تهافتت وفود المعارضة السورية إلى جنيف قادمة من عواصم الدول التي تقيم بها وهي تحمل في حقائبها الكثير من الملابس لأنها لم تعد تمتلك سواها وسوى الخلافات التي عصفت بطريقة تمثيل المعارضة في وفد واحد يستطيع أن يقنع العالم أنها متماسكة في أدنى المستويات.
هذه كانت نقطة الضعف الأولى التي كانت لصالح النظام الذي جاء بوفد واحد وأجندة محددة كي يناقشها وبطريقة فجة لأنه يعلم تمام العلم أن الدول الكبرى لاتزال تمنحه الوقت كي يستمر في ممارسة طغيانه وتدميره لسوريا ريثما تنتهي هذه الدول من وضع لمساتها على اللوحة السورية.
أما المعارضة السورية فهي في حالة يرثى لها من الترهل والتمزق المقصود الذي أوصلتهم إليه قلة الخبرة في التعامل السياسي مع الدول ومع تقدير المصالح الدولية وتوازناتها ومعرفة دور كل دولة في مرحلة الأزمة السورية، أضف إلى ذلك تغول بعض الاتجاهات على جزء مهم من مكونات المعارضة ورغبتهم في البقاء في الواجهة خوفا من أن يصبحوا جزءا منسيا في حال ابتعادهم عن واجهة الأحداث.
ماذا حقق مؤتمر جنيف للآن؟
من المفارقات المضحكة أن يعلن استيفان دي ميستورا أن وفد المعارضة ووفد النظام قد وافقا على الالتقاء وجها لوجه!! هل أصبح هذا الأمر يعد إنجازا في عملية التفاوض؟ أم أنه يعلم أن جنيف هو مجرد مسرحية يتم عرضها من أجل إشغال الرأي العام عن الكواليس التي يتم فيها ترتيب الأمور بشكل محكم.
إن كان لقاء الوفدين إنجازا يصرح به دي ميستورا فما هو الفشل إذا؟ علينا أن ننظر بواقعية وبنظرة متجردة إلى هذه المرحلة التي تمر فيها المنطقة بشكل عام كي ندرك أن الموازين الحقيقية للقوى لم تتغير بشكل جذري ولكن دخلت مرحلة التنظيم ورسم النفوذ الدولي والخصخصة، وأصبح من اللازم أن يكون لها غطاء سياسي من أهل البيت السوري ومن كلا الجانبين النظام والمعارضة في نفس الوقت.
لقد ذهب الطرفان إلى جنيف كي يكونا شاهدين على مرحلة جديدة تدخل بها سوريا هذه المرحلة التي انعكست على الأرض في التكتلات التي تم إفرازها في الشمال السوري والتحركات في الجنوب والتحركات الإسرائيلية التي أصبحت تتململ من الوجود الإيراني على حدودها والتي أصبحت ترى في إخراج إيران وأذرعها العاملة من المعادلة السورية أمرا ضروريا يجب البدء فيه على الفور.
المعارضة السورية ذهبت ولم تعرف لماذا هي ذاهبة، ولم يكن لديها فكرة عن سبب ذهابها، ولكنها تحمل عناوين حفظتها عن ظهر قلب وأهمها عملية الانتقال السياسي!!.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بوجه هذه المعارضة.. إن لم تستطيعوا الاتفاق على وفد واحد من عدة أشخاص في مؤتمر جنيف فكيف يمكنكم الاتفاق على هيئة تنفذ عملية الانتقال السياسي في سوريا؟ ولنفرض جدلا أن المؤتمر قد خرج بقرار البدء بعملية الانتقال السياسي، وتم الطلب منكم أن تتقدموا وتشكلوا هيئة الحكم الانتقالية فكيف ستفعلون ذلك؟.. وهل سيتم إقصاء أطياف المعارضة التي لاتدور في فلك هيئة التفاوض؟.. وكيف سيكون شكل هيئة الحكم الانتقالي إن كنتم ترفضون الجلوس مع بعضكم؟.
إنها المهزلة التي تعيشها المعارضة السورية بعد أن عجزت عقولها عن استيعاب اللعبة في سوريا، فقامت بتسليم كل أوراقها إلى من يستضيفها ووضعت كل مقاليدها في أيدي الدول التي تدعمها.
يبدو أن الملابس التي سيرتديها أعضاء الوفد المعارض هي الشيء الوحيد الذي يمكنهم أن يتخذوا قرارا مستقلا فيه، ونوعية الطعام الذي سيتناولونه على الإفطار.. إنها حالة الجمود التي تعاني منها هذه المعارضة التي فقدت حيويتها وفقدت مصداقيتها أمام الشعب السوري، وللأسف إنها لم تكتفي بهذا الأمر؛ بل سعت لضرب كل الأطياف الأخرى من المعارضة، وذلك خوفا من تصبح هي الممثل الحقيقي والعقلاني الذي يمكن التحاور معه والاتفاق معه على بدء عملية سياسية حقيقية في سوريا لاتستثني أحدا.
في النهاية لقد كانت هذه المسرحية سيئة العرض والإخراج، ولم تستطع حتى استقطاب المشاهدين، وظهر الممثلون فيها وكأنهم مجرد كومبارسات يؤدون أدوارا ثانوية في مسرح من الدرجة الثالثة.
صدام حسن الجاسر