معروف في علم الطب أن هناك شيئا اسمه “الحمل الكاذب”، وهو حالة تحدث فيها كل أعراض الحمل الحقيقية، وفي حالات يصبح حجم البطن كبيرا بحيث ينخدع الجميع به حتى المرأة التي تحدث معها هذه الحالة، ولكن من خلال الفحص لدى الطبيب تنكشف الحقيقة ويتبين أن الحمل كاذب سببه حالة نفسية تصيب المرأة.
المعارضة السورية التي تشكلت منذ انطلاق الثورة السورية أصيبت بهذه الأعراض مرات عديدة، وفي كل مرة يكتشف الشعب السوري أن الحمل كاذب وكذلك يكتشف المعارضون أن حملهم كان كاذبا بمجرد الفحص والوقوف أمام الواقع، ويكتشفون أنهم مجرد أداة لتلميع مشروع أو تمرير قرار أو دعاية إعلامية، ولكنهم يعودون إلى ارتكاب نفس الخطأ في مرة أخرى على أمل أن يكون الحمل القادم حقيقيا. وليس اعتراف المعارض ميشيل كيلو حين قال “إن الإدارة الأمريكية خدعتنا” سوى لحظة صدق مع نفسه أراد بها تبرير فشل الائتلاف وأطيافه كافة في تقديم أي شيء يخفف من معاناة الشعب السوري ولو قليلا.
استطاعت إدارة أوباما أن تجعل من المعارضة السورية جسما مفرغا من الداخل، واستغلت ضعف الخبرة في التعامل مع الدول، الذي تفتقر إليه هذه المعارضة، فكانوا كلما سمعوا تصريحا من مسؤول أمريكي يتحدث عن إسقاط النظام أو أن أيامه باتت معدودة يسارعون وكانهم في سباق مع الزمن إلى نشر هذا الخبر وتضخيمه، ويتحدثون عن معلومات مؤكدة ومعطيات قوية وتغيرات وشيكة في سياسة الإدارة الأمريكية وكأنهم مجرد وسائل إعلام لنشر الأخبار الأمريكية وترويجها لدى الشعب السوري.
وفي كل مرة على مدى ست سنوات من الثورة كانوا يكتشفون زيف هذه الأمور ويقعون في الفخ مرة أخرى، حتى أنهم أصبحوا مدمنين على هذا الأمر ولم يلاحظوا أن النظام الذي انتهك الخطوط الحمراء كلها التي وضعها الأمريكان، والذي ارتكب الكثير من الانتهاكات الموثقة من قبل منظمات دولية وأمريكية، والذي ضرب بعرض الحائط كل التحذيرات التي أطلقها الأمريكيون له لم يتم معاقبته أبدا أو القيام بأي تحرك ضده.
المعارضة السورية تعاملت مع الإدارة الأمريكية ووعودها كتعاملها مع الشعب السوري الذي أطلقت له وعود الحرية والخلاص وجعلت منه مطية لمشاريعها المختلفة، فالإخوان المسلمون اتخذوا الجانب الديني ولعبوا على هذا الوتر واعتبروا أنفسهم الوريث الشرعي للنظام وبدؤا يعدون العدة من أجل استلام الحكم، وزاد يقينهم بذلك بعد وصول الإخوان في مصر إلى الحكم واستثمروا في مشاريع تدعم وجهة نظرهم وتطلعاتهم وأغدقوا الأموال على من يتبع نهجهم في الداخل، وعملوا على جذب الناس بشتى الوسائل من خلال المساعدات والجمعيات الخيرية والمشاريع التي أطلقوها.
وكذلك بدأت الأطياف الأخرى بتقديم أنفسها وطرح مشاريعها، وظهرت التكتلات الحزبية والتحالفات السياسية، وانتشرت الأبواق الإعلامية لكل نهج ولكل طريقة مطروحة على أنها نظام الحكم الأمثل الذي سوف يحل جميع المشاكل في سوريا ويقضي على ترسبات النظام وآثاره التي يعاني منها المجتمع السوري بكامله.
واستمر الحال على هذا المنوال. الإدارة الأمريكية تطلق التصريحات في كل فترة والمعارضة تتلقفها وتبني عليها وتعطي الأعراض وتقطع الوعود للشعب، واذكر منها كلام معاذ الخطيب حين قال “سنصلي في المسجد الأموي في رمضان”.
وفي كل مرة يتبين بعد فترة أن الأمور ليس كما تخيلت المعارضة أو توقعت، وأن التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأمريكيين أو غيرهم من الأوربيين، وحتى العرب، ليست إلا مجرد خطابات لم يحن موعد تحقيقها.
هذا الأمر أعطى نتيجة كارثية أصابت المعارضة السورية، حيث انعدمت الثقة بين الشعب وبين المعارضة، وحدث انفصام حقيقي بينهما جعل المعارضة السورية تفتقر لأي دعم داخلي، ولم يعد خافيا على أحد أنها أصبحت لاتمثل سوى نفسها وأنها أصبحت منبوذة من الداخل قبل الخارج.
الخبرة الضعيفة وغير المتزنة التي اتسم بها المعارضون السوريون رغم سنيهم الطويلة لم تسعفهم في فهم الأمور بالطريقة الصحيحة، ولم يعلموا أن الأمريكان لايتم التعامل معهم على أساس أنهم سيحققون مانريد منهم لمجرد أننا نريد الحرية والديمقراطية.. قد ترغب أمريكا بالتغيير في سوريا، ولكن التغيير الذي يخدم مصالحها ويحفظ ديمومة الوضع الذي كان قائما ويحافظ على التوازنات الموجودة، ولن تسمح بأي خلل بها، وليس من الضروري أن يرى الأمريكان أن نظام الحكم الديمقراطي هو نظام الحكم الأمثل لسوريا، قد يقبل الأمريكيون بنظام نصف ديمقراطي، وهذا الأمر لم تدركه المعارضة السورية، بل أكثر من ذلك أنها رفضت في مراحل معينة تنفيذ المطالب الأمريكية، واتجهت نحو جهات إقليمية ظننا منها أنها تستطيع أن تحل محل الإدارة الأمريكية في الدعم والغطاء السياسي وفاتهم أن الجميع في هذه المنطقة يدور في الفلك الأمريكي، ولكن لكل منهم أسلوب يتم توجيهه به من واشنطن.
الوحيد الذي كان يعلم أن الأمريكان لم يجدوا البديل المناسب للنظام هو النظام نفسه، لذلك استطاع التصرف بكامل الحرية هو وحلفاؤه، ومارس القتل والتدمير وتخطى كل المحرمات لأنه يدرك أن ساعة الحقيقة لم تحن بعد، وقد لاتحين طالما أن المعارضة مستمرة على نهجها الحالي.
في النهاية يجب أن ندرك أن الواقع شيء والحلم والأمنيات شيء آخر، وأن أي حركة غير محسوبة قد تعود بنتائج عكسية تكون لها إرهاصات على المدى البعيد تؤثر في مسار وحركة الثورة السورية التي تدخل حاليا في مرحلة جديدة مع اقتراب دخول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الابيض.
هل سيكون هناك حمل كاذب؟.. أم أن الادارة القادمة ستقرر أن الحمل حقيقي هذه المرة، وأن الجنين سيرى النور؟.
صدام حسين الجاسر