تستضيف المملكة الأردنية الهاشمية القمة العربية أواخر آذار/مارس الحالي، وسط بيئة عربية تشهد حروبًا وصراعات ومجازر وتشريداً وأزمات عديدة، من الصومال واليمن وليبيا والعراق وسوريا إلى هجمة الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين. أما البيئة العالمية، فتشهد تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بعيد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، ما زاد التوترات بعد تصريحاته المتعلقة بتأييد الاستيطان ونقل السفارة الأمريكية من إلى القدس والتخلي عن حل الدولتين.
الأردن، إحدى الدول الست التي أسست جامعة الدول العربية، تؤكد حرصها الدائم على العمل العربي المشترك والدفاع عن قضايا الأمة العربية وحل الأزمات العربية. وكانت دورية القمة العربية انطلقت من عمّان في آذار/مارس 2001. وترى الأردن أهمية إعادة الزخم إلى القضايا العربية وتسعى إلى أن تركز القمة على القضية الفلسطينية والقدس، إلى جانب قضايا إقليمية ملحة.
وعلى الرغم من أننا نرى بعض الحلحلة في الملف السوري بعد لقاءات أستانة وجنيف، إلا أن الأزمة السورية تبقى معقدة ودامية. ولا يعول الكثير على تلك اللقاءات نظرًا إلى اتساع الهوة بين مواقف النظام وداعميه في طهران وموسكو وبين المعارضة وحلفائها.
السؤال الكبير: هل يخرج المؤتمر بقرار يحقن الدماء في سوريا ويحث على الانتقال السياسي بحسب قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وجنيف واحد؟.
إذا نجح مؤتمر القمة في إيقاف آلة المجازر لفتح المجال أمام انتقال سياسي هادئ فسيعتبر ناجحًا.
ولا شك في أن مؤتمر القمة في العاصمة الأردنية سيشهد حضورًا كبيرًا من القادة العرب، خلافًا لمؤتمر موريتانيا في العام الماضي، وحضره أقل من ثلث القادة العرب، ولم يسفر عن أي قرارات مهمة. وكلاعب محوري في المنطقة والعالم، يلعب الأردن دورًا إيجابيًا في تقريب وجهات النظر المختلفة، كما أن القادة العرب يريدون سماع ما دار من حديث بين الادارة الأمريكية الجديدة والعاهل الأردني، الذي كان أول زعيم عربي يلتقي الرئيس الأمريكي الجديد في شباط/فبراير الماضي.
يواجه المؤتمر تحديات ضخمة، هي التحديات التي تواجهها المنطقة بأسرها، من الإرهاب الداعشي مرورًا بالتهديدات الإيرانية والإسرائيلية للسلم والاستقرار في المنطقة، حتى الحروب في سوريا والعراق وليبيا.
من المتوقع بلورة استراتيجيات لحماية الأمن القومي العربي من التهديدات الخارجية. وندرك من مواقف ترامب وقبله أوباما أنه لا يمكن الاعتماد على حليف غير موثوق متقلب ومتخبط، فأمن العرب بيدهم وليس في واشنطن أو موسكو، وإزالة التوترات العربية وحل الصراعات القائمة تبقى في أيدٍ عربية، كما أن حل الأزمات لا يحدث من موسكو أو واشنطن بل بسواعد العرب أنفسهم. وهنا، تقع على الديبلوماسية الأردنية مسؤوولية ضخمة لانجاح المؤتمر والخروج بنتائج يستطيع المواطن العربي أن يلمسها.
تعود بنا الذاكرة إلى مؤتمر آخر مهم عقد في الأردن في تشرين الثاني/نوفمبر 1987، ترأسه الملك الراحل حسين بن طلال، وتم فيه اتخاذ قرارات مهمة، منها إنهاء المقاطعة العربية لمصر بسبب توقيعها الأحادي لمعاهدة سلام مع إسرائيل، ودعم العراق في حربه مع إيران. لهذا، يتطلع المراقبون باهتمام إلى قمّة عمّان ليشهدوا كيف ستتعامل الأردن مع الانقسام العربي والنزاعات المذهبية والتهديد الإيراني وعملية السلام الجامدة بين إسرائيل والفلسطينيين والملفات الساخنة الأخرى في العراق وسوريا وليبيا.
بالنسبة إلى سوريا، يبقى المقعد السوري معلقًا ولا يوجد تأكيد أو نفي لحضور رئيس النظام السوري بشار الأسد المؤتمر. ومن المرجح أن لا يحضر بسبب رفض بعض القادة العرب الجلوس معه في القاعة نفسها.
وهناك أيضا التوتر السعودي المصري بسبب مواقف مصر من بعض القضايا الإقليمية، ومن قضية جزيرتي تيران وصنافير. لكن الأردن يتمتع بعلاقات حسنة مع الطرفين، ويتوقع مراقبون أن يحاول العاهل الأردني تحقيق المصالحة بين الطرفين. كما أن التوترات العربية العربية تمتد إلى السودان والنزاعات مع مصر بشأن حلايب، ثم النزاع الجزائري المغربي المتعلق بالصحراء الغربية والبوليساريو، وخلافات أخرى.
فعلى القمة العربية أن تبحث التعاون والتنسيق العربي والعمل المشترك لإنقاذ هذه الأمة من المخاطر الكارثية التي تهددها، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وثقافيًا.
إلى ذلك، صار معروفًا اليوم أن مكافحة الارهاب ليست عسكرية فحسب، بل يرافقها مكافحة التطرف والغلو والإجرام تحت غطاءات دينية ومذهبية. كما يتعين على المؤتمر أن يوجه تحذيرًا إلى إيران من مغبة الاستمرار في التدخل في شؤون العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، والكف عن توجيه التهديدات العلنية والمبطنة للسعودية ودول الخليج.
تاريخيًا، نعرف أن سجل القمم العربية لم يكن حافلاً بالإنجازات، بل بتسليط الضوء على الانقسامات والنزاعات. لكن، كون الأردن دولة معتدلة المواقف ترفض المذهبية والتخندق خلف متاريس أيديولوجية بالية، ولا ترفع شعارات ثورية فارغة لاستهلاك عواطف الساذجين، فربما يكون ذلك عاملًا إيجابيًا في إنجاح المؤتمر.
فالعاهل الأردني زعيم عربي واع، وليس أسير ثقافة حزبية عمياء أو طغموية تسلطية بغضاء. فهو رجل براغماتي عقلاني وناشط ديبلوماسي بارع يتمتع بالحكمة وبالقراءة الدقيقة للمتغيرات الاستراتيجية، تثمن عواصم القرار الغربية من لندن إلى واشنطن رأيه. وقد نرى ترجمة لهذه المقدرات في المؤتمر.
تبقى الأردن وطن كل العرب ومعهم الشعوب التي تطالب وتناضل من أجل الحرية والكرامة، وستبقى الأردن رغمًا عن مناكفات الحاقدين والمارقين والمتآمرين الإقليميين ومن يقفون خلفهم واحة الأمن والاستقرار في المنطقة. فهي تقف صامدة وقوية ضد الإرهاب والتطرف وسياسات تهويد القدس وفلسطين، وتبقى القضية الفلسطينية على رأس الأجندة الأردنية.