تقدمت منظمتان حقوقيتان فرنسيتان، يوم أمس الاثنين، بدعوى قضائية اتهمتا فيها نظام الأسد بارتكاب “جرائم حرب”، على خلفية اختفاء المواطن السوري الفرنسي “مازن الدباغ” ونجله “عبد القادر باتريك الدباغ” في دمشق.
وقال “الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان” و”رابطة حقوق الإنسان”، في بيان مشترك، إنهما تقدما بشكوى للقضاء الفرنسي، اتهما فيها النظام بالإخفاء القسري والتعذيب وارتكاب جرائم حرب، على خلفية اختفاء وتعذيب السوري الفرنسي “مازن الدباغ” ونجله “باتريك عبد القادر الدباغ”.
وطالبت المنظمتان، غير الحكوميتين، المدعي العام بالقسم المتخصص في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، التابع للمحكمة العليا في العاصمة باريس، بفتح تحقيق قضائي في قضية اختفاء الدباغ ونجله، وذلك منذ اختطافهما من قبل المخابرات عام 2013.
وبهذه الشكوى، تصطف المنظمتان إلى جانب المهندس “عبيدة الدباغ”، وهو سوري فرنسي (64 عامًا)، يعمل مهندسًا ويعيش في فرنسا، ويبحث منذ 2013 عن شقيقه “مازن” ونجل شقيقه “باتريك” المختفيان في دمشق.
وكان باتريك (20 عامًا) يدرس بكلية الآداب في جامعة دمشق، عندما اعتقل منتصف ليلة 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 من منزله، من قبل أشخاص قالوا إنهم ينتمون للمخابرات السورية، وإنهم سيقومون باستجوابه، دون تقديم توضيحات أخرى، وفق البيان.
كما تم إيقاف والده، الذي يعمل مستشارًا بمدرسة فرنسية في دمشق، من قبل نحو 10 رجال مسلحين قالوا له إنه “لم يحسن تربية ابنه”، بحسب البيان أيضا.
وأضاف البيان: “نأمل أن يفتح المدعي العام تحقيقًا قضائيًا في أسرع وقت ممكن، حول الوقائع المذكورة شديدة الخطورة، والتي تعكس توسع القمع ضد الشعب السوري منذ 2011”.
وتابع أنه “في ظل غياب إمكانية اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، حول الجرائم المرتكبة في سوريا، فقد حان الوقت بالنسبة للسلطات القضائية في دول أخرى لكي تفتح تحقيقات في هذه الجرائم”.
وبحسب البيان، فقد تقدمت الخارجية الفرنسية، في أيلول/سبتمبر 2015، بشكوى إلى المدعي العام في باريس، حول حالات تعذيب وقعت في سوريا، كشف عنها ملف “القيصر” المكون من حوالي 55 ألف صورة، التقطها مصور سابق ملحق بالمخابرات العسكرية في سوريا، داخل اثنتين من المستشفيات في دمشق، وتظهر جثث 11 ألف سجين عذبوا وقتلوا على أيدي أجهزة المخابرات السورية.
وسعى المدعي العام في حينه إلى إثبات أن فرنسيا سوريا على الأقل تعرض للتعذيب من قبل النظام في دمشق، بما من شأنه أن يمنح القضاء الفرنسي اختصاص محاكمة النظام.
وفي سياق متصل، أشار البيان إلى أن عمل المدعي تقدم بشكل بطيء بسبب “عدم توفر الوسائل اللازمة” للقضاء للقيام بتحقيقاته، داعيا السلطات الفرنسية إلى دعم جهود الأخير، مشددا على أنه “من الضرورة العاجلة بالنسبة للسلطات الفرنسية أن توفر للقضاء الوسائل اللازمة لإجراء تحقيقاته بشكل فعال، لأنه بهذه الطريقة فحسب، بوسعنا تقييم الإرادة الحقيقية لفرنسا حيال مكافحة الإفلات من العقاب بخصوص الجرائم المرتكبة في سوريا”.
ومن جهته أيضا تقدم المهندس السوري الفرنسي “عبيدة الدباغ” شقيق “مازن الدباغ” إلى محكمة فرنسية، يوم أمس الاثنين، يطالب فيها بالكشف عن ملابسات اختفاء شقيقه وابن شقيقه “باتريك” لمدة ثلاث سنوات، وذلك بمساعدة المحامية كليمونس بيكتارت.
وقال الدباغ لصحيفة “الليبراسيون” إنه طرق كل باب، وحاول إجراء اتصالات سياسية ودبلوماسية، واستنفد جميع الوسائل للحصول على المعلومات الخاصة باختفاء شقيقه وابن شقيقه ولكن دون جدوى وأن كل المعلومات المتوفرة أنهما تم القبض عليهما في دمشق ولكن لا تعرف الجهة التي تم اقتيادهما إليها.
وأضاف الدباغ أنه في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2013، ذهب خمسة رجال إلى منزل الأسرة في دمشق، مدعين أنهم ينتمون إلى أجهزة الاستخبارات التابعة للوات الجوية السورية، وأعلنوا أنهم يريدون أخذ “باتريك عبد القادر الدباغ” لاستجوابه، وفي اليوم التالي، قام نفس الرجال برفقة عشرات الجنود المسلحين، هذه المرة، باقتياد والد الشاب باتريك، الذي يعمل مستشارا في مدرسة شارل ديغول في دمشق، بتهمة “عدم إحسان تربية ابنه” ووعدوا بإعادته منتصف الليل.
وأضاف الدباغ أن “الأب وابنه لم يكونا من المتشددين وليس لديهما أي نشاط سياسي”، وقال الدباغ، الذي يعيش في فرنسا لمدة عشرين عاما، إن أخاه وابن أخيه وجدا نفسيهما في سجن مطار المزة العسكري، سيء السمعة لكونه واحدا من أسوأ مراكز التعذيب لدى النظام السوري، مؤكدا أن معلومات وصلت إليه من سجناء سابقين كانوا معهما في نفس المعتقل تفيد أن “الخاطفين” عذبوا شقيقه وابن شقيقه.
وأكد الدباغ أنه وزوجته، التي عملت لمدة ثلاثين عاما في الملحقية الثقافية في سفارة فرنسا بدمشق، حاولا على مدى عامين إجراء اتصالات مكثفة للحصول على معلومات، وأنهما قدما طلبات من خلال جميع القنوات الرسمية وغير الرسمية في سوريا، وحتى من خلال روسيا وإيران، وأنهما كتبا إلى أعلى القادة الفرنسيين والأوروبيين لطلب المساعدة، بما في ذلك النواب الفرنسيين الذين ذهبوا لزيارة بشار الأسد، ولكن بدون جدوى.
ويؤكد عبيدة الدباغ أنه بات موقنا الآن أن لديه القدرة على دخول هذا القطاع، المخصص فقط للفرنسيين، وقال إنه يجري اتصالا مع الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDH)، وأنه وجد استجابة ودعما فوريا، متمنيا أن يكون في النهاية قادرا على مساعدته، وقال “اليوم شعرت أننا لسنا وحدنا، كما تم اتصال بين الدباغ والفيدرالية الدولية ورابطة حقوق الإنسان (LDH) لمواصلة إجراءات الدعوى، وهم يطالبون بفتح فوري للتحقيق القضائي في الوقائع التي هي، وفقا لهذه المنظمات، جرائم اختفاء قسري وتعذيب وجرائم ضد الإنسانية، وأضاف “نأمل أن تكون جهودنا أرضية لفتح التحقيق في الوقائع شديدة الخطورة، في أقرب وقت، والتي تعكس مدى القمع التي حل بالشعب السوري منذ عام 2011.
وذكر عبيدة في تصريحه لصحيفة “الليبراسيون”: “أنا أعرف أن إجراءات العدالة عملية طويلة. ويجب علينا أن لا نخدع أنفسنا”، ولكنه أمل في أن يفتح الكشف العلني عن الحقائق بابا للوصول إلى الحقيقة، وأن تقوم هذه الجهود بعملها نيابة عن عائلات عشرات الآلاف من السجناء الآخرين في سجون نظام بشار الأسد.