كلمة السيد أحمد الجربا في افتتاح الملتقى التشاوري للقوى الديمقراطية في سوريا

أيتها الأخوات .. أيها الإخوة بنات وأبناء سوريا الأعزاء .. السيداتُ والسادة. أعضاء. وقيادات. وشخصيات القوى الوطنية السورية. سلامُ الله عليكُم: إننا إذ نتوجهلبنات وأبناء سوريا الأكارم بالتحية والمحبة...
السيد أحمد الجربا خلال إلقائه الكلمة الافتتاحية في الملتقى التشاوري للقوى الديمقراطية في سوريا

أيتها الأخوات .. أيها الإخوة
بنات وأبناء سوريا الأعزاء ..

السيداتُ والسادة. أعضاء. وقيادات. وشخصيات القوى الوطنية السورية. سلامُ الله عليكُم:
إننا إذ نتوجهلبنات وأبناء سوريا الأكارم بالتحية والمحبة والسلام. فتلك هي واجباتنا ومقاصدنا وعاداتنا تماما، فيا أبناء شعبنا السوري، لم نكن نتوجهُ يوما إلا لكم. وبكم . ومعكم، ولأجلكم تكونُ الخطواتُ ذي معنى. ولأجلكم تكونُ الحياة والمواقف دائما، ولأجل مستقبل سوريا والخروج من لحظاتها الدامية وجهنا الدعوات للتشاور هنا.

السيدات والسادة أعضاء وقيادات وشخصيات القوى الوطنية السورية.. شكرا لكم على تلبية دعوة تيار الغد، وتشريفكم بالحضور وتحمل عناء السفر لهذا الملتقى التشاوري للقوى الوطنية الديمقراطية، وأتمنى أن يكون ملتقانا هذا انعطافةٌ كبيرة نحو الارتقاء بالعمل السياسي من الفرقة والتشتت إلى التضامن والتنسيق في الخطوات . لفتح آفاق رحبة أمام الديمقراطيين السوريين في مواجهاتهم اليومية لآليات الخراب التي استبدت ببلادنا وأهلنا.

أيتها السيدات.. أيها السادة الكرام ونحنُ نجتمعُ في القاهرة، توأم دمشق، نشكرُ جمهورية مصر العربية، شعبا وحكومة، على مواقفها الأخوية النبيلة وغير المشروطة، فشكرا مصر، نقولها بصوت عال “لا زلفى ولا ملقا”.

نعم أيها السيدات والسادة .. أمامُنا الكثيرُ لنتحدث فيه، فالكلمات لا يمكنُ أن تختصر مسيرة الوجع. الدموع الكبيرة عصية على الخروج من المآقي لتبقى حبيسة القلوب. الكارثة أكبر من كل التعابير، إننا جميعا هنا للتداول في حل وطني سوري قادر على التصدي للمسؤوليات الجسام التي وضعتها السنوات الست الماضيات على كاهلنا. حل سوري وطني يحول هشاشة الماضي وتشرذمه وتشتته ويُتمه إلى مجرد ذكرى لا تُعاد. حل وطني يرتئيه بنات وأبناء سوريا المخلصين والغيورين، أقولُ: أبناء سوريا جميعا ودون استثناء، وأقصدُ تماما ما أقول: دون استثناء أو تغيبب أي صوت يُعلي من قيمة الحياة ويرفضُ المشاركة في القتل. حل يقوم بكم ومعكم، وبصدقكم وتفانيكم وخبرتكم أيها الإخوة، أيتها الأخوات، الحضور أو الغائبون لأسباب مختلفة، بخبراتكم التي عجنتها آلام السنوات التي تُحسب قرونا بمقاييس البشر.

نرنو إلى حل نستطيع عبره فعل الكثير مما تشترطه تفاصيل الحياة التي يعيشها أهلنا من جنوب سوريا إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها. نعم إننا في مواجهة طاعون يفتك بنا، فإما أن نكون أو لا نكون، تلك هي المعضلة الأساسية التي يجب أن نضع لها دروبا تؤدي إلى حيث نكون، ليس فقط أن نكون، بل ،أن نكون كما يليق بتاريخ إنساننا ووطننا السوري بتعدده وسلامه وتحضره، الذي كان، وسيعود بإذن الله.

أيتها الأخوات السوريات .. أيها الإخوة السوريون، داخل الوطن وخارجه.. السيدات والسادة الحضور.. أولى الخطوات التي تفرضها المأساة، التخلص من آفة التنظيمات الإرهابية التي استباحت البلاد والعباد. السرطان الذي فتك بجسد بلادنا وحول أرضنا وثورتنا من أرض ثورة دعاة حرية وكرامة وعدالة وديمقراطية، إلى أرض مجموعات دموية تنهش في الجسد السوري وتمارس هوايتها في سفك الدماء ونشر الخراب. نعم أيها الإخوة والأخوات، إن مهام محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، وفي مقدمتها محاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة والقاعدة في تحولاتها الاسمية وأقنعتها المتعددة، أولى الأولويات، ولا بد من التأكيد على أن المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة هذا الإرهاب أو مع أي حلف أو دول تهدف لمحاربة هذه الآفة، بتفعيل المساهمة فيها بإرادة سورية وبأيد وعقول سورية، لهو من أكثر المهام الوطنية التي تفرض نفسها بإلحاح علينا جميعا كقوى وشخصيات وطنية تبحث عن خطوات تفضي إلى الحل المأمول.

الإرهاب والدكتاتورية صنوان. نعم، لا ينمو الأول إلا بوجود الثاني، ولا ينتعش الثاني إلا بوجود الأول، وأجزم هنا، لو لم تتوفر التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة والقوى الظلامية، لأوجدتهم سلطة الاستبداد، وتاريخ الإرهاب والاستبداد يضرب لنا الكثير من الأمثلة والوقائع، لذا أكرر تلك المقولة: “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”، والسلطة المطلقة شر مطلق، وقد خبرنا ذلك عبر تاريخنا السوري وتاريخ المنطقة والعالم، لا يمكنُ بأي حال من الأحوال وبعد كل ما قدمه الشعب السوري من تضحيات، لا يمكن أبدا القبول بسلطة استبدادية مطلقة، سواء أكانت سلطة فرد، أو حزب، أو جماعة، أو مكون عرقي أو ديني أو مذهبي. لذا راهنا ونراهنُ دائما، إن الحل يكمن تماما في صياغة شكل ضامن لعدم استئثار طرف بالسلطة، أي طرف كان، وليس أفضل في هذا السياق من نظام يعتمد اللامركزية الديمقراطية بصلاحيات موسعة، يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في إدارة البلاد وتنظيم شؤونها. نعم، اللامركزية الموسعة على أُسس يتفق عليها الجميع من قوميات وأديان ومذاهب، ونخب ومؤسسات، وبالتساوي وعلى أساس الانتماء لسوريا الموحدة، لا على أية أسس أخرى.

أيها الإخوة والأخوات.. منذ عقود وسوريا تعاني من تغييب للحياة الدستورية، حتى إن كلمة الدستور أوالعقد الاجتماعي في سوريا غدت من المستهجنات في أحاديثنا اليومية، وحتى كادت تغيب عن قواميسنا. كثر الكلام عنها في السنة الأخيرة، لأسباب تتعلق بمقترحات مشكورة قدمتها دول ومؤسسات قريبة من الأوضاع في بلادنا وندوات سورية وأخرى سورية ودولية تناولت هذه المسألة. ونحن من جهتنا، نؤكد تماما الحاجة السورية الملحة لصياغة عقد اجتماعي يحتكم إليه السوريون، عقد اجتماعي يكتبه أبناء سوريا من أهل الشأن والاختصاص، وتكون الجهود الدولية والمؤسساتية مشكورة إذ تقدمت باستشاراتها بما لا يتناقض مع مصالحنا وثقافتنا وبنية مجتمعنا، وإن هذا الدستور، والعقد الاجتماعي، شأن سوري بحت لا يمكن لأي جهة أن تفرض عليه ما يناقض هويتنا المتعددة، ولا أعتقد أن ثمة محاولات في ذلك أو ستكون، فالسوريون أدرى بمصالحهم وشكل إدارة العلاقات بينهم، وهذا ثابت يعرفه القاصي والداني، ويعرفه الصديق قبل غيره.

أيها الإخوة والأخوات.. يتساءل أغلب أبناء وبنات سوريتنا العزيزة، عن أسباب فشل مشاريع الحل السياسي حتى الآن. ولأننا معنيون، نحن ممثلي القوى الوطنية، بهذا الفشل بشكل من الأشكال، وجب علينا قراءة هذه الأسباب بعين فاحصة ومسؤولة، لنتجنب فشلا آخر نحمله على عاتقنا. لقد كان واضحا، منذ البداية، تمسكنا جميعا بالحل السياسي منذ انطلاقة ثورتنا، في انتفاضة الحرية والكرامة والعدل والمساواة، الحل السياسي الذي يصيغه أبناء سوريا. إلا إن سلوك سلطة الاستبداد وبطشها وعنفها جعل من وطننا ملعبا لتصفية حسابات إقليمية ودولية، وجدت مكانا للاستثمار فيه، ولأن موازين الحسابات بين الأطراف الإقليمية والدولية لا نهاية لها، فإن ارتهان الحل السياسي لها، إضافة إلى تبعية قوى سورية لبعض هذه الأطراف المتدخلة، وتغييب الصوت السوري المستقل والمعبر عن مصالح عموم السوريين، كل ذلك جعل من الفشل عنوانا للمفاوضات حتى قبل أن تبدأ. إنها مأساتنا أن يكون ممثلو القوى التي تتقدم للتعبير عن أهلنا لا تملك قرارها المستقل. نعم، كان هناك غياب أو مماطلة لدى المجتمع الدولي في وضع حد للقتل والتدمير، ولكن الأكثر خطورة ومأساوية، كان غياب أو تغييب الصوت السوري المستقل، وقبل هذا وذاك كان تشتت القوى الوطنية الديمقراطية السورية.

إننا نكرر دعواتنا للقوتين العالميتين، الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية، إلى التعاون لوضع حد للمأساة السورية التي تفاقمت وتجاوزت آثارُها حدود البلاد والعباد. إن تأجيل هذا التوافق، يكلفُ السوريين كل يوم المزيد من الدماء والخراب، ويضيفُ إلى أرصدة الإرهاب والارهابيين المزيد من القوة والدوافع الوحشية اللاإنسانية لارتكاب المزيد منها. إننا ندعو قادة البلدين إلى التوافق على رعاية حل سياسي يشرف على صياغته أبناء سوريا بعيدا عن الضغوط والاملاءات الدولية والإقليمية، اتفاق يراعي مصالح السوريين أولا، ومن البديهي أن مصالح السوريين لا تشكل عقبة في العلاقات الودية بيننا وبين دول العالم.

أيها الإخوة والأخوات.. ثمة فظائع كبيرة ارتُكبت وتُرتكب في بلادنا. جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة. نعم، لنحصيها يلزمنا أشهر وربما أعوام.لم يكن آخرها، ما حدث لأهلنا في الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، إنها لوصمة عار على جبين السوريين ، معارضة وموالاة، العار لكل من شارك في التستر على هذا العمل الشائن من الطرفين ، العار لهم وتبا لهم ولأموالهم التي ذهبت لدعم التنظيمات الإرهابية الدموية في بلدنا والعراق الشقيق، العار كل العار لكل من شارك فيها وتستر عليها وساهم فيها أو التزم الصمت حيالها.

لسنا بصدد الدعوة إلى الانتقام من مرتكبيها، فلا تُبنى الدول بالانتقام، وإنما بالمصالحة بين أبناء الوطن الواحد. نعم، المصالحة الوطنية ضرورة تفرضها شروط الحياة والعيش المستقر. الثأر والانتقام دائرة نار لا تنتهي، دائرة تحرق كل من حولها وتحول البلاد إلى رماد. المصالحة الوطنية ضرورة وفرض وشرط ولازمة، لكن هل يمكن فرض هذه المصالحة دون محاسبة مرتكبي تلك الجرائم؟ لا أبدا وألف لا. لنكن واقعيين وسوريين كما يليق بسوريا الماضي والمستقبل، لا يمكن نسيان هذه الجرائم، ويجب تخليد الضحايا وتمجيد ذكراهم. يجب توثيق هذه الجرائم لتكون في ذاكرتنا الوطنية دروسا ومواعظ لنا ولشعوب الأرض، دروسا لا يجوز أن تتكرر، وقبل كل ذلك، يجب أن تكون هناك محاكم لمرتكبي جرائم الحرب من جميع الأطراف، محاكم برعاية هيئات دولية محايدة ومتخصصة كي نضمن عدالة وحيادية إزاء ملفات المتورطين في هذه الجرائم والانتهاكات، إذ يصعب أن يكون الضحايا أو ذووهم محايدين في الحكم على القاتل، تلك هي طبيعة النفس البشرية. ولا يمكن أن ننجز المصالحة وعودة اللاجئين والنازحين والمهجرين إلا بتوفير الظروف الملائمة من أمن وخدمات وعدالة. لذلك هذه إحدى المهام الملقاة على عاتقنا وعاتق الدول الراعية للاتفاق السياسي.

وأخيرا أيتها الأخوات والإخوة الحضور .. أيتها الأخوات والإخوة السوريين في كل مكان وباختلاف انتماءاتكم وتوجهاتكم ..
إننا نسعى إلى سوريا ديمقراطية تعددية تكفل لأبنائها جميعا الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة. سوريا دولة الحقوق والواجبات، دونما استئثار أو تهميش، لا ظالم ولا مظلوم، دولة القانون والحريات. وفي الطريق إلى ذلك الحلم الذي استمدت ثورتنا منه انطلاقتها، نمد أيادينا جميعا لنتكاتف معا في سبيل القضاء على الإرهاب والدكتاتورية، ووقف نزيف الدماء وطوفان الخراب المسلط على شعبنا ووطننا، وندعو إلى فتح صفحة جديدة لنستطيع القضاء على الكراهية والحقد والغل الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخراب.

الحرية لسوريا وأهلها، الحرية للمعتقلين، الشفاء للجرحى، العودة الكريمة للاجئين والنازحين والمهجرين. والسلام لسوريا وأهلها قبل كل شيء، السلام.
وإلى أعمال ملتقانا، راجيا أن نحقق ما نصبو إليه من خير لأهلنا ووطننا.
القاهرة في 3 أيار/مايو 2017

أقسام
الأخبار المميزةرئيس التيارنشاطات التيار

أخبار متعلقة