جددت الإدارة الأمريكية مناقشة توجيه ضربات عسكرية ضد نظام الأسد، اليوم الأربعاء، حيث سيتباحث مسئولو الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض حول الخيارات المتاحة للمضي قدما في سوريا، مع احتمال أن يوافق الرئيس أوباما في نهاية المطاف على ما سيقرره هؤلاء المسئولون.
داخل الأجهزة الأمنية الوطنية، وبعد عقد اجتماعات استمرت لأسابيع للنظر في خيارات جديدة لإعداد توصية للرئيس من شأنها معالجة الأزمة المستمرة في حلب، حيث تواصل الطائرات السورية والروسية ارتكاب أعنف حملة قصف تشهدها المدينة منذ أكثر من خمسة أسابيع منذ أن بدأت الحرب على المدينة في العام الماضي. ومن المقرر عقد اجتماع للجنة الخبراء والمستشارين، والذي سيضم مسؤولين على مستوى مجلس الوزراء، اليوم الأربعاء. بالإضافة إلى اجتماع لمجلس الأمن القومي، والذي من الممكن أن يحضره الرئيس أوباما.
يوم الأربعاء الماضي، وفي اجتماع لجنة النواب في البيت الأبيض مع مسؤولين من وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية وهيئة الأركان المشتركة، تمت مناقشة توجيه ضربات عسكرية محدودة ضد النظام السوري كوسيلة لإجبار الديكتاتور السوري بشار الأسد على دفع تكلفة لما ارتكبه من مخالفاته لاتفاق وقف إطلاق النار، ولتعطيل قدرته على مواصلة ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في حلب، وزيادة الضغط على النظام ليعود إلى طاولة المفاوضات بشكل جدي.
كما تشمل الخيارات “قيد الدراسة”، والتي لا تزال سرية، القصف لمدارج القوة الجوية للنظام “المطارات العسكرية” باستخدام صواريخ كروز وغيرها من الأسلحة بعيدة المدى التي تطلق من طائرات التحالف والسفن المرابطة في البحر المتوسط. مسؤول في الإدارة الأمريكية كان حاضرا المناقشات قال لجوش روجين “معد التقرير”: إن أحد المسؤولين قال خلال الاجتماع إنها الطريقة المقترحة للالتفاف حول اعتراض البيت الأبيض منذ فترة طويلة على مبدأ توجيه ضربة لنظام الأسد من دون قرار من مجلس الأمن الدولي وأن التنفيذ سيكون سرا ودون اعتراف علني.
فيما أعرب الجنرال بول سيلفا، المسؤول في وكالة الاستخبارات المركزية وهيئة الأركان المشتركة، في اجتماع لجنة النواب، عن تأييده لمثل هذه الخيارات “الحركية”، التي اتسمت بزيادة الدعم لخيار ضرب الأسد مقارنة مع آخر مرة تم النظر في مثل هذه الخيارات.
كما قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن “هناك زيادة في المزاج لدعم الإجراءات الحركية ضد النظام السوري”، مضيفا أن “وكالة المخابرات المركزية وهيئة الأركان المشتركة تعتبر أن سقوط حلب من شأنه أن يقوّض أهداف أمريكا في محاربة الارهاب في سوريا”.
ورغم أنه ما تزال هناك شكوك كبيرة حيال موافقة البيت الأبيض على عمل عسكري، إلا أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية قالوا لصحيفة “الواشنطن بوست” هذا الأسبوع إن أوباما ليس أكثر استعدادا لعمل عسكري أمريكي داخل الأراضي السورية مما كان عليه في السابق، وأن كل الخيارات العسكرية التي تجري مناقشتها لديها مخاطر سلبية أو عواقب تخشاها الإدارة الأمريكية.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت، يوم الاثنين الماضي، أنها ستعلق قنوات الاتصال الثنائية مع الجانب الروسي، بعد فشل اتفاق وقف إطلاق النار الشهر الماضي، فيما تستعد الولايات المتحدة لإعادة جميع الموظفين والخبراء من جنيف والذين كانوا ينتظرون لأسابيع بدء مشروع جديد من التعاون العسكري والاستخباراتي مع الروس لمتابعة وقف إطلاق النار إذا كان قد عقد في وقت سابق ولم يستمر لأكثر من أسبوع مع خروقات واضحة من الجانبين الروسي والسوري.
وكان اثنان من المسؤولين في الإدارة الأمريكية قد قالا إنه كان من المفترض أن تعلن الإدارة الأمريكية تعليق العمل مع الجانب الروسي يوم الجمعة الماضي، ولكن وزير الخارجية جون كيري طلب إرجاء هذا الإعلان بعد أن تحدث على الهاتف مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بهدف إتاحة المزيد من الوقت للعمل على تمديد وقف إطلاق النار لكنه فشل، تاركا إدارة الملف بلا مسار واضح للمضي قدما في الاتفاق.
في الأسبوع الماضي، تم نشر تصريحات لكيري عندما كان يتحدث لمجموعة من النشطاء السوريين، حيث قال إن اقتراحه عام 2013 للإدارة الأمريكية بتوجيه ضربات عسكرية ضد النظام عقابا له على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري لم يلق استجابة، فيما كان الكونغرس يتداول مشروع قانون يرخص لأوباما هذا التصرف، ولكن الرئيس الأمريكي قرر سحب هذا الطلب ليعقد صفقة مع موسكو بدلا من ذلك.
ولكن كيري هذه المرة لا يحبذ استخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد نظام الأسد، بحسب اثنين من مسؤولي الإدارة، وهو يفضل الآن مواصلة الجهود الدبلوماسية مع روسيا، كما أنه مستعد لـ”غض الطرف” عن روسيا طالما لم تشارك مباشرة في جرائم حرب في حلب، وطالما أنها مستعدة لزيادة الضغط على نظام الأسد.
كما أن منسق مجلس الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط، روب مالي، ومبعوث الرئيس الخاص للائتلاف الدولي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، بريت ماكجورك، لايوافقان على أي تصعيد عسكري ضد نظام الأسد، وليس هناك توافق في آراء المسؤولين الأمريكيين بشأن ما ينبغي إرساله من خيارات لمكتب الرئيس، فيما تشمل الخيارات الأخرى المقترحة زيادة الأسلحة المقدمة لبعض فصائل الثوار السورية وزيادة نوعية هذه الأسلحة، والسماح للثوار بالدفاع عن المدنيين في حلب.
وإذا لم يوافق أوباما على مزيد من الدعم للثوار السوريين أو على زيادة ضغط التحالف الدولي على نظام الأسد، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو الانتظار خارج أسوار حلب المحاصرة والعودة للتعاون مع الروس إلى أن تسقط حلب بيد النظام، وساعتها ستكون الإدارة الأمريكية في موقف أضعف.
من جهته، يرى فريدريك هوف المسؤول في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط “أطلانتيك كاونسل” أن أي سياسة تهدف للمضي قدما بهدف إيجاد حل في سوريا بناءا على افتراض أن “روسيا تبحث عن حل دبلوماسي على المدى القريب في سوريا” متجهة نحو الفشل.
ويضيف هوف في مقال كتبه في هافينغتون بوست، أول أمس الاثنين، أنه “مهما قدمت الإدارة الأمريكية من أعذار لترك السوريين العزل في مواجهة القتل الجماعي الذي يتعرضون له، يجب أن لا يكون استمرار البحث عن أرضية مشتركة مع فلاديمير بوتين واحدا منها”، “وطالما أنه لم يتحقق أي شيء من هذا، يتعين على دبلوماسية جون كيري أن تحال إلى التقاعد بسبب الاستمرار في هذا الوهم بشكل دائم”.
نائب كيري، أنتوني بلينكن، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، شهد الأسبوع الماضي أن نفوذ الولايات المتحدة في روسيا يأتي من فكرة أن روسيا سوف تصاب، في نهاية المطاف، بالضجر من تكلفة التدخل العسكري في سوريا. وقال “إن عواقب التكلفة المالية المرتفعة وآثارها السلبية العميعة بالنسبة لروسيا سوف تمنعها من الاستمرار في الخوض في المستنقع السوري”.
حجج الرافضين للمزيد من التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، بما في ذلك الضربات ضد النظام، تقوم على أساس المخاطر التي ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، إلا أنها تبقى افتراضية في نهاية المطاف، ولكن الآثار المترتبة على استمرار السياسة الحالية ليست افتراضية، وهي تشمل أكثر مما نراه الآن، تشمل أن روسيا ونظام الأسد يرتكبان جرائم حرب ضد المدنيين مع الإفلات من العقاب وتدمير أكبر المدن السورية.
ترجمة خاصة بتيار الغد السوري