجار أمام العالم كله دون أن يرف للعالم جفن أو يندى جبينه بقطرة عرق”. هكذا بدأ تليد صائب، منسق الأمانة العامة في تيار الغد السوري تصريحه للمكتب الإعلامي في التيار.
مضيفا أنه مع ازدياد الحصار والجوع والقصف والموت، ازداد صمود أهل داريا، وبقيت هذه الرقعة الصغيرة من أرض سوريا عصية على النظام وشوكة في خاصرته وحلقه، واستغاثت داريا بالعالم كله وبأخوتها في الغوطة وباقي المدن السورية، فأمدوها بجيش من الكلمات أوله في منبر الأمم المتحدة وآخره على صفحات فيسبوك وتويتر، فيما كان كل يوم يمر علي المدينة وأهلها يعني المزيد من آلام الموت والدمار والجوع.. وأخيرا قررت “مدينة غياث مطر”، الذي وزّع الياسمين الدمشقي على جيش ظنه جيش الوطن فقتلوه، أن تحقن دماء الأطفال وتسكت قرقرة بطونهم الفارغة وتسعف مرضاها ببعض الدواء.. وخرج مقاتلو داريا ومدنيوها مرفوعي الرأس، لتدخلها قوات احتلال على رأسها عار وذل.
وختم منسق الأمانة العامة في تيار الغد السوري: داريا الشموخ والإباء والبطولة.. مدينة غياث مطر.. أختنا في العنب والدم والتراب.. أيقونة الثورة شمخت وهي تتجرع سم الخروج.
أما عضو تيار الغد السوري، محمد طه، فقد اعتبر أن داريا تلخص نقاء الثورة السورية وصمودها الأسطوري، وبنفس الوقت تجسد، في فصلها الآخر وليس الأخير، وجع الثورة عندما تقسم لفصول يتم التلاعب بها وضرب فصل بفصل أو التضحية بأحد الفصول مقابل فصل آخر إرضاءا لمصالح وتجاذبات دولية وإقليمية يغيب عنها السوري ككل الأوقات.
وأضاف طه أن داريا “الأسطورة” قدمت لنا خطاب المونولج الداخلي السوري لتأنيب الضمير.. السوري الذي لا يريد أن يتعلم من التاريخ الحاضر القريب، ففصل داريا رأيناه في بابا عمر وفي حمص القديمة وغيرها وغيرها، وصممنا آذاننا عن سماع صرخات داريا المستغيثة لنعيد نفس تراجيديا البكاء والنواح.. لكن البكاء لا يعيد ميتا ولا تغسل الدموع جرحا ينزف ولا تعقمه.. لذلك علينا أن نتوقف عن المرثيات لداريا فكما ذكرت داريا أسطورة والأساطير لا تموت.
ومن جهته، أكد درغام هنيدي، عضو تيار الغد السوري، أن ما حدث في داريا مثل ضربة معنوية كبيرة للمعارضة السورية وفصائلها المسلحة، وذلك لما تحمله من مكانة كبيرة في ضمير ووجدان السوريين، اكتسبتها خلال صمود أسطوري في وجه بربرية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، كما أن ما حدث يثير تساؤلات كبيرة، لاسيما فيما يخص الجبهة الجنوبية والاتهامات التي طالت قادتها من خذلان لداريا وتراخ في فك الحصار عنها.
وأضاف هنيدي، أن سقوط داريا يشير إلى فشل كبير للهيئة العليا، وعجزها السياسي عن تقديم أي شيء مفيد لأهل داريا، وخسرانها لورقة مفصلية في المفاوضات نظرا لما تشكله جبهة داريا من ضغط على النظام، كونها أكبر مدن الغوطة الغربية التي لطالما كانت نقطة ارتكاز وحجر أساس في حصار النظام في دمشق التي لا تبعد عن داريا أكثر من 8 كلم.
واعتبر هنيدي أن النظام نجح في طي صفحة ثانية من جبهات دمشق بعد جوبر، وهذا حتما سيؤدي إلى تركيز أكثر من النظام وحلفائه على التسريع باستسلام مناطق أخرى لها أهمية استراتيجية يمكنه انتزاعها ووضعها كأوراق قوية في جعبته أثناء الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فيما فشلت المعارضة السياسية في الاحتفاظ بالأوراق القليلة التي تملكها.
هذا فيما أكد غسان أبو حمدان، عضو تيار الغد السوري، أن داريا هي المدينة الوحيدة التي لم تقتتل فيها فصائل الجيش الحر فيما بينها على اختلاف تسمياتها وتبعياتها.. وأن داريا هي أول مدينة سورية تؤسس مجلسا محليا في ظل الثورة ذي كلمة نافذه عبر مكاتبه التي كانت نموذجاً يحتذى للإدارة المدنية.. كما تعاملت مع الأقليات من سكانها بأحسن المعاملة.. كل ذلك أقلق النظام بأن تكون داريا أنموذجاً تقتدي بها باقي المدن السورية المحررة ففرض عليها حصاراً خانقاً محاولة منه لإرضاخها ومنع تواصلها مع مدن أخرى لئلا تحذو حذوها.. كما أن وقوع داريا بالقرب من مطار المزة العسكري ووجود مقام السيدة سكينه كان له الأثر الأكبر في توجيه النظام والميلشيات الإيرانية واللبنانية اهتمامهما بداريا فضلاً عن تملك عدد من قادة النظام وبعض ملالي إيران لعقارات على أراضي داريا.
وأشار حمدان إلى أنه وتحت غطاء انشغال العالم بما يجري في الشمال والشمال الشرقي من سوريا قام النظام الخبيث وبغض طرف وتواطؤ من المجتمع الدولي، بعقد اتفاق مع فصائل الجيش الحر وعن طريق ابنة قائد الفرقة الرابعة، التي حذرت أهل داريا بأنها الفرصة الوحيدة لهم للخروج مما هم فيه وإلا سيتم تدمير المدينة على من فيها، وكان كلامها كتبسّم الذئب للسخال، مؤكدة نية النظام إعادة إعمار المدينة، فما كان من ثوار داريا إلا القبول، وذلك بعد خذلانهم من قبل فصائل أخرى في دمشق ودرعا، ليبدأ فصل جديد من فصول تغيير ديموغرافية المنطقة، فخرج ثوار داريا، لكن دماء شهدائهم بقيت هناك تحرسها وستنبت قوافلاً من الأحرار.
جدير بالذكر أنه ومع وصول الدفعة الثانية والأخيرة من المقاتلين والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من داريا إلى مدينة إدلب، صباح يوم أمس الأحد، يكون قد بلغ عدد من تم إجلاؤه من المدينة 1124 شخصاً منهم 937 مقاتلاً و97 امرأة، بالإضافة إلى 104 أطفال، وبذلك تكون المدينة أُفرغت كاملة من سكانها، بعد الاتفاق الذي وقع بين المعارضة والنظام، والذي اعتبر خطة ممنهجة تهدف إلى تغيير ديمغرافية العاصمة يتم تنفيذها على مرأى ومسمع من العالم كله وسط لامبالاة دولية وعجز من المعارضة عن فعل أي شيء في مواجهة هذه الكارثة.