عن الانتصار العسكري المزعوم

منذ اللحظات الأولى من انتفاضة الحرية والكرامة، لم يتوقف النظام السوري عن الحديث عن انتصار عسكري حاسم، ولم يخطر في باله حتى اللحظة أن الانتصار العسكري على الشعب السوري...
الشيخ أحمد عوينان الجربا تيار الغد السوري

منذ اللحظات الأولى من انتفاضة الحرية والكرامة، لم يتوقف النظام السوري عن الحديث عن انتصار عسكري حاسم، ولم يخطر في باله حتى اللحظة أن الانتصار العسكري على الشعب السوري ليس انتصارا وإنما هزيمة لا بعدها هزيمة، هزيمة وطن وقيم وأخلاق ومستقبل، هذا ما أكدته السنوات حتى الآن، وهذا هو الدرس الذي لم يتعلمه النظام والميليشيات المحكومة بمنطقه، ولا نعتقد إنه سيدركه إلا بعد رحيله ورحيلها، رغم بعض المؤشرات التي تقنعه بالبقاء ولو بعد حين.

في حوار له مع إحدى وسائل إعلامه، يقول بشار الأسد 8/12: “إن من يربح من الناحية العسكرية في دمشق أو حلب يحقق إنجازا سياسيا وعسكريا كبيرا لكونها مدنا مهمة سياسيا واقتصاديا” لا جديد في كلامه، كأن الزمن لم يتغير والزلزال المدمر الذي ضرب في سوريا كان في كوكب آخر أو بلاد بعيدة لا نعرفها. الشخص نفسه والكلمات ذاتها منذ أكثر من خمس سنوات ونيّف، لم يتأثر قيد أنملة بدماء أهل حلب ودمشق وريفها وحمص واللاذقية وطرطوس ودرعا والدير والرقة ولا بالخراب الذي ضرب بأطنابه في طول البلاد وعرضها، ولا يعير اهتماما إلى تحول سوريا إلى أشبه بجثة متقطعة الأوصال تكاد تفتقد إلى الحياة كليا، أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية والنظام ما زال يتحدث عن مسألة “ربح من الناحية العسكرية” فكيف سيكون منطق الميليشيات، سواء المساندة له أو للجهة المقابلة له، الجهادية التي تنطق بنفس الكلمات؟!.

عندما شكلت الهيئة العليا لتمثيل المعارضة السورية في مفاوضات جنيف، في مثل هذه الأيام قبل عام وخرجوا بقائمة من “الخطوط الحمر” البعيدة كل البعد عن الواقعية السياسية والمتناقضة مع مطالب السوريين بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة، ومع بديهيات المجتمع الدولي في التوسط لحل الأزمات والنزاعات، والمصيبة إن المجتمعون في الهيئة المفاوضة  فرضوا شروطهم أن لايحضرون المفاوضات إلا كأصحاب شروط لا كمفاوضين فينسحبون أثناء المفاوضات في مشهد سوريالي لا يليق بمن يتصدى لحمل المسؤوليات، ليعودوا الآن طالبين مفاوضات بدون شروط بعد “خراب البصرة”، وكانت الشروط حينها تشبه كلام  الأسد من حيث الثقة بانتصار عسكري حاسم على الخراب والموت والدمار، متخذين من جبهة النصرة غطاءً وشريكا عسكريا، والتي شرعنوا للعبتها في تغيير اسمها بهزة أخرى لا تليق بمن يتصدى لحمل المسؤوليات على عاتقه، والمصيبة الأخرى أمام الكارثة الوطنية التي ألمت بحلب وأهلها. وبدل من مراجعه نقدية لعمل الهيئة التفاوضية لمدة عام كامل طالعنا المسؤولون عن هذه الهيئة بالمزيد من الاستعراض السياسي والعنتريات الفارغة لتذكرنا بالخطاب الخشبي البعثي للقيادتين القومية والقطرية للحزب القائد للثورة والمجتمع.

إذا فرضنا جدلا وحسب المعطيات الأخيرة في بعض الجبهات “داريا والمعضمية وحمص وحلب أخيرا” أن النظام “يربح” فمن هو الطرف الآخر في المعادلة، يربح/يخسر”؟، حيث الجهاديون يربحون الآخرة وهو الربح العظيم “يشترون الدنيا بالآخرة” فمن الذي يخسر؟. اللوحة واضحة تماما هنا، من يخسر هو السوري، الإنسان السوري الذي يريد الجميع تسجيل انتصار على جثته، على الهولوكست الذي يتعرض له من جميع الأطراف، أو من طرفين باتا واضحي المعالم في أكثر من جبهة، الطرفان الموقنان بأن إلحاق الخسارة العسكرية بمعنى الهزيمة بالطرف الآخر هو الحل الوحيد، يتأتئ النظام بموضوع “المصالحات”، نعم من يريدون إلحاق الخسارة به هو السوري وفقط، وهل من خسارة أكبر من التي تعرض له على يد الجميع ومن الجميع، قتله، تجويعه.

يقول الاسد أيضا: “أعتقد اليوم أن البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب، قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً”. سيتوقف السوري وغيره هنا، غير مندهش من خطاب أبي بكر البغدادي والجولاني والشيشاني أو أشباههم من رؤوس ووكلاء الحرب الإرهابيين، فالجميع يقف على الخشبة نفسها مادحا القتل باسم صفاء العرق، فالحرب بالنسبة لهم هي “حملات تطهير وإبادة” من الآراء والرؤى المختلفة تحت نوازع مابعد فاشية على طريقة الحروب الحديثة والقاتل لا يستطيع إخفاء نفسه.

أحمد الجربا
رئيس تيار الغد السوري

أقسام
الأخبار المميزةرئيس التيار

أخبار متعلقة