خان شيخون حسابات دوليّة بدماء سوريّة

ماذا بعد السارين في خان شيخون؟ لاشيء.. هو جواب غير صادم لتساؤل بديهي..
آثار القصف والدمار في حلب

ماذا بعد السارين في خان شيخون؟؟
لاشيء، هو جواب غير صادم لتساؤل بديهي، فلا تحرك ضد الأسد أياً كان نوعه في مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة على الأقل في المدى المنظور، ولا تحرك عسكري للنظام وحلفائه باتجاه إدلب، ولا ثأر من المعارضة لدماء من استشهدوا، فالمجزرة عملياً قد نامت على الأقل “مؤقتاً” بلحظة دفن شهدائها، رغم أن ما شهدته المدينة يرقى لمستوى جريمة حرب كاملة الأوصاف.

اتفهم كثيراً الاتجاه الذي رجح أن تكون المجزرة بدايةً أو تمهيداً لمعركة إدلب المفترضة، التي سيسعى من خلالها النظام وحلفاؤه السيطرة على المدينة التي تعد أكبر معاقل المعارضة السورية، ولكن فإن تركيز المجزرة على الأهداف المدنية بعيداً عن أي هدف عسكري للثوار “وهو ما عكسته هوية الضحايا الذين جلهم من المدنيين” يحتم وضع فرضياتٍ أخرى للمجزرة والواقفين ورائها وأدوارهم وأهدافهم منها.

قبل الخوض في الفرضيات، لا بد لنا من الدخول مبدأياً من باب المسلمات التي لا يختلف عليها اثنين، والتي تتمحور حول أن المجزرة تمت بأمرٍ روسيٍ وليس مجرد ضوء أخضر، فالعارف بالشأن السوري يدرك أن موسكو تتعامل مع الأسد منذ التدخل الروسي المباشر في سوريا قبل أكثر من عامٍ ونصف كمجرد موظف في البعثة الدبلوماسية الروسية التي تمسك اليوم وبإشرافٍ مباشرٍ من وزارةِ الدفاع الروسية بمفاصل الأمور في سوريا، ما يضع نفي الحكومة الروسية لعلمها ودورها بالمجزرة التي استهدفت خان شيحون ضمن إطار السذاجة السياسية.

هنا لا أنفي دوراً للأسد بالمجرزة ولا أبرء ساحته أيضاً، ولكن ما أود قوله أن المجزرة تمت لمصالحٍ روسيةٍ مباشرة بعيداً عن موقفها من بشار الأسد وبقائه في السلطة أو دعم تمسكه بالحكم، وبالتالي من الخطأ اعتبار ارتكبها مؤشراً على تمسك بوتن بنظام الأسد، الأمر الذي يحتم توصيف الجريمة بشكل دقيق يوضح أن الأسد لعب في المجرزة دور القاتل المأجور لصالح روسيا.

أكثر ما يمكن توقعه لدرجة تقترب من اليقين أن هدف روسيا من المجزرة بعيداً تماماً عن إطار الرد على أحداث سان بطربيرغ، وأنه يكمن غالباً في توجيه رسالتين مكتوبتين بدماء السوريين، الأولى لحكومة الرئيس أردوغان التي يبدو أن العلاقة بينها وبين الروس بدأت تميل إلى نهاية شهر العسل والاقترب من العودة إلى خانة  الصراع، خاصة مع الإجراءات الاقتصادية التركية الأخيرة ضد روسيا، ورد الأخيرة باتهام أردوغان بخدعها، إلى جانب زرع قواعد روسيا في مدينة عفرين لمنع تقدم القوات التركية ودرع الفرت باتجاهها، وتدريب خبراء روس للمقاتلين الأكراد.

لماذا يرد بوتن الروسي على التركي أردوغان في خان شيخون السورية؟؟

أيضاً هو من التساؤلات المنطقية حول مجرزة خان شيخون، والجواب هنا مرتبط بهوية الفصائل المسيطرة على إدلب وريفها والتي يعتبر معظمها فصائل مدعومة تركياً، وبالتالي فإن استهداف المنطقة يعني بشكل أو بآخر تهديد للنفوذ التركي في سوريا، وكأن ببوتن يقول لأردوغان بأن ما حققته تركيا في سوريا رهن الاتفاق مع روسيا والخلاف معها يعني خسارة أنقرة لمعركتها في سوريا، وتحديدا معركتها ضد الأكراد.

الرسالة الأخرى التي أرادت روسيا توجيهها، فهي للمعارضة السورية وخاصة المسلحة منها بعد الأحداث التي شهدتها دمشق مؤخراً، والتي تمكن خلالها الثوار من طرق أبواب العاصمة، فحتى وإن جاء الرد الروسي متأخراً وفي مكان بعيد عن غوطة دمشق فإن الروس يبدو أنهم أرادوا القول لثوار شرق دمشق تحديداً أن يتذكروا مجدداً مشاهد المجزرة التي شهدتها الغوطة الشرقية قبل أعوام، بالإضافة إلى القول بأن روسيا لم تستخدم القوة المفرطة بعد في سوريا وأن لديها خيارات عسكرية أكثر عنفاً، وبالتالي وضع الثوار أمام خياري إما المفاوضات أو مواجهة مصير شبيه بخان شيخون إن اتجهوا للخيار العسكري.

هنا لابد من الإشارة إلى أهمية الرسالة الثانية بالنسبة للروس على مبدأ أن الاستعداد للحرب يلغيها، سيما وأن موسكو من الناحية العسكرية ستكون عاجزة فعلياً عن رد أي هجوم كاسح للثوار السوريين ضد دمشق “لأسباب ذكرت في المقال السابق”، وعملياتها ستتركز خارج العاصمة لأسباب لوجستية واستراتيجية وجغرافية.

خلاصة القول، إن روسيا اليوم تتجه فعلياً إلى استعداء الشعب السوري من خلال السياسة البوتينية التي تتصرف مع الأطراف السورية وفقاً لقانون المافيات والعصابات القائم على مبدأ القوة المفرطة والإرهاب المنظم لا منطق الدولة والمؤسسات، ما يفقدها إمكانية طرح نفسها كوسيط مقبول بالنسبة للشعب السوري، وهو الدور الذي اعتقد أنه بات قريباً من المستحيل مع مشاهد مجرزة خان شيخون وضحاياها.

أما الحقيقة المرة التي لم يعد هناك مفر منها، أن المجازر التي ترتكب اليوم في سوريا رغم فظاعتها لم تعد مرتبطة بالموقف من بشار الأسد أو من الثورة السورية، وإنما ترتبط بشكل كلي بالمصالح الدولية بعد أن رمى الأسد سوريا في حضن حلفائه للحفاظ على الكرسي، فيما اتجه عدد من فصائل المعارضة السياسية والعسكرية إلى بيع الولاءات لبعض الدول الإقليمية والغربية مقابل الحصول على الدعم المالي والعسكرية، ما جعل من مناطق سيطرتها مناطق نفوذ لتلك الدول أكثر من كونها مناطق محررة.

لا أساوي هنا بين النظام والمعارضة على الإطلاق، وإنما هي محاولة لوضع اليد على مواطن الخلل بالنسبة للكثير من الفصائل التي أصبحت اليوم مطالبة بأن تكون سورية بحتة تدير بندقيتها باسم الشعب السوري وليس بأوامر الداعمين الذين ضيعوا الثورة تحت شعارات زائفة كان أكبرها “لن نسمح بحماة ثانية” و”أيام الأسد المعدودة”، فبقي الأسد سنوات وحماة تكررت مرات ومرات حتى أصبحت حسابات العالم والمجتمع الدولي تكتب بدماء السوريين وأوجاعهم.

حسام يوسف – تيار الغد السوري

أقسام
مقالات

أخبار متعلقة