الجربا يدعو إلى موقف أوربي فاعل في الملف السوري

دعا رئيس تيار الغد السوري، أحمد الجربا، القوى الديمقراطية السورية أن تصر على حضور أوربي فاعل وعادل في أي محفل يخص الأزمة السورية، في مقابل الحضور الروسي الأمريكي، والمشاريع...

دعا رئيس تيار الغد السوري، أحمد الجربا، القوى الديمقراطية السورية أن تصر على حضور أوربي فاعل وعادل في أي محفل يخص الأزمة السورية، في مقابل الحضور الروسي الأمريكي، والمشاريع الإقليمية التي تعيث فسادا وتخريبا في الوضع السوري، لتحقيق توازن دولي مقبول من الممكن أن يقرر أي حل سياسي ينهي المأساة السورية ويخرج البلاد من حالة الخراب المزمن.

وأشار الجربا في مقال له إلى أن المشروع الإيراني وأدواته التنفيذية المتمثلة بالميليشيات المسلحة، واضح لا لبس فيه في سوريا، كما أن تعنت النظام على التعامل القمعي والعنيف مع كل من يختلف معه أو يعارضه، وتحوله مع هذا الخيار إلى مجرد ميليشيا من الميليشيات الطائفية المؤتمرة بإمرة إيران، أيضاً أمر مفروغ منه ولا يمكن لسوريين أن يختلفا حول ذلك أياً كانت التسميات التي تنعت بها هذه التبعية “محور المقاومة، الممانعة، الهلال الشيعي، حزب ولاية الفقيه”. والحال ذاتها مع الميليشيات الإرهابية الأخرى المنتشرة بوضوح، فثمة ملامح تشير إلى بلاد المنشأ والجهات الآمرة.

أما لوحة التدخلات الأوروبية والأمريكية فتبقى، بحسب الجربا، الأكثر تشابكاً وتعقيداً إلى لدرجة يمكن فيها طرح السياسات من خلالها كإمكان للمساعدة في الوصول إلى الحد الأدنى من التغيير المنشود سواء على المستوى الوطني الداخلي أو على المستوى الإقليمي.

وقال رئيس تيار الغد السوري إنه من المعلوم أن القوتين الأوروبيتين الرئيسيتين، فرنسا وبريطانيا، كانتا المهندستين لإسقاط الإمبراطورية العثمانية في بدايات القرن العشرين ورسمتا سوية خرائط الدول القائمة حالياً وفق رؤيتهم لمصالحهم الإستراتيجية، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية كإحدى نتائج تضارب المصالح بين القوى الأوروبية نفسها، ولم يكن صعود أمريكا واحتلالها المكانة التي تتبوؤها منذ أكثر من سبعة عقود إلا نتيجة من نتائج الحرب الثانية التي كانت أوروبية الملمح والمكان والتكاليف الباهظة ” أكثر من خمسين مليون ضحية”، طبعا هذا لا يستثني اليابان التي دفعت التكاليف مع الأوربيين.

واعتبر الجربا أن الطامة الكبرى على الأوروبيين والأكثر كلفة كان استمرار الحرب بين شرقها وغربها بشكل مكثف خلال فترة ما سمي بالحرب الباردة بين المعسكرين “الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي والليبرالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة”. حيث أصبحت أوروبا طوال عقود ما بعد الحرب أشبه بمستعمرات أمريكية بحكم قيادتها في اللحظات الأخيرة للحرب بين القوى الاستعمارية الأوروبية من أجل التخلص من آفة النازية والفاشية اللتين حاولتا فرض سيطرتهما على أوروبا وعبرها على العالم.

مشيرا إلى أنه ورغم انتهاء قعقعة السلاح في أوروبا، إلا أن الحرب العالمية الثانية لم تنته، وأن تبعاتها ما زالت مستمرة، وما زالت الاستراتيجيات الأوروبية ترسم بعيدا عن مصالح القارة الأقرب لشرقنا المتخم بتناقضاته وكوارثه التي تؤثر على أوروبا تأثير الابن على العائلة الكبيرة، فيما تسير الولايات المتحدة الأمريكية وفق خطى الغريب البعيد راسما خطوطه دونما اهتمام للعائلة الإنسانية البعيدة، وكأن الشرق كوكب آخر لا يستحق إلا ما يجري له.

ونوّه الجربا إلى أنه ليس بصدد انتقاد الموقف الأمريكي من المأساة المستمرة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، المأساة التي بدأت بثورة سلمية وانتهت بكارثة حرب أهلية الطابع بالوكالة عن صراعات الآخرين واختلافاتهم وخلافاتهم، حرب توافقت الرغبات الدولية في انطلاقتها حين أدارت “ظهر المجن” للقمع الوحشي الذي تعرض له المتظاهرون السلميون، ولم يتخذوا أي قرار رادع بإشراك ميليشيات طائفية عابرة للحدود في قمع السوريين المطالبين بقيم الحرية والعدالة والمشاركة السياسية والاقتصادية التي تتكئ عليها المنظومة الدولية في تقييمها للأنظمة والدول عبر العالم.

وحذر الجربا من أن غروب أوربا يبدأ في سوريا بسبب غيابها “غير المشروع”، أو “الإجازة بلا راتب” التي منحها الأمريكي لشركائه السابقين في الحرب على أوروبا الشيوعية، أو القطب الشيوعي. مشيرا إلى أن الأمريكي الذي طالما استهواه اللعب وحيداً في الشرق، جرياً على مثل شامي معروف: “العب لوحدك تلعب مرتاح”… إلا أن “روسيا بوتين” لم تترك له الفرصة للعب وحيداً هذه المرة، حين وصلت رياح الربيع العربي إلى معقله التاريخي سوريا، التي ورثته بعد غياب فرنسا أو في حرب تسجيل النقاط أيام الحرب الباردة، فقبلَ شراكتها مرغماً وعلى مضض في الملعب السوري، بعد أن أقصاها سابقا بالقوة حيناً وبالخدعة أحياناً أخرى عن مناطق نفوذها الرئيسية في المنطقة العربية “العراق، ليبيا، مصر، اليمن”.

وأكد الجربا على أن الغياب أو التغييب الأوربي عن الملف السوري بدأ بالتدريج، فكان الحضور الأوربي، والفرنسي تحديداً، واضحاً وفاعلاً في السنة الأولى من الثورة عبر فتح قنوات تواصل مع المعارضات السورية التي تميزت بالتعدد المذهل في اتجاهاتها وتنظيماتها وارتباطاتها وولاءاتها، لكنه بدأ بالانحسار تحديداً بعد أزمة الكيماوي عام 2013، حيث بدأ اللاعبان الروسي والأمريكي بإخراج قصة تدمير الترسانة الكيماوية للنظام مقابل غض النظر عن ضربة عسكرية كان حلفاء أمريكا الأوربيون، وفي مقدمتهم فرنسا، متحمسة لها أيما حماس، ووصل الأمر إلى تهيئة قواعد لانطلاق الطائرات الأطلسية وتحديد بنك أهداف لحرب خاطفة وحاسمة على مراكز قوة النظام السوري، الأمر الذي كان سيشكل انعطافا مفصليا ومصيريا في مآلات الصراع في وعلى سوريا فيما لو نفذ.

وأشار إلى أن الشريكين المستجدين “روسيا والولايلات المتحدة الأمريكية” طبخا اتفاقا فاجأ الأوربيين حينذاك.. نصّ على تجريد النظام من أسلحته الكيماوية مع كل ما يتعلق بها صناعة ودراسات ومواد أولية، فيما كان التعليق المقتضب للوران فابيوس وزير خارجية فرنسا على الاتفاق بأنه “تقدم مهم” وتأكيده أن باريس (ستأخذ في الاعتبار تقرير خبراء الأمم المتحدة حول الهجوم الكيماوي في 21 آب/أغسطس “لتحدد موقفها) إشارة إلى بدء القلق الفرنسي، والأوربي تاليا، من إرهاصات انفراد أمريكي روسي في إدارة الأزمة السورية.

كما أشار إلى أن فتى أمريكا المدلل “إسرائيل” لم يكن بعيدا عن “الطبخة”، بل كان المعدّ الأساسي لها، وقد انكشف الدور الإسرائيلي في الدفع إلى الاتفاق الروسي الأمريكي حول الكيماوي السوري على لسان الوزير الإسرائيلي “يوفال شتاينتز” الذي أكد في مقابلة يوم 15 حزيران/يونيو 2015 أنه هو الذي اقترح الاتفاق الموقع نهاية عام 2013 بعد تهديدات أوباما بضرب النظام السوري في حال تجاوزه الخط الأحمر الشهير باستخدام الأسلحة الكيماوية في قمع التحركات الشعبية والمعارضة المسلحة. وأضاف شتاينتز، يومها، أنه فضّل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو عدم كشف الدور الإسرائيلي في الاتفاق مخافة أن يُرفض باعتباره “مؤامرة إسرائيلية يجب وقفها”، هذا بالإضافة إلى عادة سياسة إسرائيلية متواترة تقوم على عدم الاعتراف بالعمليات التي تقوم بها أو التي تقف خلفها إسرائيل إلا في حال الضرورة. وروى شتاينتز أنه وبعد إعلانه في مقالة إذاعية أن إسرائيل تملك دلائل على أن نظام الأسد هو من يقف خلف الهجوم الكيماوي قرب دمشق في آب/أغسطس 2013، طلب دبلوماسي روسي مقابلته. وقبل دخوله الاجتماع، ناقش شتاينتز ومدير وزارته، يوسف كوبرواسر، تهديد أوباما بضرب نظام الأسد. كما قال شتاينتز يومها “قلنا لأنفسنا: ما الفائدة المرجوة من استخدام خمسين أو مائة صاروخ توماهوك ستسقط في قواعد عسكرية نصف فارغة في سوريا؟ إذا كان الأمر يتعلق بضربة واحدة فهذا لن يشكل رادعاً لاستخدام الأسلحة الكيماوية. إن أفضل شيء ممكن هو أن تقوم روسيا والولايات المتحدة بالتعاون معاً من أجل تفكيك الترسانة الكيماوية السورية”.

وبحسب الجربا فقد بدأت تنجلي شيئا فشيئا ملامح هذا الاستفراد الثنائي بالساحة السورية من خلال الدعم الأمريكي بالمال والسلاح والمعلومات مباشرة أو عبر حلفائها الإقليميين لقوى وفصائل بعينها، مع تغييب حلفاء أوربا في المعارضة أو السكوت على تغييبهم وإبعادهم عن الفعل السياسي والعسكري، مقابل انخراط روسي مباشر في الحرب الدائرة على امتداد الجغرافيا السورية.

وأكد الجربا أن اللعبة توضحت تماما الآن، بعد اتفاق كيري لافروف الذي بقي سرا في بنوده الأساسية، والتي قضت بإبعاد الشريك الأوربي عن الساحة السورية حتى طالب أكثر من مسؤول أوربي علنا بالكشف عن الاتفاق السري بعد أن كانت الاحتجاجات الأوربية خجولة وأسيرة الغرف المغلقة، هذا ما أعلنه على الأقل أكثر من مسئول فرنسي وألماني عبر وسائل إعلام بلادهما.

وقال الجربا إن “تغييب أوربا” عن الساحة السورية وقصر دورها على استيعاب ملايين اللاجئين السوريين يمثل بدء مرحلة جديدة، ربما تكون بداية تحلل الحلف الأطلسي الذي يجمع أمريكا والقارة العجوز، بل تفكك الاتحاد الأوربي نفسه، داعيا إلى قراءة الخروج البريطاني من الاتحاد بما تمثله من رأس حربة أمريكية في جسد أوربا.

أما بالنسبة للسوريين فقد اعتبر الجربا أن “تغييب أوروبا” حدث سلبي يؤشر إلى انفراد قوتين بإدارة الأزمة فلا يومض ضوء في آخر النفق إلا وينطفئ سريعا، فأوربا تريد التحلل من إرثها الاستعماري ببناء ديمقراطيات مماثلة لها في الشرق، إضافة إلى حضور قوى سياسية وأهلية أوربية تسعى لحل كل القضايا الإقليمية والدولية سلميا مع التلويح بالقوة الناعمة ما أمكن، فيما يغذي الأمريكان والروس القوى ذات النزعة الإلغائية والأحادية (أصوليين، قوميين، يساريين سابقين) بما يضمن استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى.

وختاما، دعا رئيس تيار الغد السوري القوى الديمقراطية السورية إلى أنه من واجبها اليوم أن تصرّ على حضور أوربي فاعل وعادل في أي محفل يخص الأزمة السورية، ليس حبا بها، وإنما تأكيدا على القيم التي رفعت من شأن الإنسان عاليا بدءا من الثورة الفرنسية وليس انتهاءا بالاحتجاجات الطلابية في أيار/مايو 1968 التي غيرت وجه العالم والأكثر إلحاحا لتحقيق توازن مقبول في الثقل الدولي الذي سيقرر أخيراً أي حل سياسي لإنهائها وإخراج البلاد من هذا الخراب المزمن.

أقسام
الأخبار المميزةرئيس التيار

أخبار متعلقة