قالت لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة والحالية في سوريا أصبحت أداة من أدوات الصراع التي تستخدمها القوى السياسية الموالية للنظام لتحقيق مآرب أخرى.
وأضافت الخطيب، في مقال نشره موقع سي إن إن، إن وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه في سوريا أواخر العام المنصرم قد انهار عمليًا. وأكدت أن ذلك لم يكن ذلك مفاجئًا، إذ لم ينجح أي اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا حتى الآن أن يمتد لفترة كافية لتمهيد الطريق لإجراء محادثات سلام ذات معنى.
وعزت مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت هذا الفشل الذي يرافق اتفاقات وقف إطلاق النار إلى قيام نظام الأسد وحلفائه بإعادة تحديد وتعريف اتفاق وقف إطلاق النار، وليس لأن المعارضة السورية لم تأخذ وقف إطلاق النار على محمل الجد.
وقالت الخطيب “في سوريا، أصبح وقف إطلاق النار أداة أخرى من أدوات الحرب. وهي أدوات لتحقيق مكاسب عسكرية، بيانات سياسية، ولعب ألعاب السلطة”.
وفقًا للكاتبة، تكشف سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا خلال العام الماضي عن نمط محدد. تم الاتفاق على وقف إطلاق النار الأول “الوطني” في شباط/فبراير 2016 من قبل الولايات المتحدة وروسيا، اللتين أعلنا عن “وقف الأعمال العدائية”، والذي سرعان ما تم تبنيه من قبل الأمم المتحدة.
تم استبعاد تنظيم داعش و”جبهة النصرة” في اتفاق شباط/فبراير، واستخدمت روسيا استبعاد تلك الجماعات لتبرير الحملة الجوية المستمرة في سوريا، مشيرة إلى أنها تستهدف الجماعات الإرهابية.
واصلت قوات سوريا الديمقراطية “SDF” أيضًا سيطرتها على المدن التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة بالقرب من الحدود التركية؛ مما أدى بتركيا إلى قصف مواقع قوات الدفاع الذاتي في بلدة اعزاز الحدودية السورية. الجيش السوري، في الوقت نفسه، واصل تنفيذ هجماته على المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في محافظة حلب.
وذكرت الخطيب أن استمرار هذه الأنشطة العسكرية وضع ضغطًا على ممثلي المعارضة السورية السياسيين، الذين وافقوا على المشاركة في محادثات السلام فقط في حال توقف القصف العشوائي ضد المدنيين، وسُمح بتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، وتم إنهاء حصار المدنيين. لم يتم تنفيذ أيٍّ من هذه العناصر الثلاثة بشكل كامل؛ مما أدى إلى تعليق المحادثات.
ورأت أن النمط أعلاه كشف أن النظام السوري وحلفاءه حوّلوا وقف إطلاق النار من أداة للسلام إلى أداة للحرب. وقد استخدم النظام السوري اليوم وقف إطلاق النار، باعتباره فرصة للمضي قدمًا نحو دمشق، كما استخدم وقف إطلاق النار في فبراير (شباط) 2016 لتعزيز حملته في حلب. وقد استفاد النظام من وقف نشاط الجيش السوري الحر لتنسيق تحركات القوات وإجراء خطة الحصار والهجمات.
وتابعت مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت بقولها: إنه إذا كنا سننظر إلى حلب كدليل، فمن المرجح أن وقف إطلاق النار الحالي يهدف إلى تمهيد الطريق للنظام؛ لاستعادة مزيد من الأراضي من قوات المعارضة.
وقد استخدمت روسيا أيضًا وقف إطلاق النار لأغراض مماثلة، حيث قامت روسيا بطريقة انتقائية بوصم الجماعات بالإرهاب. على سبيل المثال: تنظيم “جيش الإسلام”، الذي وصف سابقًا بأنه جماعة إرهابية من قبل روسيا، هو الآن جزء من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة روسيا.
وقف إطلاق النار أصبح أيضًا وسيلة لصياغة البيانات السياسية، فبينما تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار الأول في عام 2016 من قبل الولايات المتحدة وروسيا، فقد تم الإعلان عن الاتفاق الأخير من قبل روسيا وتركيا. ويمكن النظر إلى ذلك باعتباره بمثابة تصريح من روسيا حول الدور الهامشي الذي أصبحت تلعبه الولايات المتحدة في الصراع السوري، بحسب ما ذكرته الكاتبة.
إذعان تركيا، في الوقت نفسه، يشير إلى تحول كبير في موقفها. بعد الاستثمار في محاولة لإسقاط النظام السوري، دفعت الضغوط الروسية على تركيا إلى جانب الدعم الفاتر من الغرب، دفعت أنقرة للتوجه نحو الموقف الروسي حول سوريا، ويبدو أنها قد تخلت عن تغيير النظام كأولوية.
ولكن اتفاقات وقف إطلاق النار هي أيضًا وسيلة للعب ألعاب السلطة، وليس فقط بين المعارضين، ولكن أيضًا بين الحلفاء. فقد ذكرت الخطيب أنه خلال وقف إطلاق النار الأخير، لم يلتزم النظام السوري بتعليمات روسيا للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى بعض مناطق المعارضة.
في اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، يتردد أن النظام يتقدم في الغوطة الشرقية، وهي منطقة يسيطر عليها تنظيم “جيش الإسلام”، الذي من المفترض أن يكون جزءً من اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي حين أنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان القتال في الغوطة الشرقية يتم من قبل النظام، دون موافقة روسيا، فقد أصبح واضحًا من سلسلة الإجراءات التي تتم على أرض الواقع خلال الاتفاق الحالي والسابق لوقف إطلاق النار أن روسيا والنظام السوري باتا رهينة لبعضهما البعض.
من جانبٍ، أصبحت روسيا غير قادرة على توجيه الحكومة السورية بشكل كامل، في حين أن الحكومة السورية غير قادرة على تحقيق كامل أهدافها دون مساندة روسيا.
وبحسب تفسير الكاتبة، كل ما يعنيه هذا هو أن وقف إطلاق النار في سوريا لا يجب أن يؤخذ على علاته. على الرغم من أن روسيا كانت المحرك الرئيس وراء وقف إطلاق النار الأخير، قائلة “إن نجاحه سيمهد الطريق لمحادثات السلام في أستانا في شهر واحد، فإن سلوك النظام على أرض الواقع، لم ينحرف عن سيناريوهات وقف إطلاق النار السابقة، حيث كان النظام غير جاد في مفاوضات السلام”.
وأخيرًا قالت الكاتبة “إن وقف إطلاق النار أصبح أداة أخرى يمكن من خلالها أن يظهر النظام وروسيا وكأنهما يسعيان لإنهاء النزاع السوري من خلال أدوات الجيش، وليس السياسة، ولكن حتى إذا ما تحقق هذا، فسيتم تحديد الفصل التالي بالطريقة التي يدير بها النظام وحلفاؤه صراعاتهما الداخلية”.