كان للمرأة السورية دور رائد في الحياة السياسية منذ الاحتلال إلى الاستقلال إلى حكم البعث.
ومع انطلاق شرارة الثورة، سارعت المرأة السورية، ومنذ اليوم الأول لها، لتأخذ مكانها الطبيعي فيها، ابتداء بوجودها بين صفوف المعارضين السلميين في المظاهرات، والتشكيلات السياسية لاحقاً، وانخراطها فيما بعد بالنشاط الإعلامي على الأرض تعمل تحت الخطر، مستعدة لمواجهة السجن والقتل والتنكيل في سبيل نقل حقيقة ما يحدث في منطقة تواجدها من ممارسات قمعية وانتهاكات واضحة لأول حق من حقوق الإنسان “الحق بالحياة” لترصد انتهاك النظام لكل شيء ضارباً بعرض الحائط كل القوانين البشرية والربانية محاولاً إسكات أصوات الأحرار المطالبين بالحرية والعيش الكريم.
بالطبع لم تكن المرأة السورية قبل الثورة هامشية في الحراك السياسي السوري حيث شهدت الساحة السياسية السورية العديد من المعارضات السوريات لحكم البعث ومنذ نشأته، فانخرطن بالعمل الحزبي ومنظمات المتجمع المدني، ودافعن عن الحقوق المشروعة للإنسانية في بلد لم يعترف يوما بالإنسان كمواطن في بلده، بل عومل السوري وعلى مدى ما يقارب النصف قرن من حكم البعث كرعية مهمتها الوحيدة تبجيل الحاكم وتمجيد حكمه وحكمته.
ولم تكن مشاركة النساء في الثورة مشاركة نخبوية من خلال النساء المنخرطات أصلاً في العمل المدني والسياسي والمعارضات لحكم البعث، ولكن شهدت الثورة انخراط المرأة الريفية في المناطق النائية في الحراك الثوري، وكان لها دور كبير في المظاهرات السلمية والحراك الثوري السري والعلني، فكانت تقف إلى جانب الرجال في الثورة تصرخ منادية بالحرية وتحلم بمستقبل أفضل لبلدها ولأبنائها فكانت شهيدة وأم شهيد وأخت شهيد وزوجة شهيد وبنت شهيد، وبرز في الثورة الكثير من الوجوه النسائية التي لم تكن معروفة من قبل، ومن بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة، وعلى امتداد البلاد من درعا جنوبا حيث انطلقت شرارة الثورة إلى رأس العين أقصى شمال سوريا.
ما دفعته وتدفعه المرأة السورية فاق من حيث القيمة النضالية ما دفعته نساء الأرض كافة في ثوراتها ونضالاتها، لأنها ببساطة تواجه نوعا مختلفا من الاستبداد لم يشهد العالم له مثيلا.
ومع ظهور الحركات الإسلامية التي طغت في الأشهر الماضية على المشهد الثوري السوري من حيث التنظيم والتكاثر سيصبح لزاما على المرأة السورية أن تواجه حصارا من نوع جديد سيلقى على عاتقها عبئا جديدا في نضالها. فإلى جانب ثورتها للحرية من سطوة استبداد سياسي عليها أن تخوض حربا جديدة ضد فكر ينظر إليها على أنها عار وعورة، وفي وجه محاولات جادة متذرعة بالشريعة الإسلامية لإقصائها وتحييدها عن مجرى الحياة عامة وجعلها هامشية بكل المعاني.
ومع كل هذه الظروف حملت المرأة في سوريا وزر التشرد والشتات والنزوح إلى مخيمات الجوار وإلى بعض المناطق الآمنة، ففي مخيمات النزوح تفتقد المرأة إلى أبسط سبل العيش ابتداء من عدم توفر لقمة العيش إلى الظروف المعيشية القاسية في غياب توافر الشروط الصحية والمعيشية، فالخيمة التي تسكنها النازحات اليوم لا تحمي لا من برد ولا من حر، هي مجرد فسحة للعيش وفقط للعيش بعيدا عن أي من مقومات هذا العيش في غياب أبسط الخدمات، فبعض القصص التي ترد من هناك أن النساء والأطفال عانوا من انتشار الأوبئة التي يتسبب بها غياب النظافة مثل القمل والجرب والكوليرا، ولا ننسى ما يمر به أطفال سوريا في النزوح من ظروف التشرد واللااستقرار ليكونون عرضة للأمراض وسوء التغذية نتيجة الجوع المزمن في النزوح، والحالات النفسية المتأخرة نتيجة ما رأوه من أهوال، فبات الطفل السوري يتكلم باعتياد عن رائحة الجثث وأشلاء الضحايا التي أمسكوا بها بأيديهم الصغيرة لتضيق بهم ملاعب الطفولة وليعوا قبل أوانهم هول ما يعيشوه، ولا ننسى أن الأطفال النازحين بدون مدارس أو تعليم منذ بداية الثورة السورية حتى اليوم.
وفي الداخل السوري كان النزوح من مناطق القصف إلى الأماكن الأكثر أمنا، فافترشن الأرصفة ونمن في الحدائق دون أي أساسيات للمعيشة، ووجد البعض في المدارس ملجأ يقيهم عيون المارة، وهنا قامت المرأة السورية بدور جديد في إغاثة أخواتها السوريات النازحات في تأمين الحاجات الأساسية من ملبس وطعام وماء وبعض الاحتياجات الأساسية الأخرى لتتدخل السلطة من جديد وتمنع المناضلات السلميات من أعمال الإغاثة وتحصرها بالفرق الحزبية التابعة لحزب البعث الحاكم وللهلال الأحمر السوري، والذي منع فيما بعد من الدخول إلى المناطق الساخنة التي تدرو فيها الصراعات المسلحة.
وما تزال المرأة في سوريا وحتى هذه اللحظة تقدم التضحيات تلو التضحيات في الوقوف في وجه نظام امتهن سياسة إذلال شعبه وقهره، ووصل به الحد إلى عدم مراعاة أي من الأصول الإنسانية، فقد سجلت ووثقت أعداد النساء المقتولات على يد النظام واللواتي وصل عددهن إلى 17538 امرأة بنسبة وصلت إلى 12% بين كل شهداء الثورة، حسب إحصائيات موقع شهداء الثورة، في حين وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عدد الوفيات نتيجة قصف النظام وأعماله العدائية على المناطق المدنية بين النساء بحوالي أربعين ألف امرأة وطفل.
ووثقت أكثر من 3500 حالة اغتصاب لفتيات ونساء على يد قوات النظام وما يفوق الـ 250 حالات اغتصاب لأطفال ذكور وإناث كما سجلت حالات لاغتصاب ذكور. وتبقى الأرقام غير دقيقة، ومن المؤكد أنها أكبر بكثير من الأرقام الموثقة في غياب الإحصائيات الدقيقة نظراً لصعوبة العمل.
وتستمر عدادات الموت لتحصي أرقاما وتلحق بأخرى ليمر عدد النسوة الشهيدات والمعتقلات والمعذبات مرور الكرام ضمن عدد بات لا يحمل من المعاني إلا ثمنا إضافيا لابد من دفعه للوصول إلى صبح نتمناه ونحلم به ونسعى من أجله.
مزن مرشد – عضو المكتب السياسي في تيار الغد السوري