افتتح رئيس تيار الغد السوري السيد أحمد الجربا الملتقى التشاوري للقوى الديمقراطية في سوريا صباح اليوم الأربعاء الثالث من أيار/مايو بالقاهرة موجها التحية للحضور وشاكرا لهم تلبية دعوة التيار متمنيا أن يكون الملتقى انعطافة كبيرة نحو الارتقاء بالعمل السياسي السوري إلى التضامن والتنسيق بين الديمقراطيين السوريين في مواجهة آليات الخراب التي استبدت بالبلاد والشعب السوري.
وأشار الجربا إلى رمزية الاجتماع بالقاهرة “توأم دمشق” شاكرا لجمهورية مصر العربية شعبا وحكومة مواقفها الأخوية النبيلة الداعمة وغير المشروطة للشعب السوري، مضيفا أننا نقولها بصوت عال “لا زلفى ولا ملقا”.
وأكد رئيس تيار الغد السوري على أن الحاضرين في الملتقى جاؤوا “للتداول في حل وطني سوري قادر على التصدي للمسؤوليات الجسام التي وضعتها السنوات الست الماضيات على كاهلنا.. حل سوري وطني يحول هشاشة الماضي وتشرذمه وتشتته ويتمه إلى مجرد ذكرى لا تعاد.. حل وطني يرتئيه بنات وأبناء سوريا المخلصين والغيورين جميعا ودون استثناء أو تغييب ممن يعلي من قيمة الحياة ويرفض المشاركة في القتل.. حلّ يقوم بكم ومعكم، وبصدقكم وتفانيكم وخبراتكم.
وأشار الجربا إلى أن الملتقى يرنو إلى حل يمكن عبره فعل الكثير مما تشترطه تفاصيل الحياة التي يعيشها الشعب السوري، مضيفا “أننا في مواجهة طاعون يفتك بنا، فإما أن نكون أو لا نكون. تلك هي المعضلة الأساسية التي يجب أن نضع لها دروبا تؤدي إلى حيث نكون، ليس فقط أن نكون، بل أن نكون كما يليق بتاريخ إنساننا ووطننا السوري بتعدّده وسلامه وتحضره، الذي كان وسيعود بإذن الله”.
وقال الجربا إن أولى خطوات الحل في سوريا، التي تفرضها المأساة، التخلص من آفة التنظيمات الإرهابية التي استباحت البلاد والعباد وفتكت بجسد الوطن وحولت الأرض والثورة من أرض ثورة داعية إلى الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، إلى أرض مجموعات دموية تنهش في الجسد السوري وتمارس هوايتها في سفك الدماء ونشر الخراب.
كما أكد الجربا على أن مهام محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، وفي مقدمتها محاربة تنظيمي داعش والنصرة والقاعدة في تحولاتها الاسمية وأقنعتها المتعددة، أولى الأولويات، وأنه لابد من التأكيد على أن المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة هذا الإرهاب أو مع أي حلف أو دول تهدف لمحاربة هذه الآفة، بتفعيل المساهمة فيها بإرادة سورية وبأيد وعقول سورية، هو من أكثر المهام الوطنية التي تفرض نفسها بإلحاح علينا جميعا كقوى وشخصيات وطنية تبحث عن خطوات تفضي إلى الحل المأمول.
وقال أيضا إن الإرهاب والدكتاتورية صنوان، لاينمو الأول إلا بوجود الثاني، ولا ينتعش الثاني إلا بوجود الأول، وأنه لو لم تتوفر التنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة والقوى الظلامية، لأوجدتهم سلطة الاستبداد. وأن تاريخ الإرهاب والاستبداد يضرب لنا الكثير من الأمثلة والوقائع، لأن “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”، والسلطة المطلقة شرّ مطلق، وقد خبرنا ذلك عبر تاريخنا السوري وتاريخ المنطقة والعالم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وبعد كل ما قدمه الشعب السوري من تضحيات، لا يمكن أبدا القبول بسلطة استبدادية مطلقة، سواء أكانت سلطة فرد أو حزب أو جماعة أو مكوّن عرقي أو ديني أو مذهبي.
وأكد الجربا على أن الحل يكمن في صياغة شكل ضامن لعدم استئثار طرف بالسلطة، أيّا كان هذا الطرف، وأنه ليس أفضل في هذا السياق من نظام يعتمد اللامركزية الديمقراطية بصلاحيات موسعة، يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في إدارة البلاد وتنظيم شؤونها على أسس يتفق عليها الجميع من قوميات وأديان ومذاهب ونخب ومؤسسات، وبالتساوي، وعلى أساس الانتماء لسوريا الموحدة.
كما أشار إلى أنه ومنذ عقود وسوريا تعاني من تغييب للحياة الدستورية، حتى إن كلمة الدستور أو العقد الاجتماعي في سوريا غدت من المستهجنات في أحاديثنا اليومية، وحتى كادت تغيب عن قواميسنا. وقد كثر الكلام عنها في السنة الأخيرة لأسباب تتعلق بمقترحات مشكورة قدمتها دول ومؤسسات قريبة من الأوضاع في بلادنا وندوات سورية وأخرى سورية ودولية تناولت هذه المسألة. مؤكدا على الحاجة السورية الملحة لصياغة عقد اجتماعي يحتكم إليه السوريون ويكتبه أبناء سوريا من أهل الشأن والاختصاص، وتكون الجهود الدولية والمؤسساتية مشكورة إذ تقدمت باستشاراتها بما لا يتناقض مع مصالح وثقافة وبنية المجتمع السوري، وأن هذا الدستور والعقد الاجتماعي شأن سوري بحت لا يمكن لأي جهة أن تفرض عليه ما يناقض الهوية السورية المتعددة، فالسوريون أدرى بمصالحهم وشكل إدارة العلاقات بينهم، وهذا ثابت يعرفه القاصي والداني، ويعرفه الصديق قبل غيره.
وحول أسباب فشل مشاريع الحل السياسي في سوريا حتى الآن، قال الجربا إن ممثلي القوى الوطنية معنيون بهذا الفشل بشكل من الأشكال، وعليهم قراءة هذه الأسباب بعين فاحصة ومسؤولة، لتتجنب فشلا آخر تحمله على عاتقها. وأكد الجربا على أنه “لقد كان واضحا، منذ البداية، تمسكنا جميعا بالحل السياسي منذ انطلاقة ثورتنا، في انتفاضة الحرية والكرامة والعدل والمساواة، الحل السياسي الذي يصيغه أبناء سوريا. إلا إن سلوك سلطة الاستبداد وبطشها وعنفها جعل من وطننا ملعبا لتصفية حسابات إقليمية ودولية، وجدت مكانا للاستثمار فيه، ولأن موازين الحسابات بين الأطراف الإقليمية والدولية لا نهاية لها، فإن ارتهان الحل السياسي لها، إضافة إلى تبعية قوى سورية لبعض هذه الأطراف المتدخلة، وتغييب الصوت السوري المستقل والمعبّر عن مصالح عموم السوريين، كل ذلك جعل من الفشل عنوانا للمفاوضات حتى قبل أن تبدأ. إنها مأساتنا أن يكون ممثلو القوى التي تتقدم للتعبير عن أهلنا لا تملك قرارها المستقل. نعم، كان هناك غياب أو مماطلة لدى المجتمع الدولي في وضع حد للقتل والتدمير، ولكن الأكثر خطورة ومأساوية، كان غياب أو تغييب الصوت السوري المستقل، وقبل هذا وذاك كان تشتت القوى الوطنية الديمقراطية السورية”.
وكرر الجربا الدعوة للقوتين العالميتين، الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية، إلى التعاون لوضع حد للمأساة السورية التي تفاقمت وتجاوزت آثارها حدود البلاد والعباد. مشيرا إلى أن تأجيل هذا التوافق يكلّف السوريين كل يوم المزيد من الدماء والخراب، ويضيف إلى أرصدة الإرهاب والارهابيين المزيد من القوة والدوافع الوحشية اللاإنسانية لارتكاب المزيد منها. كما أكد على أن الدعوة لقادة البلدين إلى التوافق على رعاية حل سياسي يجب أن يشرف على صياغته أبناء سوريا بعيدا عن الضغوط والاملاءات الدولية والإقليمية، بحيث يراعي مصالح السوريين أولا، مشيرا إلى أنه من البديهي أن مصالح السوريين لا تشكل عقبة في العلاقات الودية بيننا وبين دول العالم.
وأضاف الجربا أن ثمة فظائع كبيرة ارتكبت وترتكب في سوريا. جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة. ولإحصائها يلزمنا أشهر وربما أعوام. لم يكن آخرها، ما حدث في الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، وهي وصمة عار على جبين السوريين، معارضة وموالاة، ولكل من شارك في التستر على هذا العمل الشائن من الطرفين والتزم الصمت حياله، ولمن مول هذه الجريمة ودفع لأجلها أموالا ذهبت لدعم التنظيمات الإرهابية الدموية في سوريا والعراق الشقيق.
ونوّه الجربا بأن المجتمعين في اللقاء ليسوا بصدد الدعوة إلى الانتقام من مرتكبي هذه الجرائم، لأن الدول لا تبنى بالانتقام، وإنما بالمصالحة بين أبناء الوطن الواحد. فالمصالحة الوطنية ضرورة تفرضها شروط الحياة والعيش المستقر. والثأر والانتقام دائرة نار لا تنتهي، دائرة تحرق كل من حولها وتحوّل البلاد إلى رماد. مؤكدا أن المصالحة الوطنية ضرورة وفرض وشرط ولازمة، ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم التي لايمكن نسيانها، كما يجب تخليد الضحايا وتمجيد ذكراهم، وتوثيق هذه الجرائم لتكون في الذاكرة الوطنية السورية دروسا ومواعظ للسوريين ولشعوب الأرض لا يجوز أن تتكرر، وأن تكون هناك محاكم لمرتكبي جرائم الحرب من جميع الأطراف برعاية هيئات دولية محايدة ومتخصصة تضمن عدالة وحيادية إزاء ملفات المتورطين في هذه الجرائم والانتهاكات، حيث يصعب أن يكون الضحايا أو ذووهم محايدين في الحكم على القاتل، ولا يمكن إنجاز المصالحة وعودة اللاجئين والنازحين والمهجّرين إلا بتوفير الظروف الملائمة من أمن وخدمات وعدالة. وأن هذه إحدى المهام الملقاة على عاتق السوريين وعاتق الدول الراعية للاتفاق السياسي.
وختم الجربا بالتأكيد على أن الملتقى يسعى إلى سوريا ديمقراطية تعددية تكفل لأبنائها جميعا الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة. سوريا دولة الحقوق والواجبات، دونما استئثار أو تهميش، لا ظالم ولا مظلوم، دولة القانون والحريات. وفي الطريق إلى ذلك الحلم الذي استمدت الثورة السورية منه انطلاقتها. مشددا على “أننا نمد أيادينا جميعا لنتكاتف معا في سبيل القضاء على الإرهاب والدكتاتورية، ووقف نزيف الدماء وطوفان الخراب المسلّط على شعبنا ووطننا، وندعو إلى فتح صفحة جديدة لنستطيع القضاء على الكراهية والحقد والغل الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخراب”.