تعاني إيران من معضلة استراتيجية، تماما مثل إسرائيل، وهناك عوامل ثلاثة متشابهة لديهما.. العامل الأول: ترى إيران أنها متفوقة عسكريا على دول الجوار وكذلك إسرائيل، أما العامل الثاني: فإيران لديها غربة ثقافية عن المنطقة وكذلك إسرائيل، وأما العامل الثالث: فلدى إيران كراهية تاريخية للعرب، وهذه لا شك فيها لدى إسرائيل.
هذه المعضلة الاستراتيجية، مع ضعف وهشاشة الموقف العربي وحالة السبات والتفرقة العربية، شجعت إيران على مزيد من التوغل الاستخباراتي والعسكري وشتى المجالات الأخرى في البلاد العربية.
ولا يفوتنا أن نذكر أن إيران تحتل أرضا عربية تعادل عشرة أضعاف ماتحتله إسرائيل، فهي تحتل “الأحواز” البالغة مساحتها 160 ألف كلم مربع، بينما مساحة فلسطين 20 ألف كلم مربع.
وعلينا هنا أن ندقق على مسألة في غاية الأهمية وهي أن إيران تعد للخطة التي أفصح عنها محمد جواد لاريجاني عندما طرح “نظرية أم القرى” في كتابه “مقولات في الاستراتيجية الوطنية” وهي تتضمن جعل مدينة “قم” أم القرى بدلآ من “مكة المكرمة”، وبالتالي تكون إيران دولة القلب المذهبي وعاصمة العالم الإسلامي، من خلال التوسع والتغلغل السكاني والسيطرة على الأراضي بكل الطرق وخلق مجموعات دينية ضابطة لامتلاك الأرض والعقول بكل الإمكانيات وتأسيس بنية تحتية تكون جاهزة عند الغزو الفعلي.
وإيران تُعدّ لغزو شامل وتؤسس لحكومات الظل في الدول العربية، أي خلق كوادر متكاملة ومطلوبة تكون على أهبة الاستعداد عندما تنضج الحالة الموضوعية ويحدث الغزو الفعلي، ليمكنها الاستيلاء بسهولة وبشكل كامل وممنهج على الدول العربية.
وحتى تصل إيران إلى أهدافها ليس بالضرورة أن تكون خلاياها من الطائفة الشيعية، ولكن هي تستخدم كل من يؤمن بأركان مشروعها الثلاثة، وخير دليل على ذلك أنها طالما نسقت واستعانت بتنظيم القاعدة.
فالمخابرات الإيرانية تتعامل مع تحقيق أهدافها بشكل علمي ومدروس، وسنعرض لكم مثالآ على دقة واستراتيجية خططهم من خلال كشف كيف تتعامل إيران مع الحوثيين، فإيران تقوم بتجنيد جماعاتها من البحرين والإمارات وقطر والكويت وكافة دول الخليج، وتقوم بإدخالهم عبر الشريط الممتد من الكويت إلى سلطنة عمان، كما يدخلون من نجران وجازان إلى اليمن ثم إلى صعدة ثم يأخذونهم بحافلات إلى ميناء “ميدي” ثم إلى مجموعة الجزر في أريتريا والبالغ عددها 126 جزيرة، والتي يستأجرها الحرس الثوري الإيراني، فيقومون بتدريبهم مدة قد تمتد من عدة أشهر إلى سنة، ويكون تدريبهم بكافة المجالات عسكريا واستخباراتيا وإعلاميا، وبعد انتهاء التدريبات تعود هذه المجموعات إلى بلدانها لتكون بمنتهى الجاهزية والاستعداد لليوم الموعود، علما بأن بداية الخطة الخمسينية التي أقرت من قبل الملالي في “قم” وكذلك أقرت من مجلس الأمن القومي الذي يرأسه رفسنجاني كانت في البحرين.
وعلينا أن نعلم أن إيران تملك منظمة مقرها في السودان اسمها “15 خرداد” وهي منظمة إيرانية إرهابية مهمتها تصفية واختطاف كل من يعارض المشروع الإيراني في كل أنحاء العالم، وهي تتبع المرشد الإيراني مباشرة، وهي بالفعل نفذت الكثير من الاغتيالات والخطف والتي يطول سردها.
كل هذه الأمور تؤكد لنا أن الخطر الإيراني هو خطر وجودي استئصالي ويعتمد في خططه بشكل أساس على تأزيم الدول العربية من خلال الفوضى والمشاحنات لخلق بيئة مناسبة لدخول المشروع الإيراني.
درغام هنيدي – تيار الغد السوري