لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تندفع إدارة الرئيس دونالد ترامب بهذه السرعة والجديّة إلى قلب الحدث السوري، وذلك بعدما قام النظام بارتكاب مجزرة مشينة وقصف غاز السارين على حي سكني في مدينة خان شيخون.
جاء الرد الأمريكي على استخدام الغاز السارين ضد المدنيين سريعاً وحاسماً ومحدوداً وإنسانياً، وكأنه بالضبط (دفعة على الحساب وليس كل شيء)، واتهمت واشنطن روسيا بأنها فشلت بضمان تدمير كيماوي الأسد، لقد أوصلت الولايات المتحدة رسالة للعالم عبر صواريخ التوماهوك تقول: إن الادارة الأمريكية الجديدة موجودة وقادرة، ليس فقط على الفعل بل وعلى الحسم أيضاً. وكأنها تعيد التفاوض مع الروس حول الملف السوري إلى نقطة الصفر. وكان اجتماع الدول السبع في إيطاليا بالإضافة إلى السعودية وتركيا وقطر والأردن والإمارات بداية شهر نيسان الجاري بعيد الضربة الأمريكية بمثابة تفعيل وتنظيم للجهود الدولية ضد الأسد بقيادة الولايات المتحدة.
زار تيلرسون العجوز موسكو، وحلّ ضيفاً ثقيلاً في تلك المدينة الباردة، ورمى الكرة في الملعب الروسي، وعاد ينتظر الجواب بينما يدرس خياراته، وأكثرها تعقيداً هو تشكيل تحالف خارج مجلس الأمن الدولي ترأسه الولايات المتحدة للتعامل مع ملفات المنطقة، وتقويض المشروع الإيراني، وأبسطها دعم الثوار السوريين بأسلحه ذات فاعلية وتحييد سلاح الطيران الأسدي لإعطاء الفرصة لثوار سوريا لإيلام الأسد.
أنا على يقين بأن إدارة ترامب لن تستمع باهتمام إلى المقاربة الروسية للأزمة السورية، وغير معنية بآخر المستجدات حول اجتماعات أستانة، وغير مهتمة بتشتت المعارضة أو المعارضات -كما يروق للروس تسميتها- ولا فشل المعارضة في إدارة المناطق المحررة، ولا الحقائق على الأرض بتقدم النظام ونجاح المصالحات. فقد صرحت الولايات المتحدة وحلفاؤها بدعمهم لجهود المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا. للوصول إلى حل سياسي لايكون الأسد أو أحد أفراد عائلته جزءا منه. معتدّين بخياراتهم المفتوحة، المدعومة أوروبيا وإقليميا، وتبدل مواقف دول كبرى في مجلس الأمن.
هذا الواقع الجديد سيحتم على سادة الكرملن إيجاد طريقة للتعامل مع الحالة الراهنة المتمثلة بوجود رئيس جديد في البيت الأبيض استطاع عبر الملف السوري بالتحديد وبين عشية وضحاها حشد دعم الدول الأوروبية الرئيسية، والإقليمية الفاعلة، والمزاج الشعبي وعلى وجه الخصوص في العالمين العربي والإسلامي، وهو اليوم يعيش نشوة هذا الإنجاز، وأمامه الفرصة ليضع نفسه قائداً حقيقياً للعالم الحر والمتحضر، ويظهر ذلك الشجاع الحاسم المختلف جذرياً عن سلفه المتردد والضعيف والمتفزلك. عبر معاقبته لأكثر المستبدين دموية في التاريخ الحديث.
ربما سيأخذ الموقف الروسي الجديد بالحسبان أيضاً العقوبات الدولية ضده، وإمكانية فرض عقوبات جديدة، وأيضاً أزمة شبه جزيرة القرم، ودعم دول الاتحاد الأوروبي المطلق لجمهورية أوكرانيا، هذه الدول الحانقة على سياسات روسيا الاتحادية وعلى سلوك الإدارة الأمريكية السابقة. وبذات الوقت لن يتغافل الروس عن المزاج الشعبي الداخلي المشكك بجدوى دعم بلادهم لديكتاتور شرق أوسطي، وخاصة في دول الاتحاد الروسي الإسلامية.
وختاما ربما من نافلة القول أن الملف السوري اليوم بيد الدول بعدما فقد السوريون للأسف القدرة على الفعل، ولكن نتمنى على المعارضة السياسية أحزاباً وتيارات وتكتلات.. العمل على قاعدة التوافقات الوطنية والابتعاد عن سياسات لم تنجح خلال سبع سنوات خلت، والبدء بالتحضير الجدي والشامل لمشروع الانتقال السياسي وتنظيم صفوفهم وصفوف التكنوقراط والمجتمع المدني الثوريين للاستفادة من المشاركة الفاعلة لجميع السوريين.
كما نتمنى أن تتوافق الدول وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الإقليمية الفاعلة على حل سياسي للأزمة السورية يؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي يحقن دماء السوريين، ويحافظ على ماتبقى من سوريا الوطن المنكوب، ويساعد السوريين على تجاوز سبع سنين عجاف أهلكت الحرث والنسل.
أحمد شبيب عضو المكتب السياسي بتيار الغد السوري