مكتب الدراسات والبحوث: الفرق بين الإسلام السياسي والإسلام العام

رياض درار – باحث ومفكر  إسلامي كتب عبد اللطيف البني: التقيت الأستاذ رياض درار مرة واحدة، ولعدة أيام في استنبول، أذكر أول لقاء، وبعد سلام قصير، قلت له: كنت...
رياض درار

رياض درار – باحث ومفكر  إسلامي

كتب عبد اللطيف البني: التقيت الأستاذ رياض درار مرة واحدة، ولعدة أيام في استنبول، أذكر أول لقاء، وبعد سلام قصير، قلت له: كنت أحترمك، ولكن بمجرد إعلانكم عن التيار الديمقراطي الإسلامي، خسرت احترامي. قال: نحاول أن نبين الوجه الآخر للإسلام …
قلت: كل دين يتدخل في السياسة يعني “داعش”، مهما اختلف الوجه، وأنتم الوجه الآخر لـ “داعش”… تيار، وديمقراطي، وإسلامي، أي: داعش جديد. لم يغضب، ولم يحتد، قابلني بابتسامة لطيفة، وتناقشنا كثيرًا في ما بعد.

رياض درار كتب بالأمس مايلي:
باختصار شديد، كل الإسلام السياسي “داعشي”، وكل التراث القديم أساس له. لم تأت داعش من فراغ، إنها في ثقوب أدمغتنا التي صاغها فقهاء القرون من قرون.

كتب الصديق عزت بغدادي: الإسلام ليس دينًا فحسب، بل أسلوب حياة، شعار أسمعه دائمًا وكلما بحثت عمن يطبقه لا أجد أحدًا! حتى الجماعات التي ترفعه لا تدعي أنها تطبقه، وإن فعلت أنكرت عليها الجماعات الأخر. هل يمكن القول: إن الإسلام أسلوب حياة الأخوان، أم أنه أسلوب حياة السلفية، أم “الدواعش”، أم أنه أسلوب حياة هذه الأمة المشرذمة، أم أمة رحلت، ورحل أسلوبها معها.

ويتساءل: هل هذا شعار واقعي، أم حماسي كشعارات القومية العربية.
الذي أريد تأكيده في معرض هذه التساؤلات التي يدلي بها الأصدقاء، أن الإسلام يدعو إلى إنسانية شاملة، لكنه ليس مشروع دولة كونية، بل مشروع ديمقراطيات، تتعدد بتعدد المجتمعات، وتشترك في فضاء الحرية، وتعمل على اختراق الحضارات، للتكامل بينها، وللتواصل والتعارف والتثاقف: “يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا (13) سورة الحجرات.

وأن الإسلام العام مقتضاه في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} سورة الأنعام.

أما الإسلام السياسي؛ فتختصره آية في كتاب الله: {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} (53) سورة المؤمنون
إن انشغال تيار الإسلام السياسي بإقامة نظام حكم إسلامي، أدخله في صراعات، أبعدت المعارضين عن التأثر بالاسلام إلى إيجاد الثغرات، والانشغال عن المناقب والمآثر بالبحث في عثرات المسلمين، وسقطات الحكومات الاسلامية المتعاقبة عبر التاريخ، وتسليط الضوء على التنافس المذهبي والطائفي بين المسلمين.

عندما أرفض الإسلام السياسي، فأنا لا أثني على تجارب السياسة العربية، فكلها فاشلة مدنسة، أنا أتحدث عن دين رائع سحبه إلى وساخات السياسة دعاة، لافهم لهم فيها، أو مغامرون اعتلوا ظهر الدين ليسودوا الناس، ناسين أن بنية الدولة الحديثة ليست دينية، ولا تقوم على الدين، إلا إذا كانت طائفية، ويمكن فقط للإسلاميين الديمقراطيين أن يكونوا جزءًا من بناة الدولة لا من قادتها، وإذا قبلوا الآخر في إدارة الدولة دون حسبان من دين أوطائفة، عندها تكون المواطنة هي المرجعية، لا الولاء والبراء، وما إلى ذلك من شعارات مفرقة.

الإسلام ليس دولة بل دعوة، والدولة لادين لها وإنما المجتمع، والناس يعتقدون بما شاؤوا، ولا يجب فرض دين على أحد، ولا تمييز بين المؤمنين مهما تنوعت مصادر إيمانهم، وفي حال تعدد القوميات، المواطنة هي المرجع. هذه رؤية كشفت عنها الأحداث والصراعات الدموية بين الأديان والمذاهب، وشجعت على تبنيها النجاحات التي قامت عليها الدولة الحديثة.

إن القرآن لم يعد العرب ولا المسلمين بدولة، ولا أثار حماستهم بالحديث عن منافعها وخيراتها، ولكنه وعدهم بالجنة والرضا الالهي، والمغفرة، وعدهم بتغيير الواقع السيئ، بالتمكين في الأرض، بالحماية والنصرة، وعدهم بالاستخلاف في الأرض، استخلاف بمعنى خاص كوجود فاعل يحمل مضمونًا ومعنىً، لكنه لم يكن بمعنى إقامة الدولة بمفهومها المعاصر؛ لأن الحديث عن دولة إسلامية يعد بمنزلة تقليص لرسالة الإسلام، وتقليل من مكانة الدين وتقصير مداه، وتضييق لحدوده.

الدولة إما أن تكون دينية أو علمانية، وكل دولة باسم دين أو أيديولوجيا هي دينية؛ حتى لو كانت ملحدة، العلمانية تعني فصل الأيديولوجيا عن الدولة، وبذلك لا يجب ذكر دين أو انتماء أي مسؤول أو مرشح لمنصب ما، وبرامج التنافس يجب ألا تذكر أي هوية غير هوية الوطن.

الإسلام السياسي نشأ مع بدايات القرن الماضي، وخاصة بعد سقوط الخلافة، وخلط بين الواقع والحلم، وبين المقدس والمعاش، قدم الدولة على حساب الدعوة، فضاع وأضاع! ومصطلح السياسة الشرعية لاعلاقة له بالدين الإسلامي، وهو تعبير لقدامى الفقهاء، جدده المتأخرون من أهل السياسة، بهدف أدلجة الدين وتسييسه، والتدخل في حياة الناس الفردية.

إلباس الدين عباءة الأيديولوجيا يجعله أداة بيد من يفرض الأيديولوجيا؛ للتحكم برقاب الناس، وإباحة الطغيان. ولا يجب إلباس الدين عباءة الأيديولوجيا وجعله نظامًا سياسيًا، كما لا يجب إكراه الناس على الدين؛ لأن كل إكراه يمنع تحقق كلمة الله في الأرض، ويحرم الناس من حرية الاختيار.

الحرية هي كلمة الله التي تجمع بين الانقياد الطوعي لله والكفر بالطاغوت، أيًا كان، والحكم في القرآن كله يُقصد به القضاء والتشريع؛ فالحكم لله ولا يشاركه أحد، أما السلطة التنفيذية فهي الأمر، وتركها الله للناس (وشاورهم في الأمر ــــ وأمرهم شورى بينهم)، وممارسة الديمقراطية في مجال الأمر، والبرلمانات تشرع في العفو الذي تركه الله للناس؛ لأن الحياة لا تتوقف، وحدودها في المسموح والممنوع، فلا تحل ماحرمه الله ولاتحرم ماأحله الله.

ليس في الدين الإسلامي ما يدعم مشروعية أيّ نظام سياسي، كيفما كان نوعه؛ لذلك لم تجد مشروعية الدولة عبر تاريخ الإسلام ما تستند إليه عدا العصبية.

لا يكفي أن نقول إنّ الإسلام دين وليس دولة، لكي ينتهي النقاش حول علاقة الدين بالدولة في الإسلام، فهذا القول استُنزف بحثًا منذ علي عبد الرازق وكتابه الشهير “الإسلام وأصول الحكم”، بل ومنذ الخوارج الذين أكدوا بأنّ الإمامة ليست أصلًا من أصول الدين، ولكنها من المصالح المفوضة لنظر الأمة، ومشروعية الدولة لم تكن تجد داخل الإسلام أي سند شرعي، ولو وجد السند الشرعي لما تقاتل الصحابة من أجل السلطة، وإنما كانت مشروعية الدّولة تستند إلى المشروعية العصبية، كما يؤكد ابن خلدون. ولا وجود لأي أساس آخر للدولة لا في السنة ولا في القرآن.

مشكلة الإسلام مع الطوائف من داخله لا تقل عن مشكلة المسلمين مع الأديان الأخرى، ليس اليهودية والمسيحية واليزيدية والصابئة في بلاد العرب فحسب، بل في آسيا كذلك، حيث البوذية والهندوسية والكونفوشوسية والطاوية، وكيف يُحل التكاره بين هذه الديانات، إذا ما بقيت العلمانية مغيبة عن العقل العربي.

والعلمانية في رأيي لاتتعارض مع الإسلام العام، الإسلام الشعبي.
من خلال هذه المأسسة تصبح العلمانية أكثر وضوحًا، لن تعني العلمانية إخراج الدولة من مجال الدين كما يشيع خطأ أو قصدًا؛ ذلك، أن الدولة لم تنشأ داخل الدين حتى نخرجها منه، وإنما نشأت خارج دائرة النبوة والوحي والقرآن، ولا سند لها غير العصبيات القبلية والطائفية والسلالية، منذ حروب بني هاشم وبني أمية، قبل وأثناء وبعد ظهور الإسلام، مرورًا بالخلفاء والسلاطين والأمراء، حتى اليوم.

أن نستبدل اليوم تلك العصبية القديمة بصناديق الاقتراع، حيث مصدر الشرعية ليس الجلوس في مصدر القرار، بل الشرعية التي يعطيها الناس، وإرادة الشعب هي موضع الشرعية ومصدرها؛ فالشرعية ليست للأمر الواقع، بل هي للإرادة الشعبية، والصندوق الانتخابي لاقيمة له، إلا إذا زالت العوائق من طريق الشعب.

أوروبا والعالم المتحضر لم تصل إلى الصندوق، إلا بعد أن أصبح قرار الفرد حرًا، يصرح به أو يعطيه غير متأثر بالحاجة، ولا تسيره الضغائن، الصندوق علامة أن الآفاق مفتوحة، والتعبير مصان، والحساب ممكن، وهو علامة الدولة الحديثة، ومنطق الشفافية. ومن يأخذ بيده السلطة عليه أن يخرج أمام الناس ليحاسَب، لا ليشرح. السلطة حساب، والشرح سيطرة.

ستتيح العلمنة الانعتاق من طوق التسييس والأدلجة، وتتيح الخلاص من الحرب الطائفية. ستتيح العلمنة إعادة التأسيس.
الإسلام هو الحل، شعار سياسي يعني تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا، وتحديدًا أيديولوجيا مناهضة للحداثة، ولن تقوم دولة للمسلمين؛ حتى يتعلمنوا ويفقهوا علوم الديمقراطية وحقوق الإنسان بالفعل لا بالادعاء.
وإذا تعلمنوا، تعلموا أن الدين لله، وأن الحياة مع الآخرين مواطنة وليست مساكنة.

أقسام
الأخبار المميزةمكتب الدراسات والبحوث

أخبار متعلقة