أجرت قوى سياسية سورية، خلال الملتقى التشاوري للقوى الوطنية الديمقراطية في سوريا الذي دعا إليه تيار الغد السوري، قراءة ومراجعة نقدية للأزمة السورية والدستور والعقد الاجتماعي وأزمة المعارضة الوطنية الديمقراطية وسبل الخروج منها وأسس الحل الوطني والأسباب التي أدت إلى فشل مشاريع الحل السياسي في سوريا حتى الآن.
وعلى مدى ثلاثة أيام من الملتقى الذي احتضنته العاصمة المصرية القاهرة، في الثالث والرابع والخامس من الشهر الجاري، ناقش الحضور المحاور السابقة وما يتفرع عنها من قضايا وتوصلوا إلى خلاصات ورد معظمها في البيان الختامي، وعن هذه المحاور وقضايا أخرى تتعلق بالمعارضة السورية وأزمة الحرب التي تعيشها سوريا وسبل الحل الذي ترتئيه القوى الوطنية الديمقراطية تحدث “عدنان دبس” القيادي في حزب العمل الشيوعي في سوريا للمكتب الإعلامي في تيار الغد السوري.
حيث أكد عدنان دبس أنه علينا أن نعترف أولا أن القوى الديمقراطية السورية مأزومة رغم مرور ست سنوات من الحراك السياسي والثوري في سوريا سالت خلاله الكثير من الدماء، وقد قاربت المسألة السورية على الخروج من يد السوريين بكل معنى الكلمة، مما يجعل القوى التي تنشد التغيير الوطني الديمقراطي خارج حلقة القوى المؤثرة أو الفاعلة على الساحة السورية.
وأضاف، من هناك كانت تلبيتنا للدعوة لحضور الملتقى التشاوري للقوى الوطنية الديمقراطية في القاهرة بحكم أن هذه القوى يجب عليها إعادة ترتيب بيتها وتحالفاتها والاستراتيجيات المنوطة بها لمستقبل سوريا الذي مازال غامضا، والذي يترتب عليه مسؤولية أن تكون البوصلة باتجاه التغيير الوطني الديمقراطي الذي تطلع له الحراك الثوري السوري منذ آذار 2011، كما كانت أهمية هذا اللقاء في جوهر الأسئلة التي طرحها والتي تهم هذه القوى وهي جزء من مصلحة الشعب السوري وتطلعاته.
وأشاد دبس بإيجابية هذا الملتقى أنه جمع عدة قوى من الطيف الوطني الديمقراطي في سوريا، مضيفا أنه أيا كانت التحالفات فمن الواضح أن هذا اللقاء أثبت أن هناك أزمة في المعارضة السياسية السورية، وأنها لم تكن على مستوى تطلعات الشارع بكل معنى الكلمة، وهناك ظروف عدة لهذا الموضوع كما سبقت الإشارة. ولكن هذا اللقاء، بحسب دبس، جد مهم كونه لقاءا تشاوريا. لكنه لا يكفي، وهو بحاجة إلى أن تتبعه جملة من اللقاءات والتنسيقات مع القوى الديمقراطية التي لم تشارك، والتي يعتقد دبس أنها إن دعيت ولم تحضر فإن لديها قصور نظر استراتيجي حول المسؤولية المناطة بها، ولذلك يجب أن يستتبع هذا الملتقى لقاءات تجمع كافة أو على الأقل غالبية الطيف الوطني الديمقراطي السوري بحيث يُؤسس ليكون حاملا وفاعلا لهذا الخط السياسي السوري.
وعن رأيه في الأطروحات والنقاشات التي جرت خلال الملتقى قال القيادي في حزب العمل الشيوعي في سوريا إنه من الملاحظ عدم اختلاف القوى الديمقراطية لا تختلف في جوهر أطروحاتها ولكنها تختلف في الأداء، وليس كل من ينشد التغيير الديمقراطي يسلك السلوك الصحيح سواء على مستوى التحالفات أو الاستراتيجيات. وأضاف “أعتقد أن مسألة القطبية بين إسقاط النظام والتغيير الديمقراطي أصبحت خلف ظهورنا، والمسألة الوطنية اليوم هي الهم الأساسي الجامع من أجل خروج سوريا من هذه المحنة المتمثلة بكون مطالب الشعب السوري في إنشاء وطن حر مستقل أصبحت قاب قوسين من مسائل خطيرة تحاك للشعب السوري وتشارك فيها كل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة. ويجب علينا أن نعي مسألة التسوية السياسية القادمة والعمل على تخفيف مخاطرها، وهذا لا يتم إلا بتوحد القوى الوطنية الديمقراطية على خط استراتيجي واحد مستبصر بالمآلات القادمة، ومن هنا تنبع أهمية هذا اللقاء التشاوري”.
وأكد دبس أنه لم يكن هناك أي تباين أو تعارض في الرؤى خلال كل حوارات ونقاشات الملتقى، واستدرك “لكن على أرض الواقع هناك قضايا تتعلق بمصير سوريا، وعلى القوى السياسية أن تنظر بعين الاعتبار إلى أن أي تسوية قادمة في سوريا يجب أن تحول دون انتقال الصراع الإقليمي الخارجي الذي دخل إلى سوريا إلى صراع من الداخل السوري ينعكس مزيدا من التشرذم والتشظي”.
وحول قدرة القوى الوطنية الديمقراطية على العمل لإنهاء حالة الاستقطاب الشديد في سوريا، قال دبس علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذه القوى ليست قوى حرب، وبالتالي فإن تطلعات الشعب السوري بكافة أطيافه الإثنية والعرقية والمذهبية.. تنشد الحل الشامل والضامن لوحدة سوريا أرضا وشعبا، وهذا منوط بالقوى الوطنية الديمقراطية أن تكون هي الحامل لهذا الخط، وبالتالي فإن فاعلية هذا القوى بعد ست سنوات من الحرب بالطبع هي مقوَّضة حاليا لعاملين أساسيين: العامل الداخلي المتمثل باستبداد النظام وإقصاء هذه القوى وجعلها تتشظى بين الخارج والمنافي والداخل تحت الحصار المطبق، بالإضافة إلى التدخل الإقليمي والدولي في آليات ومسارات هذه القوى نتيجة الآليات التي فرضتها ظروف الحرب والعسكرة التي أنتجت أمراء حرب.
وهذا كله، بحسب دبس، يستدعي من القوى الوطنية الديمقراطية أن تتوجه بالخطاب للشعب وبنفس الوقت أن يكون لها دور في مخاطبة المجتمع الدولي والتعامل معه لإحداث خرق في الجدار الصَّم الذي بني في وجه الشعب السوري وخالف تطلعاته، وبالتالي عليها العمل بكل ما أوتيت من قوة وأن ترفض الهزيمة وأن تنهض من جديد بما يمكنها من تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها أيا كانت الظروف والمعوقات، فقد كان لنضالها أيام الاستبداد حيزا وقيمة لدى الشعب السوري وعليها اليوم أن تكون الحامل لبوصلة الإنقاذ، وإذا ما تجمعت هذه القوى على آلية عمل موحد ستستطيع إيصال صوتها إلى المجتمع الدولي ولعب دورها الوطني على الوجه الأمثل الذي غاب نتيجة تشظيها وتشرذمها، وقد سوُّفت هذه القوى كثيرا على حساب أجندات هي بريئة منها بكل معنى الكلمة وحان الوقت لتضطلع بدورها.
كما أكد دبس على أن كل من يدّعي حمل مشروع وطني ديمقراطي فإن سلاحه الأساسي حراك الشارع ونبضه وتطلعات الناس، والمسألة لا تتعلق بالعدد أو الكم وأنما فيمن يحمل هذا الهم، وبنفس الوقت من يستطيع إيصال هذا الصوت. وقال “أعتقد أن الخطاب الوطني المعارض تشرذم نتيجة الحالة التي واجهها من إقصاء وقمع شديدين، ثم واجه آليات أخرى متعلقة بالصراع المسلح الذي استفحل في الشارع السوري، والمسألة الأساسية للقوى الوطنية الديمقراطية السورية كي تتمكن من العمل أن يتوقف القتل وتتوقف الحرب ثم العمل على الخروج من حالة الاستقطاب بين ثنائية المنتصر والمهزوم إلى حالة الحوار الوطني. والآن هذه المسألة ملحة، وعلى عاتق هذه القوى العمل ضمن تطلعات ورؤية الشارع السوري ومخاطبة الشعب من اليمين إلى اليسار بآلية خلاص من هذه الأزمة التي استفحلت وأصبحت تتقاذفها الأيدي الخارجية”.
ونوه بأنه يجب أن نعي أنه ليس هناك داعم للمشروع الوطني الديمقراطي في سوريا غير الشعب السوري نفسه، فالقوى الإقليمية تنظر بعين الاعتبار إلى مصالحها، ومع أن بعضها انحاز لتطلعات السوريين في التغيير إلا أن هذا لا يكفي، لأن المسألة الأساسية هي داخلية بيد الشعب نفسه، وعلى هذا الشعب بقواه الوطنية الديمقراطية العمل على التخفيف ما أمكن مما يصنع أو يدبر لسوريا القادمة. وعلى كل السوريين من معارضة وموالاة الاتفاق على إنهاء هذه الأزمة، وأعتقد أن سوريا لن تكون كما كانت قبل 2011 أيا كانت المتغيرات، فهناك عوامل داخلية وإقليمية ودولية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مآلات الحل أو مآلات ما سينتج عن الداخل السوري، وهذا يتطلب منا جهدا ونضالا حتى لو أجرت التسوية السياسية، من أجل بناء مجتمع واع وصحي، وهذا بالتأكيد منوط بالقوى المنظمة التي تحمل هذا المشروع.
وختم دبس بالتأكيد على أن سوريا الآن منقسمة بين قوى الثورة الديمقراطية وقوى الثورة المضادة وبين قوى الصراع المسلح والفصائلية، بالإضافة لقوى النظام والميليشيات الطائفية التي انتشرت كالنار في الهشيم بكافة أرجاء البلاد، وهناك الشعب السوري الذي يعاني مأساة الهجرة والنزوح.. وهذه كلها مسائل تحتاج إلى وقفة جادة من كل الغيورين العاملين على إنقاذ وطن وليس إنقاذ نظام أو إنقاذ معارضة أو على قضايا قد تذهب بسوريا إلى التهلكة، فسوريا بحاجة من أبنائها إلى التضحية، وهذه المسؤولية تقع على عاتق من ناضل وضحى من أجل يكون لهذا الوطن شعارا واحدا هو بناء سوريا حرة كريمة، بناء دولة المواطنة والعدالة.