لماذا إيران أخطر من داعش؟

يعتبر القادة السياسيون الأمريكيون من كلا الحزبين أن تدمير تنظيم داعش يشكل الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفي الحقيقة إن ذلك لا يكاد يقل أهمية عن مواجهة...
علي خامنئي آية الله المرشد الأعلى الثورة الإيرانية

يعتبر القادة السياسيون الأمريكيون من كلا الحزبين أن تدمير تنظيم داعش يشكل الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفي الحقيقة إن ذلك لا يكاد يقل أهمية عن مواجهة التحدي الذي تطرحه إيران، فالاتفاق النووي، الذي دخل حيز التنفيذ قبل عام، ربما أرجأ خطر القنبلة النووية الإيرانية، إلا أن التهديد المتعدد الأوجه، الذي تشكله إيران بنزعتها العسكرية ودعوتها لتبني مبادئها الدينية وعدد سكانها الكبير البالغ 80 مليون نسمة، هو تهديد أكبر بكثير للمصالح الغربية من السفاحين والقتلة السنّة في الرقة والموصل.

وخلال المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، سجلت مجموعة “الخمسة زائد واحد”، الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، العديد من المنافع. ومن بينها تأخير المشروع النووي العسكري الإيراني لمدة من 10 إلى 15 عاماً، ونزع فتيل التوترات السياسية مع إيران، وفتح أسواق جديدة هناك، وكسب التعاون الإيراني لمحاربة تنظيم داعش. وتأتي إحدى هذه المنافع فقط، وهي تأخير مشروع إيران النووي، على حساب إيران، بما أن كلا الطرفين يشاطر الرغبة في تحقيق الأهداف الأخرى.

ومن وجهة نظر طهران، حصلت إيران على مكاسب أكثر بكثير مما تخلت عنه. فمقابل إرجاء مشروعها النووي العسكري، حققت رفع العديد من العقوبات الاقتصادية، ووضع حد لعزلتها السياسية، وتخفيف القيود المفروضة على برنامج القذائف الباليستية الخاص بها.

وبسبب الخوف المبالغ فيه لمجموعة “دول الخمسة زائد واحد” من اتخاذ أي خطوات قد تعطي الإيرانيين ذريعة لإحباط الاتفاق، حققت طهران المزيد من المكاسب أيضاً. وتشمل هذه امتلاك حرية واسعة لتعزيز نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، حيث لم تعد تخشى من “خيار عسكري” بقيادة الولايات المتحدة.

وتكثر الأدلة على سلوك إيران المخادع. فهي الداعم الأوّل للنظام السوري الذي يمارس الإبادة الجماعية، بتزويدها بشار الأسد بالأموال والأسلحة ودعمها للميليشيات الشيعية. كما توفّر الأسلحة والأموال والتدريب لحزب الله وتستخدمه كأداة استراتيجية لتقويض الدور الشرعي للحكومة اللبنانية. وفي اليمن، تثير إيران النزاع من خلال إرسالها الأسلحة إلى الثوار الحوثيين. وفي أماكن أخرى من شبه الجزيرة العربية، تستخدم وكلاء لإضعاف البحرين والمملكة العربية السعودية. وفي الجوار الإسرائيلي، تموّل إيران حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وبعضاً من عناصر “حماس”، وتزوّدهم بالدراية الفنية اللازمة لصنع القذائف والطائرات بدون طيار وأسلحة أخرى. ولم ينحسر أي من هذه الأنشطة عقب الاتفاق النووي الإيراني؛ بل على العكس من ذلك، أصبحت طهران أكثر عدائية على كافة الجبهات.

وفيما يتعلق باتفاق كان من المفترض أن يكون محدوداً جداً ويتمثل بإيجاد حل سلمي للبرنامج النووي العسكري الإيراني، كان المفاوضون الايرانيون بارعون في ذلك. فقد أدوا دور الفريق الضعيف بطريقة ممتازة. وخلال 14 عاماً، عندما تُرفَع القيود الحاسمة، قد يجد العالم نفسه في وضع أسوأ لمنع المشروع النووي الإيراني من أي وقت مضى.

ومن الناحية التاريخية والسياسة الدولية، فإن 14 عاماً ليست إلا لمحة بصر. وهناك العديد من العوامل التي قد تقلّص هذا الإطار الزمني إلى حد كبير، مثل احتمال حصول أحداث عالمية تصرف الانتباه الدولي عن الانتهاكات الإيرانية.

وتحتاج الدول المعنية إلى العمل معاً الآن لمنع إيران من استغلال الاتفاق النووي بهدف إعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط لصالحها، ومنعها من الاستفادة من عدم الاستقرار في المنطقة للتحضير لتجاوز العتبة النووية في نهاية المطاف، سواء قبل انتهاء صلاحية الاتفاق أو بعده.

وقد تشمل مثل هذه الخطوات ضمان التفتيش الصارم لمنشآت إيران النووية – وليس فقط من قبل “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. وعلى كل حال، كانت وكالات الاستخبارات الغربية هي التي كشفت الغالبية العظمى من انتهاكات إيران النووية، وليس “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج الأمم المعنية إلى الضغط على إيران بشأن برنامج القذائف الباليستية الخاص بها ودعمها للإرهاب. كما يجب أن تعمل هذه الأمم على تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر نشر إيران للأسلحة في جميع أنحاء المنطقة. وبالمناسبة، لا تخرق أي من هذه الخطوات شروط الاتفاق النووي.

ولم يفت الأوان بعد لإصلاح الانطباع بأن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يرى في إيران جزءاً من الحل لمشاكل الشرق الأوسط، وليس المصدر الأساسي لعدم الاستقرار والتطرف في المنطقة. وبطبيعة الحال، تحارب إيران تنظيم داعش؛ ويجب ألا يبقى أمراً مثيراً للدهشة واقع قيام هذه الحكومة الشيعية الأكثر تطرفاً في العالم بمحاربة السنّة المتطرفين.

وللأسف، أولئك الذين اعتقدوا أن الاتفاق النووي من شأنه أن يؤدي إلى دولة إيرانية أكثر اعتدالاً وانفتاحاً وإصلاحاً، في الداخل الإيراني وخارجه، بنوا تحليلاتهم على تفكير رغبي. وطالما يحكم نظام الآية الله إيران، ليس هناك احتمال أن نرى مطاعم “ماكدونالدز” في طهران. وعلى العكس من ذلك، سنرى المزيد من عمليات الإعدام والقمع والاستبداد.

وهذه النظرة إزاء إيران مشتركة في منطقة الشرق الأوسط بين البلدان التي كانت متخاصمة. وفي حين يستمر الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن أي إشارة إلى النزاع بين إسرائيل والدول العربية السنية تغدو باطلة في الوقت الراهن. فاليوم، يواجه كل من العرب والإسرائيليين الظروف الصعبة نفسها، أي التهديدات التي تحيط بنا والتي تدعمها إيران؛ وفي ما يخص كيفية معالجة هذه التهديدات، نتّفق جميعنا أيضاً بشكل عام.

وما ينقصنا هو القيادة من حلفائنا التقليديين في الغرب، وخاصةً من أصدقائنا الحميمين في أمريكا. وإذا حوّل الرئيس أوباما أو خلفه الأولويات، وقاد حملةً للضغط على إيران من أجل إنهاء سياساتها المزعزعة للاستقرار، من خلال تنفيذ نفس النوع من الضغوط التي أجبرت إيران على التفاوض حول برنامجها النووي، سيجد شركاء يُبدون استعداداً بين كل من العرب والإسرائيليين.

 

معهد واشنطن

أقسام
من الانترنت

أخبار متعلقة