الهيئة العليا للمفاوضات والدعوة لـ ” قرار الاتحاد من أجل السلام”

الهيئة العليا للمفاوضات والدعوة لـ ” قرار الاتحاد من أجل السلام” – دراسة قانونية- د. محمد خالد الشاكر مقدمة بعد الفشل الذي مُني به مجلس الأمن الدولي في استصدار قرار...

الهيئة العليا للمفاوضات والدعوة لـ ” قرار الاتحاد من أجل السلام”

– دراسة قانونية-

د. محمد خالد الشاكر

مقدمة
بعد الفشل الذي مُني به مجلس الأمن الدولي في استصدار قرار يوقف الصراع السوري؛ طالبت المعارضة السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتطبيق ” قرار الاتحاد من أجل السلام”، وروجت في العديد من وسائل الإعلام بالعمل على صياغته، عن طريق فريق عمل لتقديمه على شكل مشروع.

وفي حيثيات ذلك، سنحاول من خلال مقاربة القانونية، دراسة ” قرار الاتحاد من أجل السلام”، الذي دعت إليه الهيئة العليا للمفاوضات، ومدى قدرة هذا الطرح في إحداث تقدم يُحسب لأداء الهيئة، ومطابقته للحالة السورية ، لاسيما بعد فشل مجلس الأمن الدولي، في إيجاد بدائل قادرة على إخراج السوريين من كارثتهم.

كما سنحاول دراسة هذا القرار من خلال مقاربة سياسية، كون الجهة التي طالبت به ، هي المعنية بالتفاوض، في معرض العديد من المرجعيات كجنيف 1 وجنيف 2 وبياني فينا ، كما العديد من القرارات الدولية ومن أهمها القرار 2254.
تعرف الدبلوماسية – في أحد جوانبها- بأنها ” أداة السياسية الخارجية” ، ويعرف التفاوض بأنه ” فن تقييد القوة”، مايعني أن لاقوي في التفاوض عندما يكون هناك حنكة في التفاوض.

لابد من الاعتراف، بأنّ قوة النظام التي أدت مؤخراً إلى تمدده، بعد الكثير من المجازر التي ارتكبها ، لم تكن بسبب الدعم الذي يتلقاه من حلفائه وحسب، بقدر ماكانت بسبب استفادته أيضاً من أخطاء المعارضة السورية، بدءً من وقوع الأخيرة في فخ الأسلمة الذي نصبه لها النظام ، وانتهاءّ بالاخطاء الفادحة للهيئة العليا للمفاوضات، منذ قبول الأخيرة بالقرار 2254، الذي تحدث عن هدن قصيرة، استغلها النظام لإطالة عمره مابقيت الحرب ومفاوضاتها الصغيرة على تلة هنا، ومدينة هناك، وكأن مهمة الهيئة للتفاوص على موقع مدينة حلب، في صراع يمتد على كامل الـ 185 ألف كيلو متراً مربعاً.

ومع كل هذا وذاك، قبلت الهيئة العليا للتفاوض بالقرار الذي تضمن ” وقف الأعمال العدائية” وليس ” وقف إطلاق النار”، كعملية قد تمهد لتقسيم سورية، من حين تدري الهيئة أو لاتدري.

القرار ذاته – أي 2254- أوقع الهيئة أيضاً في مطب دفعت ثمنه حلب بشكل خاص ، والسوريون بشكل عام، عندما تضمن القرار فصل الجماعات المصنفة إرهابياً عن الجماعات المعتدلة، وهي الحالة التي لم تستطع الهيئة العمل عليها، قبل القبول بالقرار أو استصداره، بل على العكس من ذلك، فقد ذهبت هيئة التفاوض إلى جنيف 3 دون أي مناقشة أو حسم، الأمر الذي فتح الباب للنظام لحرق الأخضر واليابس، والمتطرف والمعتدل والمدني، بحجة وجود جماعات إرهابية.

الحالة ذاتها تكررت، في الجولة الثانية من التفاوض، ومما زاد الطين بله، إن الهيئة رحبت بفك ارتباط جبهة النصرة عن القاعدة ، إذ اندمجت الجبهة التي أصبحت تحت مسمى ” فتح الشام” مع الفصائل المعتدلة، قبل أن تحصل ” فتح الشام” على صك براءة من المجتمع الدولي يجعلها غير مصنفة تحت بند الإرهاب.

وبين فك الارتباط الذي جاء بأمر من الظواهري ذاته، وترحيب الهيئة العليا بالاندماج، دفعت حلب مرة أخرى، خطيئة آدم الثانية على الأرض الحلبية، بينما وجد النظام والروس في ذلك، فرصة من ذهب لترتيب كل أمورهم وبالطريقة التي يرونها مناسبة.

فشلت الهدنتان، ودخل الصراع السوري في أتون مرحلة استعصاء الاستعصاء، الذي حاولت من خلاله الهيئة العليا للمفاوضات الهروب إلى الأمام، بالطلب من المجتمع الدولي لاستصدار ” قرار الاتحاد من أجل السلام” كعملية قانونية، لاندري كيف فهمتها الهيئة، ماتريد من ورائها؟.

يعد قرار الاتحاد من أجل السلام الذي طالبت به هيئة التفاوض، أحد حالات فرض السلم بالقوة العسكرية، و حالة استثنائية في حال شلل مجلس الأمن الدولي، كما يضع فقه القانون الدولي، شروطاً قاسية لتحقق قرار الاتحاد من أجل السلام، موافقة ثلثي الدول الأعضاء في الجمعية العامة لاستصدار هذا القرار.

سنحاول في هذه المقاربة القانونية وضع ” قرار الاتحاد من أجل السلام” الذي دعت إليه هيئة التفاوض في إطاره القانوني، ومدى فعاليته في معرض ماهو حاصل سياسياً وقانونياً.

وهل أصابت الهيئة المولجة بتمثيل السوريين في الدعوة لهكذا قرار، وماهي دلالات ذلك؟.

1- الاتحاد من أجل السلام: قراراً وليس ” مبدأّ”.
صدر قرار الاتحاد من أجل السلام في رقم 377 تاريخ 3 نوفمبر / تشرين الثاني 1950، كتوصية صادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب عدم توافر الاجماع بين بين الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي، مع ملاحظة عبارة ” بسبب عدم الاجماع” وليس بسبب الفيتو المتبادل، كون القرار صدر بعد مقاطعة الاتحاد السوفياتي لجلسات مجلس الأمن الدولي، أبان تلك المرحلة، وهو الخطأ الذي اعترف به الاتحاد السوفياتي .

يعد قرار الاتحاد من أجل السلام قراراً استثنائياً وليس مبدأّ راسخاً من مبادئ القانون الدولي العام، لأنه صيغة اضطرارية خارج نصوص ميثاق الأمم المتحدة، على اعتبار وحيد مفاده أنّ مجلس الأمن الدولي هو السلطة التنفيذية الرئيسة المعنية بحفظ السلم والأمن الدولين ، من خلال اختصاصه التوفيقي استنتاداً لنص المادة 33 من الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة ، التي تضمنت الوسائل الكفيلة لحفظ السلم والأمن الدوليين من خلال ” المفاوضة، والوساطة ، والتوفيق ، والتحكيم ، والتسوية القضائية، أو من خلال اللجوء الى الوكالات والتنظيمات الإقليمية”.

كما يضطلع مجلس الأمن لوحدة – دون غيره- بفرض السلم والأمن الدوليين، من خلال الاختصاص التأديبي، استناداً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، عندما تفشل الوسائل السلمية، استناداً لنص المواد 41، 42، 43 .

أما الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فلا تتعدى وظيفتها الدور الاستشاري، أي ليس لديها السلطة في إصدار أية قرارات ملزمة، ولكنها تتمتع بسلطة أدبية غير ملزمة في إستصدار ” توصيات” ليس لها الطابع الإلزامي أو التنفيذي.

واستناداّ لذلك، يعد قرار الاتحاد من أجل السلام الذي صدر بظروف خاصة واستثنائية خلال الحرب الكورية قفزة نوعية واستثنائية، فيما يتعلق بعمل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ممارسة وظائفها، إذ يشكل هذا القرار أول سابقة نقلت عمل الجمعية العامة للأمم المتحدة من الوظيفة الاستشارية غير الملزمة إلى الوظيفة التنفيذية ، دون أن تكون تلك الوظيفة بشكل مباشر منها، ولكن بعد رفع توصياتهت لمجلس الأمن الدولي.

2- الظروف الموضوعية والأسباب القانونية لقرار الاتحاد من أجل السلام.

جاء قرار الاتحاد من أجل السلام في ظروف واقعية قسرية في الحرب الكورية 1950 ، بعد قيام قوات الشمالية بمحاولة غزو كوريا الجنوبية، وفي ظرف حدث لأول مرة في تاريخ مجلس الأمن الدولي، حيث كان الاتحاد السوفياتي يقاطع جلسات مجلس الأمن الدولي، احتجاجاً على عدم قبول الولايات المتحدة تمثيل الصين الشيوعية، مما أظهر مجلس الأمن الدولي مشلول الإرادة، مما حتم اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتوسيع صلاحياتها كعملية خارج نصوص ميثاق الأمم المتحدة.

وعليه، فأنّ حيثيات صدور قرار الاتحاد من أجل السلام ، لم يكن بسبب الفيتو المتبادل ( كما هو حاصل الآن في الحالة السورية)، ولكن بسبب انسحاب الاتحاد السوفياتي بإرادته من جلسات مجلس الأمن الدولي، وهو ما أعطى ذريعة قوية للولايات المتحدة الأمريكية، التي دفعت بمعسكرها الرأسمالي في الجمعية العامة للتصويت على القرار واستصداره بمجموع ثلثي الأعضاء، وهو الخطأ الاستراتيجي الذي اعترف به الاتحاد السوفياتي بعد هذا التاريخ.

تضمن قرار الاتحاد من أجل السلام في الجزء الأول من الفقرة (أ) أنه” في حال فشل مجلس الأمن الدولي في تحمل مسؤولياته بسبب عدم توافر إجماع الأعضاء الدائمين فيه، على الجمعية العامة أن تجتمع فوراً وتبحث المسألة، لتقدم إلى الأعضاء التوصيات اللازمة حول التدابير الجماعية التي يجب اتخاذها، ومن ضمنها استعمال القوة المسلحة” .

قامت الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكورية، بدفع أعضاء مجلس الأمن الدولي لاستصدار ” قرار الاتحاد من أجل السلام” مستغلة غياب ومقاطعة السوفياتي، وبالفعل استجاب مجلس الأمن الدولي لتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصدر حينها ثلاثة قرارات ملزمة هي القرار 82، والقرار 83، والقرار 84، جميعها عن طريق مجلس الأمن الدولي، وليس عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة ( كما يتصور الكثير)، حيث اكتفت الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع توصياتها إلى مجلس الأمن الدولي، الذي وافق عليها، مستغلاً الخطأ السوفياتي، وهو الأمر الذي لايتشابه مع الحالة السورية الراهنة، كون روسيا – الآن- لاتغيب عن مجلس الأمن الدولي، وستمارس من جديد حق الفيتو.

3- هيئة التفاوض وقرار الاتحاد من أجل السلام من الناحيتين القانونية و السياسية:
من الناحية القانونية، يعتبر طلب الهيئة العليا للمفاوضات من المجتمع الدولي بتطبيق قرار الاتحاد من أجل السلام، طلباً بتجاوز روسيا في مجلس الأمن الدولي، وهذا أمراً مستحيلاً من الناحية القانونية، بل العكس من ذلك فهو يرتد على الهيئة ، لأن مجرد طلبها بتطبيق قرار الاتحاد يلغي جميع مهامها، وينسف العملية السياسية برمتها، واعترافاً بانتهاء مهامها التفاوضية، لسبب وحيد مؤداه أن قرار الاتحاد من أجل السلام – حسب فقه القانون الدولي- لايأتي إلا في معرض فرض السلم وليس حفظه، أي حل الأزمة السورية بالقوة العسكرية، وهو الأمر غير المتحقق في الحالة السورية، لأسباب أصبحت واضحة للجميع منها على سبيل المثال:

ا- رفض الولايات المتحدة – بشكل علني- التدخل عسكرياً في سورية، وهو ما كشفته سياسة الولايات المتحدة منذ خمس سنوات، واعترافها بالانكفاء عن التدخل العسكري، كما رغبة أوباما بالخروج من سدة الرئاسة دون أي تدخل عسكري، كأحد ركائز حملته الانتخابية.

ب‌- وجود روسيا في مجلس الأمن الدولي، وعدم غيابها، كما حصل في الحالة الكورية 1950. لذلك فبمجرد إرسال الجمعية العامة للأمم المتحدة لتوصياتها إلى مجلس الأمن الدولي، كتراتبية قانونية في إصدار القرار ( فيما لو تحقق أجماع ثلثي أعضاء الأمم المتحدة)، فإن روسيا ستعود من جديد لاستعمال الفيتو.

ج‌- انقسام المجتمع الدولي بشأن الأزمة السورية الذي يحول دون قدرة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالحصول على موافقة ثلثي الأعضاء ، إذ ستصوت – بعملية حسابية بسيطة- الكثير من الدول المناهضة لسياسة الولايات المتحدة ضد قرار الجمعية، كما ستصوت الولايات المتحدة ضد القرار، بسبب عدم رغبتها بالحل العسكري، وتفضيلها للحل السياسي، وسيتبعها في ذلك الدول التي تصطف إلى جانبها، وقد أكدت ذلك التسريبات التي كشفت على لسان جون كيري رغبة الإدارة الأمريكية الحالية في مشاركة المعارضة في الانتخابات إلى جانب الأسد، وهي العملية التي ربما لن تصل إلى سقفها الإدارة الأمريكية القادمة. الأمر الذي يجعل من دعوة الهيئة العليا للمفاوضات، دعوة غير ذات قراءة سياسية، بقدر ماهي حالة ” تصعيدية” أو إعلامية، بدون أية أرضية سياسية أو قانونية.

د‌- الرؤية الاستراتيجية الأمريكية، التي تؤكد رغبة الإدارة الأمريكية القادمة في استئناف الحل الدبلوماسي بخصوص الأزمة السورية، وهو مايتعارض مع ” قرار الاتحاد من أجل السلام” الذي يقوم على القوة العسكرية، كما يتعارض مع الوجود العسكري الروسي في سورية، مما يعني حرب مباشرة بين الدولتين العظميين، وهذا أمر مستحيل في منطق العلاقات الدولية الحالي، لأنه سيفجر حرب مباشرة في المنطقة، بين القوى الإقليمية من جهة والقوى العظمى من جهة أخرى، وهي فرضية غير واردة في حسابات الدول، التي تتنافس فيما بينها، بشكل غير مباشر، من خلال لاعبين غير دوليين، تحقيقاً لغايات ذاتية. لذلك تبقى الحرب المباشرة فرضية مستحلية، كون النظام الدولي اليوم يقوم على صراعات اقتصادية- غير إيديولوجية.

ولعل التقاربات واللقاءات الودية على مستوى الرؤساء خلال الأزمة السورية، التي كشفت عن تنافسات اقتصادية مصلحية فيما بينهم، أمضى دليل على ذلك.

مكتب الدراسات والبحوث بتيار الغد السوري

الهوامش ـــــــــــــــــــ

[1] – انظر: المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة،

[1] – انظر ميثاق الأمم المتحدة ، الفصل السابع، فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم، والإخلال به، ووقوع العدوان.

[1] – ولفاننغ فريدمان، تطور القانون الدولي، ترجمة: لجنة من الأساتذة الجامعيين، منشورات دار الآفاق الحديثة، بيروت، ص41.

[1] – انظر الفقرة الأولى من قرار الاتحاد من أجل السلام، وثائق الأمم المتحدة.

أقسام
الأخبار المميزةمكتب الدراسات والبحوث

أخبار متعلقة