22 يوليو، 2017 1999 مشاهدات
يوماً بعد يوم تزداد قناعتي بأن الحل في سوريا سيقوم على أساس النظام البديل أو الهجين “من نظام ومعارضة” على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أو ربما ما يمكن تسميته بطائف سياسي “أشبه باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية”.
قناعتي هذه تنطلق من طريقة تعاطي الدول الفاعلة في الملف السوري ووجهات نظرها التي بدأت تشير إلى ميل الغرب لمثل هذه الفكرة، وآخرها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا، والتي قال فيها “محادثات الحل في سوريا لا يمكن أن تتم إلا بمشاركة ممثلين عن النظام”.
تصريحات ماكرون على الرغم من أنها تحمل الكثير من التأويلات إلا أنها لم تشر صراحة إلى أن فرنسا لم تعد متمسكة بإزاحة الأسد، بقدر ما تعني أنها تدعم فكرة النظام الهجين كحل سياسي، لا سيما وأن تصريحات ماكرون جاءت في مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أكد خلاله الأخير اعتبار بلاده الأسد عدو وخطر على الأمن القومي الأمريكي.
ربما هنا تبدو الأمور أكثر تعقيداً مما هي على الواقع، ولكن الحقيقة مختلفة، فالمجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، وربما بريطانيا أيضا، تنظر إلى النظام والمعارضة بجميع هيالكهما “العسكرية والسياسية” كعاجزين عن قيادة الحل بسبب انهيار الأول “أي النظام” وتشتت الثانية “أي المعارضة”.
أما العامل الأبرز الذي يدفع باتجاه الحديث عن النظام الهجين كحل يدعمه المجتمع الدولي يتجلى في أن انتصار أي طرف على الأخر يمثل خلل في توازن القوى الدولية في المنطقة، لا سيما وأن كل طرف من أطراف القضية السورية يمثل مصالح طرف من الأطراف الدولية وبشكل خاصة روسيا التي يمثلها النظام، والولايات المتحدة وأوروبا وتركيا التي تمثل مصالحها فصائل من المعارضة السورية.
بناءاً على التصور السابق فسوريا ستكون على موعدٍ مع الكثير من التطورات التي من شأنها تهيئة الظروف والأطراف السورية لتشكيل النظام البديل، والتي أولها ضبط النظام وتجميد الانتشار والنفوذ المليشوي، مقابل محاربة الفصائل الإسلامية المقاتلة في سوريا وعودة الجيش الحر والمجالس العسكرية لقيادة الثورة من جديد، في خطوةٍ يبدو أنها بدأت فعلاً حيز التنفيذ من خلال إعلان عددٍ من كبرى الحركات الإسلامية استعدادها للعمل ضمن إطار المجالس العسكرية وتحت مبادئ ومطالب الثورة السورية كحركة أحرار الشام وجيش الإسلام.
أما عن شكل الحل وتفاصيله، يمكن القول إنه يقوم عملياً على مزج كامل “سياسياً وعسكرياً” بين النظام والمعارضة يمهد لقيام نظام جديد يقود الفترة الانتقالية، وهنا لا أعني الاحتفاظ بالأسد، وإنما الاحتفاظ بشخصيات من النظام الحالي “يقبلها الشعب السوري” تمثل ضمان للمصالح الروسية في سوريا وفق التفاهمات الدولية، بما يسمح ببقاء سوريا نقطة نفوذ روسية في الغالب.
دور الأسد بموجب هذا الحل لا يتعدى كونه تسيير أمور حتى الوصول للنقطة التي تتهيأ فيها الظروف لإجراء عملية تنحيته، وأكثر ما يدعم هذه النظرة هي التصريحات الروسية الأخيرة التي نوه خلالها وزير الخارجية سيرغي لافروف أن بلاده لا تدعم الأسد بشخصه، وهو حقيقة فموسكو جاءت بحثاً عن مصالحها التي باتت تحتاج رجلاً أقوى منه ونظاماً أقوى من نظامه، خاصة مع استحالة قدرته على استعادة امبراطورية حافظ الأسد الطائفية بسبب النقص الحاد في خزانه البشري “العلوي” والهشاشة الواضحة التي بات يعيشها نظامه والتي تؤكد أن بشار الأسد فيما لو استمر لن يكون بمنأى عن ثورة ثانية تهدد حكمه من جديد.
هنا من الخطأ اعتبار الأسد كخاسر وحيد وفق السيناريو السابق، فإيران سترافقه على طريق الخسارة، خاصةً في ظل الانهيار المحتمل لمشروعها الطائفي في المنطقة العربية بموجب الحل المفترض في سوريا، وهو ما يمكن اعتباره أعظم انجاز للثورة السورية، فعملياً يدرك جميعنا ارتباط المصالح الإيرانية بقيام أنظمة طائفية كما الحال في العراق وسوريا، وأي تبدل في بنية النظام الحالية وتحديداً عسكرياً وأمنياً يعني فقدان إيران لحرية الحركة وتنفيذ مشاريعها والأهم حلقة الوصل بين أذرعها في لبنان والعراق.
موقف إيران وقلقها من التسوية في سوريا بدا واضحاً من خلال تصريحاتها الأخيرة التي قالت فيها إنها خير معنية باتفاق روسيا – الولايات المتحدة على إقامة مناطق خفض التوتر في المنطقة الجنوبية والجنوبية الغربية من سوريا، والتي تمثل أكثر المناطق أهمية استراتيجية بالإضافة إلى دمشق بالنسبة لطهران، ما يعكس أيضاً ميل دولي لمحاربة النفوذ الإيراني ليس في سوريا بحسب وإنما في المنطقة ككل لاسيما وأن الاتفاق المذكور يحمل آثاراً على حزب الله ذراعها المسيطرة على جنوب لبنان.
عملياً ما يزيد من حتمية انهيار المشروع الإيراني في سوريا، هو قلة نسبة الشيعة فيها والذين لا يتجاوزون 0.04 في المئة بحسب مركز للدراسات الاستراتيجية، ما يجعل من المستحيل على إيران تكرار تجربة حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي، إلى جانب عدم قدرتها على الاعتماد على المكون الشيعي في خلق ثقل سياسي لها في الحل أو النظام القادم.
باختصار.. ما أريد قوله إن سوريا ربما باتت تسير على أولى خطوات الحل الذي قد يستغرق عدة أعوام، وأن ما تشهده البلاد اليوم من ترسيخ لمناطق خفض التوتر والهدن، وما يسمى بالمصالحات ما هو إلا تهيئة الظروف والبيئة الملائمة للحل الذي قد يقوم على خليط من النظام والمعارضة بعد استبعاد الأسد بما يحافظ على التوازنات والمصالح الدولية، والأهم من ذلك هو عودة الجيش الحر إلى واجهة الأحداث مجدداً على حساب التنظيمات والحركات الإسلامية في خطوة من شأنها التمهيد لدمج عناصره مع وحدات من قوات النظام ضمن جيش واحد، على اعتبار أنه من السذاجة الاعتقاد بأن المجتمع الدولي سيخوض مغامرة حل “الجيش السوري” على شاكلة ما حصل في العراق بعد إسقاط صدام حسين، بالإضافة إلى أنه من السذاجة الأكبر الاعتقاد بأن يسقط الأسد ويبقى جيشه، ما يعني أن الحل سيقوم على مبدأ لا غالب ولا مغلوب سوى الأسد وإيران.
حسام يوسف – تيار الغد السوري
أقسام
مقالات