حافظ الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني المعارض، ورئيس “تيار الغد السوري”، أحمد الجربا، على علاقات متوازنة مع أغلب الأطراف الإقليمية والدولية والعربية الضالعة في القضية السورية منذ توليه رئاسة الائتلاف في 2013، وبالرغم من أنه كان مقربا من المملكة العربية السعودية ساعة توليه رئاسة الائتلاف إلا أنه أقام علاقات جيدة مع تركيا التي كانت على خلاف مع السعودية آنذاك، وربما كانت فترة رئاسته من الفترات الذهبية للائتلاف من ناحية العلاقات الدولية، والاهتمام بالقضية السورية، والمعارضة السورية.
إلى جانب، علاقاته الإقليمية مع تركيا والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، أقام الجربا علاقات قوية مع الولايات المتحدة، حيث كان على علاقات متميزة مع الأمريكيين في الكونغرس والبنتاغون، وهي علاقات استمرت حتى بعد نهاية رئاسته للائتلاف، وفي ذات الوقت تمتع بعلاقات جيدة مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بالإضافة إلى علاقته القوية ببريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
العلاقات الوثيقة مع دول أصدقاء الشعب السوري لم تمنع الجربا من إحداث خروقات سياسية في محور نظام الأسد، حيث كان أول وفد من المعارضة السورية إلى الصين برئاسته، كما قام بعدة زيارات إلى موسكو وربطته صداقة مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي ما انفك عن التواصل المستمر معه.
العلاقات الدولية الصلبة التي أقامها الجربا مع المحيطين الإقليمي والدولي كانت ترتكز بالفعل على ثوابت داخلية، حيث تميز الجربا بعلاقات متنوعة داخل سوريا، ونقلت وكالة “رويترز” عن الكولونيل جون دوريان، الناطق باسم عملية “العزم الصلب” التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا والعراق ضد “داعش”، بأنه وصف الجربا أنه “شخصية مؤثرة في المنطقة ولديه القدرة على تعبئة القوات المحلية لدعم الهجوم”، وقال إن “قوات النخبة” التي يقودها الجربا، “إحدى القوى البارزة” في الحرب على “داعش”.
وساهم انتماء الجربا إلى المنطقة الشرقية من سوريا، وعلاقاته القوية مع مختلف القوى الكردية، في تعزيز قدرته على أن يشكل ضبطاً للعلاقات الكردية العربية، ولا يخفى على أحد أن أحمد الجربا ومجموعته داخل الائتلاف الوطني، هي من قامت بإدخال المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف، كما أنه أقام اتفاقيات واسعة مع حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، ووقع معه على الميثاق الوطني السوري وخارطة الطريق في مؤتمر القاهرة، غير أن التجاذبات الإقليمية كانت أكبر من أن يمكن ضبطها، وربما كانت هذه التجذابات سببا في تراجع علاقاته مع تركيا التي رفضت أي علاقة مع حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، فيما اعتبر الجربا أنه من واجب السوريين أن يحافظوا على خطوط التواصل فيما بينهم، لضمان وحدة سوريا وسلامة شعبها وأرضها.
وفي هذا السياق، عمل الجربا على تأسيس قوة عربية يكون لها دور فعال في محاربة تنظيم “داعش” في الرقة، وإدارة المنطقة بعد ذلك، ووقع في أيلول/سبتمبر الماضي، اتفاقاً مع “الاتحاد الديمقراطي الكردي”، الطرف الرئيسي في “قوات سوريا الديمقراطية” التي تقاتل “داعش” شمال سوريا وشمالها الشرقي، وتضمن الاتفاق الموافقة على ضرورة توفير غطاء عربي لحل القضية السورية.
وأجرى الجربا سلسلة محادثات مع مسؤولين في وزارة الدفاع، والمبعوث الأمريكي للتحالف الدولي لمحاربة “داعش” بريت ماكغروك، في كانون الأول/ديسمبر، ووقع اتفاقاً آخر مع الجيش الأمريكي في أربيل في كردستان العراق، تضمن التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة “داعش” في سوريا، وتدريب مقاتلي “قوات النخبة” في معسكرات في سوريا، وتوفير الذخيرة والأسلحة لهم خلال معاركهم ضد التنظيم.
وأكد الجربا في تصريحات صحفية، أن “قوات النخبة” تقاتل جنباً الى جنب مع “قوات سوريا الديمقراطية” في المرحلة الثالثة من عزل الرقة التي بدأت مؤخراً، وأن “هناك برنامج مع التحالف وسنكون حاضرين بقوة في هذه المعركة، ونحن في طور التجهيز لتحرير الرقة في الأشهر المقبلة بالاشتراك والتنسيق مع “قوات سوريا الديمقراطية” وتطهير بلادنا من هذا السرطان الإرهابي الذي هو داعش”.
وأوضح الجربا، “نريد أن يكون هناك طرف عربي غير منضوٍ بالكامل تحت “قوات سوريا الديمقراطية”، لكن ليس على عداء معها ويملك علاقات جيدة مع جميع الأطراف ومعادٍ لـ”داعش”، لذلك بات لـ”قوات النخبة” دور مميز في تحرير الرقة. في الأصل، يجب أن يحرر أهالي كل المنطقة منطقتهم من “داعش”، لا يجوز لـ”حزب الله” و”الحشد الشعبي” أن يحرروا مناطق العرب “السنة”، لأن القيام بهذه الأمور يخلق مشاكل فورية، لذلك، إن “قوات النخبة” والقوات العربية في “قوات سوريا الديمقراطية”، هم الذين سيدخلون الرقة في حال تحريرها، لسحب الذرائع التي تقول أن الأكراد سيدخلون مدناً وبلدات عربية”.
وتضم “قوات النخبة” حوالي 3 آلاف مقاتلاً من أبناء محافظات الحسكة ودير الزور والرقة في شمال شرقي سوريا، الذين ساهموا في طرد قوات الأسد من هذه المناطق في عامي 2011 و2012 بعد اندلاع الثورة السورية.
وبعد ذلك ركزت هذه القوات على محاربة التنظيمات المتشددة، إلى أن اكتسح تنظيم “داعش” المنطقة عام 2014، معتمداً على العتاد العسكري الكبير الذي استولى عليه في معاركه ضد الجيش العراقي، وأشار الجربا إلى أن مقاتليه بدأوا الحرب على “داعش” مبكراً وأسقطوا ذات مرة طائرة استطلاع وسلموها الى الأمريكيين الموجودين شرق سوريا، ورأى الجربا أن موافقة الأمريكيين على توقيع الاتفاق مع “قوات النخبة” بداية جيدة، على أمل أن تكون “استراتيجية جديدة” لمحاربة “داعش”.
وفي معرضه حديثة عن أن الحل في سوريا يجب أن يفرض بتفاهم أمريكي – روسي – إقليمي ويكون مقبولاً من الشعب السوري ويلبي طموحاته، رحب الجربا بتوجه ترامب لرأب الخلافات مع روسيا وتعهده بالتعاون معها في محاربة “داعش”، وتوقع بدء الحل السياسي بعد القضاء على الإرهاب، ورأى أنه لا جدوى من فتح أقنية مع النظام، وأوضح “هم يريدون فتح أقنية مع المعارضين لأن هذا يخدمهم، لكن ليس من مصلحتنا. مصلحتنا وجود دولي – أمريكي – روسي – إقليمي، بوجود السوريين.
وأشار الجربا إلى تغيير موقف تركيا التي كانت رأس حربة في محاربة النظام، وقال إنها غيرت موقفها وباتت تركز على محاربة “داعش”، وهذا تغيير كبير يجب أن نأخذه بالاعتبار إذ “لم يبق أمامنا سوى الحديث مع الأمريكيين والروس لإنجاز حل سياسي حقيقي ومتوازن، يحفظ كرامة الناس التي هجرت ويحقق تطلعات الشعب، أما الحديث عن حل وإعادة انتخاب الأسد، فهذا ليس حلاً لأنه لن ينهي القصة”.