6 آب، 2017 334 مشاهدات
بقدر ما تبدو اجتماعات مفاوضات جنيف المتتالية مجرد اجتماعات شكلية لاتسمن ولا تغني من جوع ولا طائل منها، كونها لم تحقق أي شيء إلى الآن سوى الحديث عن سلال يتم التفاوض عليها مرة بالتوازي ومرة بالتتابع، وأحيانا يتم الحديث عن أمور تقنية يتم مناقشتها بين المنسق لهذه المؤتمرات والوفود المشاركة فيها بغية تقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة وردم الهوة التي تفصل بينهما؛ إلا أن الأمر يبدو أنه يحمل في طياته الكثير مما خفي على المراقبين والمتابعين لهذا الأمر ويدور في كواليس موازية للقاءات التي تحصل أمام الإعلام، كما يبدو أن هناك عملا حقيقيا يتم إنجازه للخروج به ووضعه في النهاية أمام المشاركين ليتم التصديق والموافقة الشكلية عليه من الوفود المشاركة سواء من النظام أو المعارضة.
وفي التوازي تطالعنا اجتماعات مباحثات أستانة أيضا بفصولها المتلاحقة، والتي يبدو للوهلة الأولى أنها مجرد محاولة لتثبيت خط موازي لخط جنيف، ومنع الهيمنة الأمريكية على الأحداث، ومحاولة تركيا روسيا لإيجاد بديل عن انتكاسات مفاوضات جنيف ومراوحتها في مكانها دون أي تقدم يذكر، ولكن أيضا يبدو أن أستانة تخفي في جعبتها تفاصيل حقيقية يتم بلورتها من أجل إيجاد نقاط توافق بين الروس والأتراك والخروج بصيغة تضمن للطرفين الحفاظ على مصالحهم في سوريا والخروج بأقل الخسائر. فروسيا التي ترى في سوريا آخر معقل لها يطل على المتوسط، تدرك أنها إن استمرت في تعاملها الحالي مع الأزمة السورية لن تستطيع تحقيق الاستقرار المنشود، وسينعكس ذلك على وضعها بشكل كامل في المنطقة التي خسرت فيها أغلب حلفائها بسبب وقوفها مع سياسات النظام . وتركيا أيضا تدرك أن الأمر بات يتعلق بأمنها القومي، وأن عليها أن تنوع في مصادر التحالفات وعدم ترك الأمر بالكامل للأمريكيين الذين يرون أولا وأخيرا مصالحهم فقط.
يبدو أن الاتفاق قد تم بين الأمريكيين والروس على العمل بالتوازي على كلا المسارين، جنيف – أستانة، للخروج بنقاط مشتركة من المؤتمرين ثم إعادة صياغتهما بما يتوافق مع مصالحهما ومصالح الأطراف المؤثرة فقط، وليس الأطراف كافة. فهناك أطراف وإن كانت متدخلة في خضم الأزمة السورية لكنها لا تمتلك من التأثير ما يؤهلها لتكون طرفا يتم أخذ مصالحه بعين الاعتبار، ومثال ذلك النظام السوري الذي بات يشكل عبئا على جميع الأطراف، ولم يعد بالإمكان إعادة تدويره وإنتاجه بنفس الرموز السابقة، بل حان الوقت من أجل الاعتماد على فريق جديد يتم التوافق عليه ودعمه وتسويقه إعلاميا من أجل عملية التسليم التي ستتم في اللحظة التي يراها الأقوياء مناسبة. وما يجري الآن من تحقيق اندماجات وإنشاء مناطق خفض التوتر وانتشار لقوات روسية هو البداية فقط التي ستضمن عدم اختلال التوازن على الأرض أو حدوث مفاجآت قد تربك المشهد.
اللهجة الروسية طرأ عليها تغير في الآونة الأخيرة عندما صرح الروس أن ليس جميع المعارضة التي تقاتل الأسد جماعات إرهابية، وأن هناك معارضة شرعية على الأرض السورية. وقد نتفاجأ في الأيام القادمة بمبادرة جديدة يتم طرحها من خلال الأمم المتحدة تتضمن نقاط الحل المقترحة في سوريا بما فيها الدستور وتنظيم العملية السياسية والانتخابات ونظام الحكم المقترح في سوريا، ويكون الغطاء الأممي حاضرا لقطع الطريق على أي صوت معارض.
عمليا، أصبح الجنوب السوري تحت نظام خفض التوتر، وسيكون نموذجا لبقية المناطق الساخنة في سوريا، وهذه المناطق ستلقى قبولا شعبيا كبيرا لأنها ستحقق الاستقرار النسبي وتعطي فرصة من أجل عودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم التي خرجوا منها بسبب الاشتباكات وقصف الطيران والعمليات العسكرية المختلفة.
الأمريكيون بدورهم قاموا بإيقاف الدعم عن بعض الفصائل التي كانوا يدعمونها، ويبدو أنهم يرون انتهاء مهمتها وأن المهمة القادمة هي الحل بشكل كامل ولكن بخطوات متتابعة، ومن الواضح أنهم يعتمدون سياسة تجزئة الأزمة السورية، ووضع الحل لكل جزء، ومن ثم تجميع كل الأجزاء لتشكيل الصورة النهائية بالاستعانة بالأجزاء التي يمسك بها كل من الروس والأتراك.
الأجزاء الأمريكية موجودة حاليا بين السطور في جنيف، وفي كواليس اللقاءات التي تحصل هناك بعيدا عن الإعلام والضجيج، والنقاط الروسية يتم صياغتها في أستانة حيث نرى المشاركة التركية الدائمة وعدم الغياب والدفع باتجاه إنجاح مخرجات المباحثات الدائرة.
قريبا سيجتمع الغرب والشرق من خلال التوفيق بين جنيف – أستانة، وسنرى صورة سوريالية قد نراها تحمل الكثير من التناقضات لكنها ستكون صيغة يتم إسقاطها على الواقع السوري الذي لايقل تناقضا عنها. في انتظار ذلك الوقت ستكون هناك إرهاصات تؤسس لمرحلة جديدة قد تحمل في طياتها مفاجآت لنا، ولكن بالتأكيد هي أمور متوقعة مسبقا لواضعي صياغة الحل السوري بين سطور جنيف ونقاط أستانة.
صدام الجاسر
أقسام
مقالات