اتفق مع الكثير من السوريين الذي يعتبرون أن الحديث عن خطوات عسكرية أمريكية جدية تجاه الملف السوري لا يتعدى في الغالب كونه كلاما متأثرا بالأمنيات، خاصة مع ما حدث في مجلس الأمن مؤخرا وفشل الولايات المتحدة في إصدار قرار دولي بشأن وقف العمليات العسكرية في حلب والتي تديرها روسيا بشكل أو بآخر إن لم نقل إنها صاحبة الكلمة الفصل فيها.
لكن وعلى الرغم من هذا الواقع وهزالة الموقف الأمريكي طيلة ست سنوات وانحساره على الجعجعة بلا أي طحن، إلا أن هناك ما يشير إلى أن سوريا ستعيش شتاءا ساخنا زاخما بالأحداث التي قد تكون كافية لقلب الموازيين على الأرض، فيما يبدو أنه رغبة أمريكية في إعادة الأوضاع الميدانية كما كانت عليه في العام 2012 عندما كان النظام لا يسيطر على أكثر من 30 في المئة من الأراضي السورية أو إلى وضع قريب منه على أقل تقدير، بما يضع روسيا أمام خيار القبول بتسوية سياسية في سوريا تنسجم مع الرؤية الأمريكية والغربية وغالبا تنتهي بإزالة الأسد من مستقبل سوريا السياسي، أو خيار مواجهة مستنقع ربما يتشابه إلى حد كبير مع المستنقع الأفغاني.
أول ما يجب ان ينتبه له السوريين الآن أننا على موعد بعد نحو أربعين يوما مع إدارة أمريكية جديدة مطالبة بإعادة مركز واشنطن العالمي الذي هزه ضعف أوباما، وهو ما يعني أننا سنشهد تعاملا أمريكيا مع الملف السوري مغايرا عن تعامل أوباما وإدارته، لاسيما وأن الملف السوري بدأ يأخذ مكانه في الحملات الانتخابية لكلا المرشحين مع اقتراب موعد التصويت، وهنا لابد من التذكير بالاهمية الكبرى لقضايا الشرق الأوسط في الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأمريكية على وجه الخصوص بعد أحداث 11 أيلول.
ومن ما لا شك فيه أيضا أنه يمكن للقارئ أن يلحظ الدور الذي يمكن أن تلعبه التحولات في أوروبا في رفع سخونة الشتاء السوري القادم، خاصة مع صعود اليمين البريطاني الذي يعتبر من أكبر حلفاء الأمريكان، إلى جانب تصاعد اللهجة الفرنسية حيال موسكو والتأزم الكبير على المستوى الدبلوماسي، ما يعني أن الرئيس الأمريكي القادم قد يدخل البيت الأبيض بمناخ دولي مهيئ للخوض في مواجهة غير مباشرة مع روسيا، وهو ما تدركه تماما إدارة بوتن، الأمر الذي دفعها لمسابقة الزمن عبر التصويت في مجلس الدوما لتواجد عسكري روسي دائم في سوريا ورفع مستوى هجماتها على حلب.
طبعا لا يمكن الحديث عن أي تصعيد في سوريا بمنأى عن الجانب الميداني، فما شهدته وتشهده الساحة الميدانية السورية خلال هذه الفترة أيضا يشير إلى أن ما بعد الانتخابات الأمريكية قد لا يكون كما قبلها، لاسيما مع فتح جبهة الساحل ولو كانت بمعركة صغرى لا ترقى إلى ما يتوق له ثوار سوريا، والتقدم الميداني الكبير للثوار في حماة، وما قابله من عنف روسي في حلب وادلب وأطراف من حمص، وهي الأمور التي توحي مجتمعة فيما لو صدقت التوقعات السابقة بأن ساحة الحرب في المرحلة القادمة ستتركز في مناطق قلب النظام أو ما يعرف بسوريا المفيدة.
من المؤكد أن التوقعات حول سيناريوهات الشتاء السوري من الممكن أن تأخذ عدة أشكال، ففيما لو استبعدنا المواجهة المباشرة على اعتبار أنها قد تقود إلى حرب عالمية ثالثة لن يخاطر الرئيس الأمريكي أيا كانت هويته بالدخول فيها، تبقى تلك السيناريوهات بين دعم غربي لفصائل معينة من المعارضة السورية بسلاح نوعي قادر ليس فقط على ايقاف التقدم الروسي، وإنما تمكين الثوار من استهداف المراكز والقوات الروسية في سوريا بحيث أن نار الثورة السورية لن تقتصر على النظام وأنما ستطال موسكو كما طالت طهران من قبلها، ما يعني أن تجارة توابيت الأموات في موسكو ربما تشهد نشاطا كبيرا خلال العام المقبل.
حسام يوسف – تيار الغد السوري