12 يوليو، 2017 1666 مشاهدات
بعد ثلاثة أعوام ونيف من سيطرته عليها، يُهزم التنظيم الإرهابي في الموصل، بعد أن تحولت المدينة، بجزئها الغربي خاصة، إلى مدينة أشباح وبقايا هياكل أبنية تصفر فيها الرياح، تشير إلى أن ثمة حياة لبشر من لحم ودم كانت هنا في يوم من الأيام، ولم تعد بعد. نعم لقد عبر الموت والخراب بأيدي سقط متاع الأرض على تلك المدينة ليولوا الأدبار تاركين خلفهم كوابيس عن كائنات تحكموا وشنّعوا ومثّلوا بالجثث وقاموا بسبي النساء وخطف الأطفال وقتل البالغين على مرأى ومسمع العالم أجمع.
التنظيم الإرهابي، زرعٌ مسموم خرج من أرض تجذر فيها الظلم، ومجتمعات منقسمة وثقافة لم تحتمل كل الضربات الموجهة لها وأنظمة طائفية فاسدة، وجيرة لا توفر جهدا لإشعال الحروب والانقسامات، لتزداد تحكما وقدرة على التدخل في حياتنا، ونظام عالمي فاقد لتوازنه، وشعوب لم تجد أمام الظلم المطبق على حياتها سوى الهروب من السيء إلى الأسوأ.
سيذكر التاريخ إن سنوات “الرايات السوداء” المرعبة لم تكن سوى فيلم رعب أسدلت شعوب المنطقة فصلا منه، بفضل شجاعة أبناءها وتضحياتهم أولا، ومساعدة دول الغرب التي تحركت بعد إدراكها خطورة الإرهاب على مواطنيها، لكن الفيلم لم ينتهي بعد، ولن ينتهي إلا بإصلاح الأسباب التي أدت إلى ظهوره، ومنها الأنظمة الحاكمة ونسق تفكيرها ورؤيتها للمواطنين والعملية التعليمية وعلاقة الحاكم بالمحكوم ونظام العدالة القائم على المساواة أمام القانون وتطبيقه على الجميع، والانطلاق في سن القوانين الناظمة للمجتمع من متطلبات المجتمعات الملحة، وليس من تفكير النخب السياسية التي يغلب عليها عدم الحياد كنتيجة لتاريخ طويل من التهميش والعزل والإقصاء، وتشكيل جيوش وطنية ولائها للوطن والمواطن وليست لعقيدة حزبية أو طائفية أو فئوية أو شخصية.
الجيوش لحماية الأوطان من المخاطر وليست لحماية الأنظمة أو الطائفة أو الحزب أو هذا المكوّن وذاك. الجيوش الوطنية قادرة على حماية بلادها إلى جانب المؤسسات التعليمية التي لو توفرت لها الغايات لأساسية من التعليم وهي التنمية والارتقاء بالمجتمع، وإزالة اللبس وسوء الفهم بين أبناء المجتمع الواحد، لا العكس، ستكون كفيلة بعدم تكرار الكارثة التي مرت.
وكلنا أمل أن التجربة علّمت وأثرت على شعوبنا ونخبنا، أعطت درسا يصعب نسيانه، ولتكن الموصل بعد التحرير منطلقا لبناء علاقة جديدة بين الوطن والمواطن، بين مكونات الشعب العراقي بطوائفه وقومياته وأديانه، وكلي ثقة أن شعوبنا قادرة على تعلم الدرس وضرب المثل في بناء النموذج القادر على الوقوف على قدميه.
وبانتظار لحظة تحرير الرقة وباقي المناطق المغتصبة من طرف الوحش الإرهابي ستكتمل فرحتنا وتبدأ شعوبنا برسم خطوات المستقبل على معايير إنسانية واضحة وثابتة، مبارك تحرير الموصل، مباركة هزيمة الإرهاب والأمل كبير بالمستقبل، الأمل كبير بشعوب أنجزت وستنجز بالتأكيد في كل الأزمنة.
أحمد الجربا – رئيس تيار الغد السوري