الحضور الروسي والإيراني في سوريا ليس وليد “الأزمة” المستفحلة منذ أكثر من ست سنوات، حين أعلن نظام الأسد الحرب على الشعب السوري مع أول صيحات الحرية المطالبة بالتغيير وبغد سوري أفضل.
فروسيا الدولة الاتحادية التي تشكل خمس العالم وتمتلك موارد طبيعية وقوة عسكرية وعضوية دائمة بمجلس الأمن الدولي.. ارتبطت بها سوريا منذ عام ١٩٥٦ بصفقات تسليح ومشاريع اقتصادية عملاقة (سد الفرات أحد شواهدها). ومع بدايات الثورة السورية حضرت روسيا بثقلها السياسي أولا ثم بتواجدها العسكري الميداني ثانيا كداعم للنظام في مواجهة الضغوط الدولية عليه بعد ما أبداه من وحشية في قمع الثورة بالحديد والنار، وكضامن لحل سياسي تؤكد موسكو من منظورها على ضرورة أن يتم متوافقا مع مصالحها في المنطقة ويحفظ مكتسباتها في سوريا وورقة ضغط في مسارات سياسية أخرى على جبهات حربها الباردة/الساخنة الأخرى مع الغرب.
أما إيران، والتي لا يمكن اعتبار تدخلها الفج في سوريا حديثا، فقد كان حضورها أكثر فاعلية على الأرض دعما ومساندة لنظام الأسد الذي استثمرت فيها لعقود كظهير لميليشياتها في لبنان والعراق، وعملت على الزج بآلاف المرتزقة الطائفيين في الحرب السورية التي اعتبرتها وجودية ومصيرية تبعا لما خططت له ونفذته خلال سنين طويلة من تصديرها لثورتها الإسلامية وإثارتها للنعرات الطائفية في محيطها العربي، وترسيخ اللااستقرار في العراق ودول الخليج بحثا عن أمجاد امبراطوية طواها التاريخ منذ آلاف السنين.
هذان التدخلان (الروسي والإيراني) أخرجا النظام من لعبة المصير الذي ينتظر سوريا، وأصبح النظام مجرد واجهة هشة ودمية يتم تحريكها من موسكو وإيران. حتى مواقفه ورؤاه تصدر عن المسؤولين الروس والإيرانيين في موسكو وطهران وليس عبر ما تبقى من مسؤولين سوريين في دمشق.
وعلى الجانب المقابل، باءت رهانات المعارضة بالفشل عندما عولت على موقف دولي مؤيد تمثل بالغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وضم قوى عربية وإقليمية لم ينجح بكسر الإرادة الروسية أو القضاء على الأطماع الإيرانية. كما فشلت المعارضة في التنبؤ ومواجهة تمدد قوى التطرف والإرهاب التي اتخذت من الساحة السورية المفتوحة بؤرة جديدة لتنفيذ مشروعها الظلامي الهدام، ما أعطى الذريعة للنظام وحلفائه وأعدائه على حد سواء تأجيل الاستحقاقات السياسية المتفق عليها دوليا إلى حين القضاء على هذا السرطان الذي حل بالجسد السوري مع أنه لا يقل خطورة عن سرطان الطائفية الذي ذرعه النظام وحليفته إيران.
ومع أنه لم يعد للسوريين أي يد بتقرير مصيرهم الذي بات محصورا باتفاق روسي أمريكي، مع عودة قوية لواشنطن/ترامب في المشهد السوري، إلا أنه مازال هناك هامش للعمل يمكن للسوريين العمل عليه وهو إعادة تنظيم مجتمعهم المدني والسياسي والعسكري بما يخفف من كوارث وضغوطات المرحلة، وتهيئة المجتمع السوري ليكون أحسن حالا وتقبلا لاستحقاقات المرحلة المقبلة “مرحلة الحل المتفق عليه والمفروض دوليا والمدعوم إقليميا”، وقد يساعد ذلك بالتخفيف من حجم الخسارة السورية مستقبلاً ويتجاوز الفوضى العارمة والانفلات التام.
فإعادة تنظيم المجتمع المدني في المناطق المحررة ودعمه، والعمل على تنظيف الساحة وإخلائها من السلاح العشوائي وبؤر الإرهاب والتطرف سيكون له أثره الإيجابي على المرحلة المقبلة، وذلك رهن بعودة الكفاءات الميدانية التي تم الحجر عليها في مخيمات فئوية في دول الجوار، واستعادة المنظمات المدنية لدورها الذي تم التضييق عليه ومنعه بذرائع واهية ليلتقط الحراك المدني أنفاسه ويتاح له التعبير عن مطالبه وآلامه والقيام بدوره والانتقال رويدا رويدا نحو الاستقرار.
ليس كل ما يحتاجه السوريين تتلفظ به البنادق، والشارع السوري له أولويات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار. يضاف إلى ذلك تعامل المعارضة السورية مع روسيا بكل جدية ووضوح ومن فوق الطاولة ومن منطلق سوري خالص ولأهداف وطنية، وتحجيم كل من يثبطها ويجعلها قلقة من التعاون مع المعارضة، فقد وصلت روسيا إلى حالة من الإدراك للواقعية في المشهد السوري ومفاصله بحيث بات الوصول لهدف إحلال السلام وإنهاء الحرب، كحد أدنى، هدفا استراتيجيا لها تعمل عليه وتسعى إليه.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن أولوياتها في سوريا معلنة ومرتبة والتعاون معها فيه ليس منه بد أو فيه خيار، ومن المهم الدفع والعمل لجعل دورها أكثر فاعلية بما يخدم تطلعات السوريين، ليس في القضاء على الإرهاب فقط، بل بالقضاء على أصل المشكلة والمتسبب فيها، الذي استجلب الإرهاب وقوى التطرف وهو في رأس قائمة الإرهابيين والمتطرفين والمجرمين في سوريا.
عبد السلام النجيب عضو الأمانة العامة بتيار الغد السوري