4 أغسطس، 2017 1985 مشاهدات
تخلق مساعي الإدارة الروسية لإقامة ما اصطلح على تسميته “مناطق خفض التصعيد” وتعزيز وقف إطلاق النار في سوريا خلافا متزايدا مع بشار الأسد، فيما لم يؤثر تصاعد حدة الخلافات مع واشنطن على استراتيجية تأمين وإحلال السلام التدريجي في مختلف المناطق السورية، حيث تدعم الإدارة الأمريكية كل الجهود التي تبذلها موسكو في هذا الصدد، كما تعملان معا ضمن منظومة الحرب على الإرهاب والقضاء على تنظيمي داعش والقاعدة في سوريا.
بعد عامين تقريبا من إنقاذ الرئيس فلاديمير بوتين لبشار الأسد من الهزيمة المؤكدة وإمالة كفة الحرب لصالحه إثر استجابته لطلب حملة جوية ضد قوات الفصائل المعارضة؛ يواجه بوتين معضلة الضغط على الأسد لقبول صفقة رمزية لتقاسم السلطة لإنهاء فترة الستة أشهر، وشرعنة الوجود العسكري الروسي. فمع كل دعم يتلقاه الأسد من طهران وموسكو يشدد قبضته على السلطة ويعتبر نفسه منتصرا ويصبح أكثر ترددا في تقديم أي تنازلات للمعارضة في محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة والتي ستستأنف في جنيف الشهر المقبل.
ويقول أندريه كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو مركز أبحاث مقره موسكو ويتبع للكرملين، إن علاقات روسيا مع الأسد “متوترة الآن”، ويعتقد كورتونوف أن الأسد يلجأ إلى المماطلة المتعمدة للمفاوضات المتعثرة منذ فترة طويلة في جنيف لإفشالها في النهاية. ولكنه أضاف “إن روسيا ليست مستعدة للسماح للأسد بشن حرب حتى النصر”.
وتسعى قوات الأسد حاليا باتجاه شرق مدينة دير الزور الاستراتيجية لفك الحصار عن عناصرها المحاصرين منذ عام 2015. وتوفر السيطرة على المدينة السيطرة على الحدود مع العراق وكذلك على آبار النفط الغنية والأراضي الزراعية الخصبة. إذا نجح الهجوم الذي يعمل عليه النظام فإنه سيحرر الجيش العربي السوري من تركيزه على إدلب في الشمال الغربي لتأمين مواقعه في عدة محافظات في الغرب السوري وحلب.
وقد نجح الأسد باستغلال الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار التي أبرمها الجانب الروسي مع فصائل المعارضة المعتدلة، وعمد إلى نقل قواته من الجنوب السوري في درعا والقنيطرة ومن الغوطة الشرقية ودمشق، وقريبا من حمص، للزج بها على جبهات دير الزور، على الرغم من أن الهجوم على دير الزور لن يكون ممكنا مهما عظمت قوات الأسد إلا بمساعدة القوة الجوية الروسية.
يقول فراس أبي علي، كبير محللي الشرق الأوسط في مركز IHS Country Risk: “يريد الروس أن يظهروا كمسؤولين ومسيطرين على حليفهم”. و”لكن الأسد سيواصل خرق الهدن ولن يتوقف عن قصفه. ولماذا يفعل ذلك؟، وهو يرى نفسه كل يوم يربح المزيد من الجغرافيا” ويزيد رقعة سيطرته في سوريا.
ويؤكد رامي عبد الرحمن، رئيس المرصد السوري لحقوق الانسان، أن “الجيش العربي السوري يركز حاليا على مكافحة تنظيم داعش”. و”حتى لو أراد أخذ إدلب، ليس لديه القدرة على ذلك، لأن كل التركيز منصب الآن على حرب داعش، ولا يمكن للنظام وحلفائه فتح أكثر من جبهة واحدة” في سوريا.
ومع ذلك، يرى “أبي علي” أنه مع ازدياد نفوذ القاعدة في إدلب فإن الأسد سينجح في إقناع التحالف الدولي، الذي يحارب داعش على عدة جبهات، أن يدعم تقدمه نحو إدلب لطرد إرهابيي النصرة، ولكن الاستراتيجية الروسية لم تأذن للأسد بعد بالاستيلاء على إدلب، كما أن استراتيجية الأسد تعتمد أيضا على الانتظار إلى أن يتولى جهاديو النصرة السيطرة الكاملة على المحافظة.
وإدلب هي آخر مدينة تشهد أكبر تواجد للثوار ومقاتلي فصائل المعارضة وتنظيم القاعدة في سوريا منذ أن نجحت حملة عسكرية روسية وإيرانية في إعادة السيطرة الكاملة على حلب “العاصمة التجارية” نهاية العام الماضي.
من جهتها أيضا، تؤكد إيلينا سوبونينا، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية والذي يقدم المشورة للكرملين، أن أي هجوم جديد من جانب قوات الحكومة السورية مهما كان كبيرا لن ينجح دون دعم القصف الجوي الروسي. وتقول سوبونينا: “لقد أخطأت القيادة السورية في تقدير ما إذا كانت روسيا ستقدم لها المساعدة للسيطرة على إدلب، كما فعلت في حلب”. فموسكو تركز حاليا على “كبح جماح المستعجلين في دمشق وإقناعهم أن الأولوية الآن ليست السيطرة على إدلب”.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في 24 تموز/يوليو الماضي إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) والذي قدم لفصائل الجيش السوري الحر وفصائل الثوار التي تقاتل قوات الأسد وحلفاءه أسلحة ثقيلة وخطيرة. وخلال اجتماعهما الأول في قمة مجموعة العشرين الشهر الماضي توصل ترامب وبوتين إلى اتفاق حول تنفيذ الولايات المتحدة وروسيا وقفا لإطلاق النار بالاشتراك مع الأردن في جنوب غرب سوريا بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
وتلقى سياسة ترامب للتعاون مع روسيا رفضا شديدا من قبل المشرعين الأمريكيين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين مررا تشريعا الأسبوع الماضي بتعزيز العقوبات ضد روسيا ومنح الكونغرس للقانون حصانة ضد سلطة ترامب وصلاحياته. وأشار البيت الأبيض إلى أن ترامب وقع على مشروع القانون ولم يعارضه. فيما انتقمت روسيا من الولايات المتحدة بخفض عدد بعثتها الدبلوماسية إلى حدود 755 موظفا، أو ما يقرب من الثلثين، محذرة في الوقت نفسه من تدابير أخرى مضادة لما تعتزم واشنطن اتخاذها ضد موسكو.
وأشاد بوتين باتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا مشيرا إلى أن القوى المتنافسة “تعمل وتعمل على تحقيق نتائج حتى في هذه الأوضاع الصعبة نوعا ما التي نشهدها”.
وقال ثلاثة دبلوماسيين غربيين في موسكو، رفضوا الكشف عن هويتهم، إن روسيا تبدو جادة في منع اندلاع أي اقتتال من شأنه أن يهدد الجهود المبذولة لإقامة مناطق “وقف التصعيد”. بيد أن مسؤولا أمريكيا كبيرا أعرب عن شكوكه في قدرة بوتين على كبح الأسد. فيما قال فرانتس كلينتسيفيتش، نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الروسي، إن موسكو تعمل على منع الأسد من أي خطوات متسرعة.
أقسام
من الانترنت