شاءت الأقدار أن نشهد متغيرات مفجعة وأحداث ساخنة تمر بمنطقتنا العربية وهي في حالة مخاض عسير يصعب التكهن بنتائجه في ظل فوضى التنافس الدولي بين الغرب والشرق يضاف إليه التغول الإيراني الطائفي العبثي، حيث يهدد دول الجوار العربي مع إيران أخطار مركبة تهدد أمن وسلام المنطقة الحاليين فضلا عن مستقبلها.
فالعامل الأكثر خطورة من “النووي الإيراني” الذي يخشاه العالم، هو المذهبية المقيتة والتشبيح السياسي المكشوف الذي تعدى حدود المهاترات الكلامية وتصدير وإزكاء الخلافات المذهبية، ما نما وعزز الراديكالية الطائفية المقابلة، كما أن إيران تخطت حدود المحظورات الإستراتيجية والأمن والسلم الدوليين والأمن القومي العربي بتنظيماتها الميليشياوية، وباتت تستخدم تلك التنظيمات والميليشيات كفرق عابر للحدود ومزروعة في قلب من تناصبهم العداء لفرض اضطرابات سياسية وأمنية، بما يحقق لها مآربها وأطماعها ويشبع نزواتها وأهداف ثورتها التي طالما أرادت تصديرها وفرض هيمنتها من خلالها.
وتعد هذه الاستراتيجية الانتهازية سلاح تدمير شامل بحسب النتائج والمضاعفات التي ستخلفها سياستها المبنية على أسس التحريض المذهبي وما ستؤدي إليه من قلاقل وفتن وتمزق للمجتمعات العربية، الأمر الذي يزيد ويفاقم من تآكل وتفكك الديموغرافيا العربية ويستنزف البلاد اقتصاديا وأمنيا وعسكريا، لتتحول الدول العربية إلى دول هزيلة هشة تابعة للولي الفقيه، في ظل انعدام للمشروع العربي وضعف في قدرات الردع العربي والمواجهة المقابلة العربية، وهنا ليس المقصود الجانب العسكري فقط، ولكن الردع بمعناه ومفهومه الشامل لكافة الجوانب السياسية والاجتماعية والفكرية والاستراتيجية.
وهذه الاستراتيجية الانتهازية بما تقوم به من لعب على حبال التناقضات الدولية واستغلال العجز العربي والاضطرابات الداخلية والبينية جعلها تحظى بدعم كبير يؤهلها لمواصلة مشروعها الدموي الساعي لهدم المجتمعات العربية واستزاف مواردها، وهو الأمر الذي انعكس بالإيجاب أيضا على إسرائيل التي تبدو مرتاحة وسعيدة بحالة الصراع العربي الإيراني ومستفيدة منه فيما تعاني الشعوب العربية من حالة الحرب المفتوحة كما يعاني الشعب الإيراني الذي يدفع ثرواته وأبنائه ثمنا ووقودا للهذه الحرب المسعورة.
أما الثمن الأفدح فهو ما يدفعه الشعب السوري دما ودمارا بعد الانخراط السافر والإجرامي لإيران عبر قوات حرسها الثوري وفيلق القدس والميليشيات العراقية واللبنانية لصالح النظام في مواجهة ثورة الشعب التي طالبت بالحرية والكرامة، والتي خشيت منها إيران وخافت على ما أسسته في سوريا من موطئ قدم على مدى سنين طويلة مستغلة حاجة نظام الأسد للمساندة لتثبيت أركانه القائمة على القمع والاستبداد.
وهي ماتزال مستمرة في هذا النهج وتعلن أنها ستكمل ما بدأته حتى آخر لحظة، ولم لا والمعركة بالنسبة لها معركة وجودية ومصيرية، فنظام الملالي يدرك جيدا أنه نظام طفيلي خارج نسق التاريخ ومناف للواقع الحضاري والإنساني ومتعارض معهما، ويدرك جيدا أن السبيل الوحيد لبقائه واستمراره في شغل الآخرين عنه بحروب وصراعات داخلية، وشغل الرأي العام الإيراني بالحروب المقدسة التي يشنها انتقاما لرموز عقيدته ممن يدنسونها أو يتعدون عليها حتى وإن كلفه ذلك أرواح الآلاف واستنزف لأجله الثروات الطائلة وقضى على مستقبل جيل أو أكثر.
درغام هنيدي – تيار الغد السوري