مجاملات دبلوماسية وزيارة على مستوى رئيس الجمهورية الإيرانية لموسكو، لا أعتقد أنها كافية لنفي وجود خلافات بين حليفي الأسد الرئيسيين، والتي ربما يمكن القول إنها بدأت تتحول إلى ما يشبه صراع من نوعٍ خاص، رغم الحفاوة التي استقبلت بها روسيا الرئيس روحاني.
الخلاف بين الدولتين ليس جديدًا، ونشب فعلياً مع التدخل المباشر لسلاح الجو الروسي في ميدان العمليات العسكرية في سوريا، والذي همّش الدور الإيراني إلى حد كبير، ولكن ومنذ أشهر بدأ الخلاف الروسي الإيراني يأخذ منحى جديدًا، من خلال استعراض كل منهما لأهمية دوره في قيادة العمليات وحماية النظام من السقوط، ما يشير إلى أن الخلافات حالياً وصلت إلى مرحلة الصراع بينهما على الأسد كورقة تفاوضية، خاصة وأن المتحكم الأكبر منهما بمصير الأخير سيكون الطرف الأقدر على تحقيق مصالحه ليس في سوريا فحسب، وإنما في المنطقة ككل، لاسيما في العراق ولبنان واليمن بالنسبة لإيران التي بدأت تتحسب لاحتمالية هجوم أمريكي على أذرعها في الدول المذكورة، وفي مصر وليبيا بالنسبة لروسيا الساعية للتمدد العسكري خارج إطار جمهوريات الاتحاد السوفياتي، خاصة فيما إذا كان الحل في سوريا سياسياً قابلاً للمفاوضات وليس عسكرياً.
عملياً هذا الخلاف مكن إيران تحديداً من إدراك أن ورقة الأسد لم تعد قابلة للقسمة على اثنين بالنسبة لروسيا، الأمر الذي قد يكون وراء محاولات طهران خلال الفترة الماضية البحث عن خيارات جديدة في سوريا من بينها محاولة التقارب مع التيار السعودي على سبيل المثال لا الحصر، لا سيما وأن رغبة “الثعلب بوتن” بالتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا بدت تتضح بشكل جلي الأشهر الماضية من خلال منع نشر القوات الإيرانية في حلب والسعي لتشكيل ترويكا جديدة مع أنقرة، بالإضافة إلى انتقال الإدارة الروسية من الدعم الجوي إلى مشروع نشر قوات من الشرطة العسكرية الروسية في المناطق التي خرج منها مقاتلو المعارضة في حمص وحلب، وما يتم تداوله عن نشر قوات غير قتالية في درعا.
أما النقطة الأهم التي أدركتها إيران مؤخراً، أنها بالنسبة لموسكو كانت مجرد أداة في سوريا مكنتها من تجنب تكرار سيناريو حرب أفغانستان والانزالق في مستنقع سوريا، فالميلشيات الإيرانية المحاربة على الأرض السورية كانت عملياً تقاتل نيابة روسيا وليس للحفاظ على المصالح الإيرانية كما كان يعتقد الولي الفقيه، فواقع الحال خلال الأشهر الماضية أشار بوضوح إلى أن إيران هي أكثر الدول الفاعلة في الملف السوري خسارة على الصعيدين “المالي والبشري” وأقلها تحقيقاً للمصالح، فيما تمكنت روسيا من الحصول على امتيازات عسكرية واقتصادية على دماء المقاتلين “الشيعة” في سوريا، في الوقت الذي تحولت فيه طهران من قيادة العمليات العسكرية إلى منفذ للسياسات الروسية.
قد يتسائل هنا البعض، إذا كانت العلاقة بين الحليفين بهذا السوء ففيما كانت الزيارة إذاً؟؟
هذا سؤال طبيعي، ولكن من غير الطبيعي ربط الزيارة بتحسن العلاقات بين الدولتين واعتبارها مؤشراً على نبذ الخلافات بينهما، خاصة وأن محاور الخلاف لا تقتصر فقط على الظفور بالأسد كورقة تفاوضية، وإنما وصلت لتباين الآراء حول مصير الأسد نفسه، ففي حين تميل روسيا لرعاية تسوية سلمية سريعة في سوريا تمكنها من استبدال الأسد بـ”قاديروف سوري جديد” قبل أن تبدأ الإدارة “الترامبية” التقاط أنفاسها بعد حرب الانتخابات، تربط إيران مصالحها ببقاء شخص الأسد في السلطة على أساس أنها مصالح طائفية أكثر من كونها سياسية اقتصادية، وأن أي رئيس بديل في سوريا لن يأتي على الهوا الإيراني حتى وإن جاء بتسوية روسية.
في الواقع هناك نقطتين هامتين لابد من الإشارة لهما هنا، الأولى أنه من الخطأ النظر إلى الخلاف الروسي الإيراني على المدى القصير بعين الإيجابية بالنسبة لأبناء الثورة السورية إلا إذا تطور لاحقاً لصدام غير مباشر كأن تنفذ كل منهما عمليات سرية ضد الآخر، فالمستفيد الأول من هذا الخلاف بشكله الحالي هو الأسد ذاته على الأقل في المرحلة الحالية على اعتبار أن الدولتين قد تزيدا مؤقتاً من دعمهما له كل على حدة للتأكيد على أنها هي الطرف المتحكم في سير الأمور في سوريا. أما النقطة الثانية، فإن من غير الصواب النظر إلى الوضع الروسي في سوريا على أنه في أحسن أحواله، فبالرغم من الامتيازات التي حققتها روسيا في سوريا خلال العام الماضي إلا أنها “ومن وجهة نظر شخصية” لا تزال بعيدة عن موقع القادر على تمرير تسويات على قياسها أو فرض تسوية تتلائم بشكل كلي مع النظرة والمصالح الروسية، لاسيما بعد ما شهدته دمشق خلال الأسابيع الماضية من معارك أظهرت العجز الروسي عن تأمين العاصمة دمشق استناداً إلى الدعم الجوي فقط، بالإضافة إلى أنها أظهرت أيضا قدرة الثوار على قرع أبواب دمشق.
أخيراً باختصار، فإن ما أريد قوله بأن فترة القادمة ربما تحمل معها منعطفاً كبيراً في الثورة السورية يكون عنوانه الأبرز صراع الحلفاء في معسكر الأسد، هذا الصراع الذي لا يمكن التخمين حاليا إلى أي حد سيصل أوالنتائج التي سيفرزها، ولكن ما أستطيع تأكيده أنه أن الصراع سيكون مصيري للروس والإيرانيين على حد سواء، وأنه ليست بزيارة روحاني وحدها تتحسن العلاقات مع روسيا، حتى وإن ابتسم بوتن في وجهه.
حسام يوسف – تيار الغد السوري