طرحت صحيفة “النهار” اللبنانية مجموعة من القضايا الكردية مع عضو منسقية “حركة المجتمع الديموقراطي” فوزة اليوسف، وتعتبر هذه الحركة مساهمة في الادارة الذاتية الكردية بالشراكة مع حزب الاتحاد الديموقراطي.
وكان سؤال الصحيفة الأول عن مستقبل الادارة الذاتية والفيديرالية في المناطق الكردية، في ظل رفض النظام السوري والمعارضة لأي طرح مشابه، فضلاً عن الغموض في المواقف الدولية.
تجيب اليوسف: “رغم أن الأزمة السورية في عامها السادس فمع الأسف لم يتم طرح أي مشروع حل من كل القوى المهتمة بالملف سواء القوى الدولية أو الأقليمية، بل تتم إدارة الأزمة بالأزمة، علمًًا أن الجميع يدرك أن سوريا لن تعد سوريا القديمة وعلى الرغم من ذلك هناك اصرار على حلول عقيمة لا جدوى فيها”.
وبنظر اليوسف، المشكلة الاساسية في سوريا والمنطقة، تكمن في “انعدام الديموقراطية”، موضحة: “الانهيار الذي تعيشه المنطقة هو نتيجة الإصرار على نموذج الدولة القومية وكأنه لا يوجد نظام إداري آخر يمكن ان تعتمد عليه الشعوب في حل قضاياها”، فهي تعتبر أن “نموذج الدولة القومية انهار في شخص الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ليتم بعدها الانهيار في تونس، اليمن، مصر، ليبيا و أخيرا سوريا. وعلى الرغم من أنه كان يمكن إعاقة هذا الإنهيار بتغييرات ديموقراطية في البنية الإدارية إلا أنه تم الإصرار على التعصب القومي، الديني والجنسي، فوصلت الشعوب إلى درجة الإنفجار”.
وترى اليوسف، أن “الدولة القومية التي تم تصديرها من الغرب لم تأت للشعوب سوى بالإبادة والاقتتال في ما بيننا. إنها مزقت كل الشعوب، وتحول العرب 22 دولة، والأكرد أربعة أجزاء، ونتيجة العقلية اللاديموقراطية التي تتبناها الدولة القومية والتي تفرض مفهوم القوم الواحد، العلم الواحد، اللغة الواحدة والدين الواحد، وحتى المذهب الواحد، تم اعلان حرب الكل ضد الكل. فقامت الشعوب المضطهدة بالعمل من أجل المحافظة على وجودها ككيان. وعملت الأمم المسيطرة على معاقبتهم بأفظع الإبادات. فمجزرة حلبجة، والمجازر التي قامت ولا تزال تقوم بها الجمهورية التركية في حق الأكراد، والمجزرة التي تعرض لها الأرمن في تركيا والحرب الأهلية في لبنان والإبادة الثقافية التي تعرض لها الشعب الكردي في سوريا، بحيث حرم حتى من الهوية السورية هو نتيجة عما تحمله الدولة القومية من شوفينية وفاشية”.
وتقول اليوسف إن مدخل الاستقرار وبناء على هذه النظرية، “إذا اردنا عدم تكرر المأسي نفسها هناك حاجة الى نظام إداري ديموقراطي يحقق لكل الشعوب حياة تسودها الديموقراطية والسلام.
ونرى أن نموذج الأمة الديمقراطية الذي طرح من القائد عبد الله أوجلان هو الحل الأنسب للأزمة التي نعانيها وكذلك مشروع الفيدرالية الديموقراطية الذي يشكل النظام الإداري لمفهوم الأمة الديموقراطية الذي سيكون السبيل الأنسب من أجل إنهاء حالة حرب الكل ضد الكل التي نعيشها في المنطقة. لأن حصول كل الشعوب على حقوقها، سيؤدي الى الاستقرار والتعايش السلمي المشترك”.
تضيف اليوسف: “يمكن أن يواجه هذا المشروع الصعوبات وأن يرفضه كل من النظام و المعارضة، أو حتى أن يكون الموقف الدولي غامضا في الوقت الراهن، و لكن الملم بالوضع السياسي للمنطقة يمكن أن يعرف جيدا، إن أي قوة في العالم لا يمكن أن تعيد سوريا الى ما كانت عليه وإنه بالفعل إذا كانت هناك رغبة في الحفاظ على وحد تها، فهذا يمكن فقط أن يتحقق إذا ما تم قبول نظام فيديرالي ديموقراطي يضمن حقوق كل المكونات، كل الأديان والمذاهب وإلا فإن سوريا ستنقسم من الذين يروّجون يوميا بإنهم ضد تقسيمها. صمت المعارضة وصمت النظام على احتلال تركيا لجرابلس مثال حي عن هذه الحقيقة”.
ولدى سؤالها: ألا يكرس مشروعكم معادلة التقسيم؟ تجيب: “مشروعنا لا يقتصر على شمال سوريا فحسب، بل نريد أن يتحقق هذا النظام من أجل كل سوريا. لكل منطقة خاصيتها وثقافتها، فثقافة منطقة الشمال تختلف عما هو موجود في الوسط وكذلك بالنسبة الى الساحل، ايضا هناك مكونات وأديان ومذاهب مختلفة، اذا هناك حاجة الى نظام يحقق لكل هذا التنوع إمكانية التعبير عن نفسه، وبقدر ما يتم تحقيق ذلك سيتم استتباب الأمن والاستقرار، في حين أن قيام قومية بتصفية القومية الأخرى، أو مذهب على آخر، أو ثقافة ضد أخرى، تحت شعار “انني الغالبية” أو بسبب دعم خارجي فإن هذا المفهوم سيؤدي إلى تقسيم سوريا”، مذكرة بأن “أكثر الدول قوة ورفاهية هي التي يطبق فيها النظام الفيديرالي سواء سويسرا أو أميركا أو روسيا. منح الحقوق لجميع المكونات لا يعني الانقسام وإنما يعني الوحدة على أسس قوية وحياة مشتركة”.
وبالنسبة للعلاقة مع أمريكا، طرحت تساؤلات عدة عن علاقة اميركا بالمشروع الكردي وعن سبب وجود قواعد عسكرية أميركية في مناطق الأكراد، فتنفي اليوسف وجود قواعد، وتوضح: “هناك مجموعات عسكرية تقيم في بعض المناطق من أجل القيام بعملية التنسيق ما بين وحدات حماية الشعب أو قوات سورية الديموقراطية وبين قوى التحالف وتحصل اتصالات يومية من أجل محاربة داعش في شكل ناجح”.
أما عن العلاقة مع أميركا، فتشدد على أنها “مبنية على أساس محاربة داعش وتحرير المناطق التي يسيطر عليها التنظيم”، مشددة على أن “جميع العلاقات والاتفاقيات الموجودة مرحلية ويمكن أن تتغير. فالذي يكون عدوا اليوم يمكن أن يصبح حليفا في الغد، والعلاقة الروسية – التركية، السورية -التركية وغيرها تؤكد ذلك، فالعلاقات يمكن ان تتحول مساراً إيجابياً او سلبياً حسب المصالح، لكن لا يمكن القول إنها ستبقى بهذا الشكل إلى أمد طويل. هذا بالنسبة إلى علاقتنا مع أميركا ايضا، فهي تتحرك وفق مصالحها في المنطقة ونحن على وعي بذلك، وأحيانا تتقاطع هذه المصالح مع مصالحنا وأحيانا تتناقض، وهذه مسألة مد وجزر ستستمر بين كل القوى المهتمة بالملف السوري إلى حين يتم تطوير حل مشترك للأزمة في سوريا”.
الخلاف الكردي… “تناقض”
حديث اليوسف عن الشراكة والوحدة يدفع إلى التساؤل عن غياب الوحدة بين الأكراد، فهناك أحزاب كردية تحت سقف المجلس الوطني الكردي المدعوم من حكومة أقليم كردستان، واخر تحت سقف حركة المجتمع الديموقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني، والهدف واحد (حكم فيديرالي)، وتوضح اليوسف: “
منذ بداية الأحداث في سوريا كان هناك شكل مختلف لدراستنا ودراسة المجلس الوطني الكردي للوضع السياسي في سوريا. وأكدنا دائماً انه يجب ألا نعتمد على أجندات خارجية ونعمل وفق خط سياسي ديموقراطي مستقل يضمن حق شعبنا الكردي وجميع المكونات في المناطق الكردية. وأكدنا أنه يجب حماية مناطقنا ضد أي هجوم وتشكيل قوة عسكرية وطنية تقوم بالحفاظ على وجود شعبنا. لكنهم مع الأسف انضموا إلى الإئتلاف السوري، علماً ان نهج الإئتلاف وعقليته لا يختلفان عن النهج التعسفي والتعصبي الموجود لدى النظام.
وتسترسل مفسرة: فالائتلاف لم يعترف حتى بوجود الشعب الكردي والمكونات الأخرى. كما أن المجلس الكردي السوري تحرك بأجندات إقليمية، وعلاقته مع تركيا كانت غير مبدئية لأن سياسيتها كانت تدعم داعش وتعادي مصالح الشعب الكردي في سوريا. وكان يجب اتخاذ الموقف ضدها، إلا إن المجلس لم يبد أي موقف مشابه سواء في حرب تركيا ضد الشعب الكردي في شمال كردستان أو على شعبنا في سوريا. وبالرغم من أن الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرازاني قام بوضع حصار اقتصادي وسياسي على مناطق الإدارة الذاتية الديموقراطية في المقاطعات الثلاث، إلا إن المجلس لم يندد ولو مرة بذلك. والأهم إن الفيديرالية التي نطرحها تختلف عن مفهوم التي يطرحونها هم. فإن مشروعنا الفيديرالي ليس مشروعاً قومياً وإنما جغرافي، في حين إن مشروعهم قومي وهم يقلدون ما حصل في العراق، إننا نعتمد على مفهوم الأمة الديموقراطية في حين يعتمدون على الدولة القومية. كما أن طريق المعالجة متناقضة وهذا يعوق تحقيق عملية الوحدة بيننا”، مضيفة: “وصل السوء في المجلس الى وضع داعش وحزب الاتحاد الديموقراطي في كفة واحدة، وهذا مثال واضح عن رؤيتهم المشوهة وغير المبدئية مما يجري في سوريا”.
بشمركة روجافا
ترددت معلومات عن أن القوات الكردية في اقليم كردستان العراق التي تسمى “بشمركة روجافا” وجميعهم من السوريين عبروا عن حقهم بالمشاركة في حماية المناطق السورية من الإرهاب، فسألنا اليوسف، لماذا حكومة الإدارة الذاتية ترفض دخولهم؟
تجيب: “هذه القوى هي الطابور الخامس التي تشكلت من الحزب الديمقراطي الكردستاني. بالرغم من أن وحدات حماية الشعب والمرأة قاموا وما زالوا بحماية الشعب الكردي وكل المكونات من هجمات الجيش الحر اولا و جبهة النصرة ثانياً وداعش ثالثا والنظام رابعاً، إلا إنهم رفضوا العمل تحت مظلة وحدات حماية الشعب، ليس هذا فحسب، بل إنهم قاموا بالعمل مع قوات ما يسمون أنفسهم بقوات الإئتلاف لضرب الأكراد في شيخ مقصود”.
وتضيف: ” نجد خطورة كبيرة في تشكيل قوتين عسكريتين في مناطق الادارة الذاتية، لأن حصول تناقض بسيط سيؤدي إلى حرب داخلية. مثلما حصل في ١٩٩٦ في جنوب كردستان بين حزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. والوضع في لبنان ايضا مثال حي على ان وجود قوى عسكرية مختلفة في منطقة ما سيؤدي الى حرب داخلية وأهلية، لأن السيطرة عليها يكون صعبا جداً وأول خطأ يمكن أن تنتج منه كارثة لا يمكن تصحيحها على مدى الدهر”. وتشير إلى ان “هذه القوات مع تركيا وموقفها من احتلال جرابلس يؤكد هذا الشيء، فهم لم ينددوا بذلك حتى الآن. ليس هذا فحسب، بل إن استسلامهم لسياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصلت بهم إلى درجة التكلم بلسانه”.
حل الأزمة… “الفيديرالية”
حركة المجتمع الديموقراطي ترى ان الحل للزمة السورية ديموقراطي ويعتمد على على الحوار السوري – السوري، وتقول اليوسف: “يمكن أن يكون هناك طرف ثالث يقوم بالإشراف على عملية الحوار، لكن يجب أن تكون حيادية، إلا أن الأطراف التي تقوم بإدارة جنيف حاليا مع الأسف كلها أطراف في النزاع السوري، وبدلاً من الحل يتم تعميق الأزمة، كما أن أي حل يهمش الأكراد أو المكونات الأخرى سيكون عقيماً. ومن هذا المنطلق فان انضمام الادارة الذاتية الديموقراطية للعملية السياسية في جنيف يعتبر أمراً لا بد منه”، وتضيف: “بصرف النظر عن الأكرد وحركتنا فليس هناك من مشروع سياسي بديل حتى الآن من أجل حل القضية السورية، لذلك فان مشروعنا اذا ما تم تبنيه من القوى السياسية في سوريا والدول التي تريد حل الأزمة، فإنه مرشح أكثر من أي مشروع آخر ليكون ضمان حقوق جميع المكونات وضمان وحدة سوريا”.
وفي ذات السياق، توصلت الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) في منطقة عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي، إلى اتفاق مع السلطات التركية في الجانب المقابل من الحدود، يقضي بإنهاء الاعتصام على الحدود التركية بمحاذاة المدينة، وبناء الجدار على مسافة 8 أمتار جنوب سكة القطار داخل كوباني.
وقال أحمد شيخو الرئيس المشترك لحركة المجتمع الديمقراطي في كوباني لوسائل إعلام ، بأنه تم الاتفاق على بناء الجدار على مسافة 8 أمتار جنوب سكة القطار، وأن ذلك جاء بما يتوافق مع المواثيق الدولية.
وأضاف إن الاتفاق جاء بعد اعتصام أهالي مدينة كوباني على الحدود، رفضا لبناء الحكومة التركيا للجدار بعمق 20 متراً داخل الأراضي السورية، منوهاً إلى أنه سيتم تشكيل لجنة من “الإدارة الذاتية” للإشراف على بناء الجدار، وأن الآليات العسكرية التركية لن تدخل أراضي كوباني.
ومن جانب آخر، تعهد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم لسكان جنوب شرقي البلاد الذي تقطنه غالبية كردية، ومحافظة دياربكر خصوصاً، إعادة إعمار كل ما تهدم من مدن وأحياء أثناء قتال مستمر منذ نحو سنة مع «حزب العمال الكردستاني».
وأعلن عن استثمارات قيمتها 10 بلايين ليرة تركية (3.4 بليون دولار) في دياربكر، من أجل إنشاء مناطق صناعية فيها، إضافة إلى مشروع لتشييد 67 ألف وحدة سكنية في 23 محافظة، غالبيتها في جنوب الأناضول وشرقه ووسطه. وقال: «سنجدّد مراكزنا التي تضرّرت بسبب إرهاب حزب العمال الكردستاني، وسنشيّد مدارس ومباني ومتنزهات ودور عبادة».
وأضاف أن الحكومة ستستثمر في سبعة مراكز إقليمية، مركّزة في شكل خاص على منطقة سور التاريخية في دياربكر. وتأتي زيارة يلدرم دياربكر لمحاولة من ما سمي في الاعلام التركي تأجّج مشاعر غضب في الشارع الكردي ضد «الكردستاني»، بعدما نقل الحزب قتاله مع القوات التركية إلى الأحياء السكنية، علماً بأن الجيش التركي قتل وطرد أكثر من 4 آلاف من مسلحي «الكردستاني» من تلك المناطق.