نخبنا السياسية وأزمة القرار

كيف يمكن ضمان صوابية أي قرار سياسي؟ هذا السؤال شغل الزعيم الأمريكي جورج واشنطن حينما كتب يقول إنه كلما أصبحت جماعة الحكم محدودة وضيقة أصبح القرار السياسي عرضة للخطأ...
تحديات خطيرة

كيف يمكن ضمان صوابية أي قرار سياسي؟ هذا السؤال شغل الزعيم الأمريكي جورج واشنطن حينما كتب يقول إنه كلما أصبحت جماعة الحكم محدودة وضيقة أصبح القرار السياسي عرضة للخطأ وللأهواء الشخصية.

إن توسيع نطاق المشاركة في صناعة القرار هو أفضل اختبار لصحة القرار وأفضل ضمانة لتجنب الخطأ، كما أن المنطق الذي يقول إن هناك جماعة بعينها دون سواها هي وحدها التي يحق لها التفكير وإصدار ومتابعة القرار السياسي هي دعوة مفتوحة للاستبداد!!.. ومن أخطر الأمور أن يستيقظ الناس ليفاجأوا بقرارات مصيرية دون أن يعرفوا من أصدرها؟ ولأي الأسباب؟ وكيفية التعامل معها؟ حينما يعرف الناس أسباب القرار وضروراته، وحينما يشاركون في صناعته يصبحون أكثر اقتناعا وأكثر قبولا لتأثيراتة وقابلية لتحمل تبعاته ونتائجه.

إن أخطر مايمكن أن تقع فيه مجموعة من الساسة هو أن تؤمن بأنها وحدها تملك الامتياز الحصري للصواب، وأن غيرها مهما قال هو صاحب الامتياز بالخطأ!!.. مثل هذا التفكير النرجسي يؤدي إلى تكرار الأخطاء التاريخية، ونمو الفساد والتعرض للإفلاس السياسي الشامل، ومصيره الانتحار والانكسار.

إن من أكثر الأسباب التي أدت إلى فشل المعارضة السورية وعجزها أمام التحولات الكبيرة في المشهد السياسي السوري هو استئثار مجموعة ضيقة من السياسيين باتخاذ قرارات خاطئة ومنفردة دون الرجوع إلى شريحة كبيرة من النخب السورية التي تمتلك رؤى ناضجة وواعية بحقيقة مايجري واستراتيجية تتشوّف المستقبل القريب والبعيد وترسم وتستعد له، وعدم الاستفادة من هذه النخب وطاقاتها وإمكانياتها وعلاقاتها وقاعدتها الشعبية.

ومما زاد الطين بلة، شعور هؤلاء الساسة ممن تصدروا المشهد بأنهم يملكون العلم والمعرفة والخبرة الكافية للحكم على أدق الأمور وأعقدها، وهذه الحالة من النرجسية الفكرية والسلوكية تدفع إلى تراكم الأخطاء والخطايا إلى حد الوصول إلى حافة الهاوية.

فما أتعس الحاكم الذي يعتقد أنه يمتلك الصواب المطلق، وما أتعس العالم الذي يظن أنه يمتلك الحقيقة كلها، وما أشقى القاضي الذي يؤمن أنه وحده يمتلك ناصية الصواب.

وبالمحصلة إذا ما بحثنا عن جوهر تخلف مجتمعاتنا العربية بالعموم لوجدنا أن ما ذكر آنفا هو أساس المشكلة من خلال علاقة الحاكم بالمحكوم، ووجود قمة هرم ضيقة تحكم قاعدة واسعة من الناس دون أي تشاركية أو شفافية مع استئثار مطلق بالسلطة، ما ولد أنظمة استبداية عادت بمجتمعاتنا قرونا إلى الخلف وجعلت قيامتها ونهضتها أمرا مقاربا للمستحيل.

درغام هنيدي – تيار الغد السوري

أقسام
مقالات

أخبار متعلقة

  • مخاض عسير

    ما تشهده الثورة السورية من مخاض عسير وخاصة الاختلاف الداخلي الذي يصل أحيانا إلى مرحلة الاقتتال، يؤكد أننا لم نستطع الانتقال بالثورة إلى مرحلة الأمان بعد مرور قرابة عشر...
  • لماذا سيستمر تيار الغد السوري؟

    يراهن البعض على انتهاء دور المعارضة السورية وعن فرط عقدها، ويرددون أنها ستزول في ظل هذه الفوضى. ومن هنا سيكون نقاشنا ولن نتحدث طويلا عما قدمه تيار الغد السوري...
  • مستقبلنا في سوريا حرة وموحدة

    لا يعني نقص أعداد المهاجرين إلى أوروبا أن الأمور بخير في المنطقة. تكون الأمور بخير بالنسبة للاتحاد الأوروبي والعالم باستقرار الشرق الاوسط واستقرار سوريا وإعادة إنتاج الحل السياسي. إن...
  • مسؤوليتنا بعد أوهام النظام اقتصاديا

    تفاجئنا الأحداث دائماً بالمزيد من الألم والحسرة، وفي ذات الوقت الذي تنهمر فيه الصواريخ على إدلب ضمن هجمة لئيمة من قبل النظام، وما تخلفه هذه الحملة من قتل وتهجير...