مع انتهاء المرحلة الأولى في الاتفاقية الجديدة لإخلاء أربع بلدات سورية هي الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، استطاع بشار الأسد مرة أخرى أن يستخدم أحلام الشعب السوري ونضاله في سبيل الحرية ضده لتحقيق مشروعه المشبوه في تغيير الهيكل الديموغرافي في سوريا وتثبيت دوره أكثر على الساحة السورية.
ومنذ العام 2014 استطاعت قوات النظام بمساندة الطيران الروسي والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، إنهاء تأثير جماعات المعارضة المسلحة في العديد من المناطق السورية من خلال إجبار الثوار على قبول اتفاقيات انسحاب وإخلاء بوضع المدن والبلدات المحررة تحت الحصار أو القصف المكثف أو التجويع.
وتهدف هذه الاتفاقيات والتي سميت بـ“اتفاقيات التسوية” الواقعة في العديد من المناطق المحاصرة، إلى السماح لبعض مجموعات المعارضة المسلحة بالخروج من المناطق التي حاصرتها قوات النظام، وتتيح أيضًا للمدنيين الهروب من المناطق التي تشهد صراعات وقصفا مكثفا وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية. وقد عملت أطراف دولية وإقليمية متورطة في الحرب السورية مثل روسيا وإيران وتركيا كوسطاء في هذه الاتفاقيات.
وعلى الرغم من وصف نظام الأسد لهذا الإجلاء المخطط له والمدروس بـ“اتفاقيات تسوية” إلا أن الثوار يقولون إنها تضمنت تشريدا قسريا لمجتمعات كاملة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتهدف إلى إعادة تشكيل هيكل البنية الديموغرافية للسكان في الدولة.
وقال الناشط السوري “عمر كوكش” إن اتفاقية الترحيل الإلزامي التي تمت في حي الوعر بمدينة حمص، جاءت لإعلان دخول الروس بقوة وفقًا لخطط النظام لتغيير ديموغرافية الدولة.
وكانت اتفاقية الأربع مدن بين فصائل المعارضة والنظام آخر حلقة في مسلسل هذه الاتفاقيات والتي بدأت في 2014 باتفاقية إجلاء حمص. ونرصدهم فيما يلي:
حمص.. شباط/فبراير 2014
تم التوصل لاتفاق بين النظام السوري وهيئة الأمم المتحدة لإجلاء المواطنين السوريين من “حمص” ودخول المساعدات الإنسانية للمدينة. وكانت المناطق في وسط المدينة والتي يسيطر عليها الثوار، تحت حصار قوى من قوات الأسد منذ حزيران/يونيو 2012.
اليرموك.. كانون الأول/ديسمبر 2015
قال المركز السوري لحقوق الإنسان إن تنظيم داعش وقوات النظام السوري توصلوا لاتفاق لتسهيل خروج مقاتلي داعش وعائلاتهم من أحياء جنوب دمشق، ومنها مخيم اليرموك. وقد تم التوصل لهذا الاتفاق من خلال وساطة محلية ودولية، وتنص على أن من يتم الإجلاء والانتقال إلى مدينة بير قصب جنوب شرق دمشق.
مدينة القامشلي.. نيسان/إبريل 2016
تم التوصل لاتفاقية بين النظام السوري ووحدات الحماية الشعبية الكردية في مدينة القامشلي، ونصت الاتفاقية على مبادلة المسجونين بين الجانبين ووقف إطلاق النار في المدينة والتنسيق بينهما بشأن المناطق التي سيتم بها نشر قوات النظام والمناطق التي سيتم فيها نشر القوات الكردية والإفراج عن كل المسجونين الكرد في سجون النظام ومعتقلاته منذ 2011 وأن لا تعتقل قوات النظام أي كردي لأي سبب ولا تلقي القبض على أي عربي أو مسيحي يعمل لدى وحدات الحماية الشعبية أو الحكومة الكردية المحلية.
داريا.. آب/أغسطس 2016
تم التوصل لاتفاقية بين النظام والمعارضة على أن يسمح للمدنيين ومقاتلي المعارضة بمغادرة المدينة، ونص الاتفاق على مغادرة المدنيين لمدينة داريا واتجاههم إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام في مدينة صحنايا الواقعة في ريف دمشق ومغادرة مقاتلي المعاضة ومسلحيها للمدينة واتجاههم لمدينة إدلب في شمال سوريا، وقد تمت الاتفاقية تحت إشراف الهلال الأحمر العربي السوري.
الوعر.. أيلول/سبتمبر 2016
تمت الاتفاقية بين النظام والمعارضة تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة العاملة في دمشق، ونصت الاتفاقية على توقف النظام عن استهداف حي الوعر بأي نوع من الأسلحة والسماح لمقاتلي المعارضة والثوار بمغادرة الحي في مجموعات منفصلة والتوجه نحو الشمال السوري كما يلي:
1- تحرك ثلاثة آلاف مقاتل مع عائلاتهم من حي الوعر إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب، وفي المقابل، تقوم قوات النظام بفتح كل الطرق المؤدية للحي والسماح بدخول الطعام للمنطقة.
2- إطلاق سراح 2000 من مواطني حي الوعر المسجونين في سجون النظام، في مقابل توجه 500 من مقاتلي الجماعات المسلحة وعائلاتهم من المنطقة إلى مدينة إدلب.
3- كشف النظام معلومات عن المسجونين والمعتقلين لديه، في مقابل خروج 300 من مقاتلي المعارضة مع عائلاتهم من المدينة.
4- انسحاب المعارضة من المناطق والمواقع الحكومية في الحي وخروج باقي المقاتلين مع عائلاتهم من الحي.
5- إعطاء قوات النظام السيطرة الكاملة على الحي.
مدينة معضمية الشام.. تشرين الأول/أكتوبر 2016
غادر المئات من مقاتلي المعارضة مع عائلاتهم في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2016، من مدينة معضمية الشام، وتوجهوا إلى إدلب في شمال سوريا. حيث تم الاتفاق على مغادرة 3000 من المدنين من المنطقة كجزء من الاتفاقية بين النظام والمعارضة، ومنهم 620 من المقاتلين والمسلحين مع عائلاتهم، إضافة لأشخاص من داريا وكفر سوسة ممن كانوا يعيشون في معضمية الشام بعد هروبهم من المناطق التي كانوا يعيشوا بها.
وفي الشهر ذاته، تم الاتفاق بين النظام والمعارضة على ترحيل 600 من مقاتلي المعارضة مع أسرهم من مدن قدسيا والحمة في ريف دمشق، ونصت الاتفاقية على مغادرة 5 آلاف من مقاتلي المعارضة مع أسرهم من قدسيا وتوجههم لإدلب ومغادرة 100 من مقاتلي المعارضة من الحمة والتوجه لإدلب وتسليم مقاتلي المعارضة، الذين سيبقوا في المدينة، أسلحتهم وتسوية أوضاعهم مع النظام ويقوم النظام برفع الحصار المفروض على المدنيين في المدينتين ويعيد خدمات المياه والكهرباء.
التل.. تشرين الثاني/نوفمبر 2016
تم التوصل لاتفاقية بين النظام والمعارضة في مدينة التل في ريف دمشق، ونصت الاتفاقية على تسليم المعارضة المدينة للنظام والسماح لمقاتلي المعارضة بامتلاك أسلحة خفيفة وأن يغادروا المدينة والتوجه لمدينة إدلب.
خان الشيح.. تشرين الثاني/نوفمبر 2016
تم التوصل لاتفاقية بين النظام والمعارضة لإجلاء كل مقاتلي المعارضة من مخيم خان الشيح في ريف دمشق إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب. ونصت الاتفاقية على إمكانية إبقاء الأسلحة الخفيفة مع المقاتلي، بشرط تسليمهم للأسلحة المتوسطة والثقيلة في مقابل إنهاء النظام قصفه للمخيم ورفع الحصار عنه، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وإعادة كافة الخدمات للمخيم.
شرق حلب.. كانون الأول/ديسمبر 2016
تم التوصل لاتفاقية بين النظام والمعارضة على إجلاء المدنيين ومقاتلي المعارضة من شرق حلب والسماح لهم بالاتجاه إلى شمال وغرب ريف حلب.
حلب.. كانون الأول/ديسمبر 2016
توصلت المعارضة إلى اتفاق مع كل من النظام وروسيا نص على السماح بإجلاء مدنيين من مدينة حلب مقابل خروج مواطنين ومسلحين تابعين لحزب الله اللبناني من بلدتي كفريا والفوعة بريف إدلب الشمالي المحاصرتين من قبل جيش الفتح وجبهة النصرة.
وادي بردى.. كانون الثاني/يناير 2017
تم توقيع اتفاقية بين النظام والمعارضة بوساطة ألمانية، ونصت الاتفاقية على إيقاف إطلاق النار بين الطرفين في المنطقة ومغادرة قوات المعارضة من مدينة عين الفيجة والاتجاه إلى بلدة دير مقرن، ومن يختار البقاء من المدنيين والمقاتلين يجب أن يتوصلوا لتسوية مع النظام وإلا عليهم الرحيل مع خروج عائلات المقاتلين والذين هربوا من المدينة مع المقاتلين إلى مدينة إدلب.
اتفاقية الأربع مدن.. نيسان/إبريل 2017
توصلت مجموعات المعارضة المتمثلة في هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام من ناحية، وحزب الله اللبناني وإيران من جانب آخر إلى اتفاقية نصت على رحيل 3800 مقاتل من المعارضة من مدينة الزبداني في ريف دمشق باتجاه إدلب ورحيل 8000 مدني من الميلشيات الموالية للنظام من بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب باتجاه مدينة حلب، وتبادل الأسرى وجثث الموتى، ورحيل الأشخاص الذين يريدون المغادرة من مناطق مضايا والزبداني وبلودان باتجاه الشمال، وإطلاق سراح 1500 من المسجونين لدى النظام، معظمهم من النساء، وحل أزمة 50 أسرة من الزبداني ومضايا من الذين علقوا في لبنان في مقابل رحيل كل سكان كفريا والفوعة على مجموعتين.
الملامح الطائفية في اتفاقية الأربع مدن:
كانت مناطق الزبداني ومضايا مصايف في دمشق، ليتم إغلاقها بسبب وحشية النظام بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011 عندما انطلقت المظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح والتغيير وإنهاء حكم الأسد.
وصل الحال بسكان هذه المناطق إلى التغذي على أوراق الشجر، وتسببت صور لأجساد الأطفال الهزيلة في صدمة للعالم، ما جعل عمليات الإغاثة الإنسانية من هيئة الأمم المتحدة أمرا عاجلا وضروريا.
أما بلدتي كفريا والفوعة التي حاصرتهما فصائل المعارضة وعاشتا لفترة تحت قصف متبادل بالصواريخ والهاون، فقد سمح الثوار بتزويد الأهالي فيهما بإمدادات الطعام والدواء من خلال عمليات الإنزال الجوي وقوافل المساعدات الأممية.
وفي فيديو منشور على فيسبوك قال شخص يدعى حسام من “مضايا” إنهم أجبروا على المغادرة وترك عائلاتهم وذكرياتهم وأرضهم. فيما قال مراقبون إن سلسلة الإجلاءات الحالية والتي ستشهد نقل ما يقرب 30 ألف شخص عبر المناطق التي تشهد صراعات مسلحة، تعتبر تشريدا قسريا لأهداف سياسية وطائفية ولا تشرف عليها هيئة الأمم المتحدة، بل صدرت بحقها إدانات دولية ومن المنظمة نفسها.
منذ عام 2011، أصبح أكثر من خمسة ملايين مواطن سوري في عداد اللاجئين، كما شرد ما يقرب من سبعة ملايين آخرين داخل الدولة.
وقال جوشوا لانديس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما إن إعادة ترتيب السكان في سوريا يعد هائلا، مشيرا إلى أن الاتفاقية الأخيرة جزء صغير منها.
وتم اختيار 2000 شخص من بين 40 ألف من سكان مضايا للوصول إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، ومن بين هذا العدد مقاتلون قدامى ونشطاء وأطباء ممن تم في وقت سابق استهدافهم من قبل قوات النظام وحبسهم واعتقالهم وتعذيبهم طوال فترة النزاع.
وقال محمد درويش أحد العاملين بالقطاع الطبي إنه شعر بالحزن والغضب عند مغادرته مضايا ولكنه لم يعد يشعر بأي شيء.
وعلى الرغم من وعود الأسد بمنح العفو والحق في البقاء للمعارضين في بلداتهم، إلا أن حملاته العسكرية الوحشية تسببت في هروب عشرات الآلاف نحو إدلب وحلب. وخلال العام الماضي قام نظام الأسد بطرد المدنيين والمسلحين من مدن “معضمية الشام وداريا ووادي بردى وغيرها من المدن التي تقع حول العاصمة، كما فعل من قبل في كل من حلب وحمص.
حيث تم إخراج المدنيين من مناطق وأحياء شرق حلب، وقال تحقيق لهيئة الأمم المتحدة إن هذا الإجلاء يصنف كجرائم حرب، بسبب العنف الذي استخدمته الحملات المشتركة للنظام السوري وروسيا. وتم إخراج أكثر من 20 ألف شخص من حلب نهاية العام الماضي، وتوجهوا إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وقال جان إيغلاند مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن هذا العام شهد عدة اتفاقيات أكثر مما شهده العام الماضي، وأن هذه الاتفاقيات لم تأت لاعتبارات إنسانية. مشيرا إلى أن هيئة الأمم المتحدة لم تشترك في الاتفاقية الأخيرة. موضحًا أنه من الخطأ النظر إليها على أنها حدثت بشكل طوعي، في الوقت الذي استمر حصار وقصف هذه المدن والبلدات لسنوات. وأضاف أنه يجب إنهاء الحصار دون إجلاء المواطنين وإجبارهم على ترك منازلهم ومدنهم.