الاستراتيجية الأمريكية المقترحة لمحاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي

أوضح المسؤولون في إدارة دونالد ترامب منذ المراحل المبكرة من رئاسة أن أولويتهم الكبرى تتمثل بمكافحة الإيديولوجية التي تحرّك جماعات مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة. ومن الواضح أنه سيتم التخلي...
دونالد ترامب يوقع على مراسيم جديدة المكتب البيضاوي

أوضح المسؤولون في إدارة دونالد ترامب منذ المراحل المبكرة من رئاسة أن أولويتهم الكبرى تتمثل بمكافحة الإيديولوجية التي تحرّك جماعات مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة. ومن الواضح أنه سيتم التخلي عن بعض “الكياسة السياسية” التي انتشرت في السنوات القليلة الماضية، مثل عدم الارتياح من التحدث عن أعمال الإرهاب الجهادي أو التطرف الإسلامي، وذلك على حساب لغة جريئة تصرّح بأن الإسلام السياسي -وهو عقيدة سياسية متطرفة منفصلة عن الإسلام كدين- هو الفكر المتطرف الذي يشكل التهديد الأكثر تحدياً على أمن الولايات المتحدة.

وبالفعل، ظهرت تقارير تفيد بأن الإدارة الأمريكية تفكر في الاستغناء عن استعمال مصطلح “مكافحة/مواجهة التطرف المتطرف” والاستعاضة عنه بـ “مكافحة/مواجهة التطرف الإسلامي” أو “مكافحة/مواجهة التطرف الإسلامي الراديكالي”.

ويقيناً، أن التطرف الإسلامي يشكل تهديداً مباشراً على الأمن القومي الأمريكي، إلا أنه يجب على أي جهود جدية وفعالة لمكافحة الإيديولوجية المتطرفة التي تدفع جماعات مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة أن تكون جزءاً من استراتيجية أوسع لمنع المجموعة الكاملة من الإيديولوجيات المتطرفة ومكافحتها -الإسلامية وغيرها- التي تشكل تهديدات أمنية للولايات المتحدة. والسبب ليس إيديولوجياً، بل عملياً وممنهجاً ويتعلق بكيفية تبلور الحوكمة الرشيدة والسلامة العامة على أرض الواقع في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء أمريكا. فهذه المجتمعات تعتبر خط الدفاع الأول لدى الولايات المتحدة بوجه التطرف العنيف، ولذلك فإن تمكين هذه المجتمعات وتحفيزها على الانخراط بشكل أكثر نشاطاً في هذا المجال يصب في خدمة المصلحة المحلية والوطنية.

ومع ذلك، إنه لأمر يدعو إلى التفاؤل أن تكون الإدارة الأمريكية قد صبّت تركيزها منذ البدء على مكافحة التطرف العنيف. فمواجهة التطرف العنيف (أو مواجهة التطرف، كما كان المصطلح يُعرف سابقاً) لم تشكل مسألة ذات أولوية خلال النصف الأول من ولاية أوباما، على الرغم من أن “خطة التنفيذ الوطنية” التي وضعتها إدارة بوش عام 2006 قد شددت، ضمن إحدى  ركائزها، على ضرورة “مكافحة التطرف الإسلامي العنيف” (أو “مكافحة التطرف العنيف” كما كانت تُعرف أثناء إدارة أوباما).

وقد أصدر البيت الأبيض خلال إدارة أوباما في عام 2011، استراتيجية ضعيفة وغير ممولة لمكافحة التطرف العنيف، ولكن “مواجهة التطرف العنيف” لم تصبح أولوية في سياسات الإدارة إلا بعد أن أقدم متطرفون إسلاميون محليون مستلهمون من فكر تنظيم القاعدة على تنفيذ تفجيرات ماراثون بوسطن في عام 2013. وكانت مخاوف الأمن القومي هي ما حفّز استراتيجية مكافحة التطرف العنيف التي ازداد طابعها الأمني على مدى السنوات القليلة الماضية، حتى في الوقت الذي كانت فيه الدراسات الأكاديمية وتقارير الحكومة الأمريكية تؤكد على الحاجة إلى أن تصبح مكافحة التطرف العنيف حركةً تشمل المجتمع بأسره من أجل تنمية مرونة المجتمعات وقدرتها على ردع أي تطرف، إسلامياً كان أم غيره، وتحصين نفسها ضد الإيديولوجيات المتطرفة.

وبالفعل انطلق “مكتب التحقيقات الفيدرالية” من حاجته اليائسة إلى أدوات كفيلة بالتعامل مع هذه المشكلة دون الاضطرار إلى تنفيذ الاعتقالات، ورؤيته الحاجة إلى المزيد من المشاركة المحلية بعد أن عجزت وكالات الخدمة المحلية أو المنظمات المجتمعية في تحقيقه بالدرجة اللازمة، فأصدرت في عام 2016 مبادرة تحت عنوان “لجان المسؤولية المشتركة”، إلا أنها لم تدم طويلاً. وعلى الرغم من شوائب هذه المبادرة وسرعة انحلالها، إلا أنها تبين أهمية قيام قوى إنفاذ القانون بإيجاد الطرق المناسبة للعمل بشراكة مع المجتمعات المحلية.

وانطلاقاً من سعي كتاب هذا البحث إلى حلٍّ يضم المجتمع بأسره فقط، تفضّل هذه المجموعة الدراسية مصطلح “منع ومكافحة التطرف العنيف” كونه يغطي كامل الأنشطة الضرورية لإنجاز العمل المطلوب. إذ ينبغي لأي خطة شاملة لمكافحة الراديكالية الإسلامية وغيرها من أشكال التطرف أن تشمل تدابير وقائية تهدف إلى منع الراديكالية من التفشي داخل المجتمعات بالدرجة الأولى، فضلاً عن اتخاذ تدابير تهدف إلى مواجهة عملية التطرف التي تؤثر على الأفراد عندما تحدث. وتركز الإجراءات الأولى على المجتمع والثانية على الأفراد. ويسمح التمييز بين هذه التدابير تطبيق نموذجٍ للصحة العامة بصورة بديهية على عملية الوقاية التي يقودها المجتمع بينما تتم المحافظة على قدرة الربط بين قوى إنفاذ القانون ومنظمات الخدمات المجتمعية عندما يتعلق الأمر بالتدخّل. وبالتالي، يمكن رفع الطابع الأمني إلى حدٍّ كبير عن الجهود الأوسع التي يبذلها المجتمع، فيما يبقى بالإمكان تسيير الجهود المبذولة لإخراج الأفراد الذين يسيرون بالفعل على الطريق المؤدي إلى التطرف بطريقة تسمح بضمان الحقوق المشروعة للصحة العامة ومجتمعات إنفاذ القانون على حدٍّ سواء. ويسمح ذلك أيضاً لوجود تمييز أكثر وضوحاً بين تلك المرتبطة بمنع ومكافحة التطرف العنيف وتلك المخصصة لمنع ومكافحة التطرف العنيف.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيفية إنشاء هيكلية لمنع ومكافحة التطرف العنيف تقوم على توازن فعال ومعالجة متساوية بين مخاوف كل من الأمن القومي والتماسك المجتمعي، وبناء الثقة بين كافة الأطراف المعنية، ومواجهة كافة أشكال التطرف العنيف التي تهدد المجتمعات المحلية في جميع أنحاء أمريكا، وتتمتع بقابلية ممنهجة للاستدامة والتوسع. وعلى حد قول مفوض شرطة بوسطن السابق إدوارد إف. ديفيس الثالث، “تدعو اليوم الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إنشاء علاقة بين شركاء إنفاذ القانون والأطراف المعنية وأفراد المجتمع لمنع وقوع هجمات”.

وفي هذا الإطار، تقترح هذه المجموعة الدراسية بضعة مبادئ توجيهية لتحقيق هذه الأهداف:
– اعتماد مصطلح “مكافحة التطرف العنيف” لتغطية كامل الأعمال الهادفة إلى منع ومكافحة التطرف العنيف، وتفسير الرابط بين منع ومكافحة التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب. وتستوجب مكافحة الإرهاب جهود تكتيكية لإحباط الهجمات وجهود استراتيجية لمكافحة الراديكالية المتطرفة التي تغذي الكراهية والعنف وتدعّم استراتيجيته وجاذبيته العالمية.

أما آلية منع ومكافحة التطرف العنيف فلا تعتبر أداةً لمكافحة الإرهاب بل خياراً متوازياً ومكمّلاً في السياسات التي تتعامل مع الأنشطة المقلقة -ولكن ليس غير القانونية- التي تقع ما قبل الجريمة. ويمكنها أيضاً أن تلعب دوراً هاماً في مرحلة ما بعد الجريمة حيث تتم إعادة التأهيل والدمج في المجتمع. كما أن جهود منع ومكافحة التطرف العنيف تقلص عدد الأشخاص الذين يحتمل تجنيدهم لأعمال إرهابية عبر طيف الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة. وبنفس القدر من الأهمية، فهي تعزز التماسك المجتمعي، ولا تعارضه، خلال معالجة مخاوف الأمن القومي.

– إعطاء مصطلح “منع ومكافحة التطرف العنيف” تعريفاً يوضح المسائل المرتبطة بها وتلك المخصصة لها. فحتى اليوم، كان لمصطلح “مكافحة التطرف العنيف” تعريف واسع إلى درجة أنه قد يغطي أي شي، من بناء ملاعب في الأحياء “المعرضة للخطر” مروراً بإدارة برامج تَدَخُّل مصممة وفقاً للمنطقة المحلية وموجهة للأشخاص المنجذبين نحو الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة، وصولاً إلى إعادة تأهيل الأشخاص المدانين بجرائم إرهابية أو المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين إلى الوطن الأمريكي. ولذلك من الضروري التفرقة بين أجزاء “منع ومكافحة التطرف العنيف” التي تهدف إلى منع التطرف العنيف وتلك التي تهدف إلى مكافحة التطرف العنيف.

– وضع عملية منع ومكافحة التطرف العنيف ضمن السياق الأكبر المتعلق بتنمية مرونة المجتمع بوجه التطرف العنيف وضمن السلامة العامة وإدارة حالات الطوارئ القائمة، مع إقامة قنوات فعالة وموثوقة بين البرامج المجتمعية وقوى إنفاذ القانون المحلية وعلى مستوى الولاية وتلك الفيدرالية.

– تحديد الأفكار المتطرفة من المذهب الجهادي، مروراً بنزعة الفوقية لدى البيض، وصولاً إلى الحركات العرقية المستمدة من النزعة اليسارية وغيرها – كونها المحرك الرئيسي للراديكالية والتعبئة على ممارسة العنف، مع الإقرار بأن “عوامل الدفع” (المظالم المحلية، والصحة العقلية، والمشاكل الشخصية) و”عوامل الجذب” (القرابة، والأيديولوجية المتطرفة، والخطابات) تلعب دوراً في التطرف والتعبئة على العنف وأن أهميتها النسبية تتفاوت من حالة إلى أخرى. فالاعتداء المسلح الذي نفذه نضال حسن في قاعدة “فورت هود” على سبيل المثال لم يكن “اعتداءً مأساوياً” أو حادثة “عنف في مكان العمل” بل كان اعتداءً إرهابياً مستمداً من إيديولوجية إسلامية متطرفة.

– تقسيم نطاق الجهود المبذولة لمنع ومكافحة التطرف العنيف إلى ثلاث فئات منفصلة تتناول المنع والتدخل وإعادة التأهيل/الدمج. في المرحلة الأولية، تصنَّف جهود تنمية مرونة المجتمعات المحلية بوجه التطرف ضمن فئة منع التطرف العنيف وتكون مرتكزة على مستوى المجتمع. ويشمل ذلك مجموعة واسعة من البرامج والمبادرات التي تكون مرتبطة بوضوح بمكافحة التطرف العنيف وليس مخصصة لها. ومن شأن تطبيق نموذج مشابه لنماذج الصحة العامة أن يكون مفيداً في مجال منع التطرف العنيف، بما في ذلك المقاربة الثلاثية الخطوات المعتمدة في هذا النموذج، ألا وهي: أولاً، منع التعرض في المقام الأول، وثانياً البحث عن إشارات العدوى ما قبل التشخيص السريري، وثالثاً التعامل مع التعرض إذا ومتى حدث. وتنطبق هذه المرحلة الأخيرة بشكل أكبر على الفئة المتوسطة الواسعة في مجال مكافحة التطرف العنيف، وتشمل الجهود المخصصة لمكافحة التطرف العنيف وتركز على مكافحة الراديكالية والتجنيد على المستوى الفردي.

والعنصر الأكثر أهمية هنا هو برامج التدخل المحلية التي تحافظ على تماسك الرابط بقوى إنفاذ القانون ولكن طبيعتها لا تكون أمنية بالكامل. وفي المرحلة النهائية من منع ومكافحة التطرف العنيف، ثمة مجال مهم آخر وهو برامج إعادة التأهيل وإعادة دمج الأفراد الذين توجهوا نحو الراديكالية ويخرجون الآن من السجن أو يعودون من رحلات سفر إلى الخارج ليعاودوا الانخراط في المجتمع. وفي النهاية، لا يمكن فصل جهود منع ومكافحة التطرف على أرض الوطن بالكامل عن الأحداث التي تقع في الخارج. فهزيمة الجماعات الإرهابية الأجنبية وإفلاس عقيدتها هي عنصر قوي في إبطال جاذبية هذه التنظيمات أمام المجندين المحتملين، سواء أكانوا في الخارج أو داخل الولايات المتحدة.

ملخص حرره “ماثيو ليفيت” زميل “فرومر- ويكسلر” ومدير برنامج “ستاين” للاستخبارات ومكافحة الإرهاب – معهد واشنطن
التقرير الأصلي والنسخة الكاملة هنا

أقسام
من الانترنت

أخبار متعلقة