استضاف صالون غازي الثقافي العربي الدولي ضمن فعالياته الثقافية الدورية الأستاذ الدكتور / محمد الشاكر الباحث والأكاديمي وعضو تيار الغد السوري.
فى ندوة تحت عنوان ” الأزمة السورية وإشكاليات بناء الدولة السورية ومحاورها الدستور – التسوية – الانتخابات”
شهدت حضوراً مكثفا من الأدباء والمفكرين والمثقفين والدبلوماسيين والإعلاميين من مصر والوطن العربي مساء الثلاثاء 8 أغسطس 2017 أدارها المفكر السعودي الدكتور غازي زين عوض الله المدني رئيس مجلس إدارة صالون غازي الثقافي العربي الدولي، الذي بدأ الندوة بالترحيب بالحضور جميعا و بالثناء على ضيف الصالون الكبير، وقال إن الشاكر فارس من فرسان الكلمة والقانون والسياسة في سوريا والوطن العربي، وله اسهامات ومؤلفات متعددة في العلاقات الدولية وخاصة دراساته الأكاديمية في الخطر الإيراني في المنطقة. وتابع الدكتور مدني، أن سوريا حاليا تمر بفترة صعبة من تاريخها وكلنا كعرب نأسف لما يحدث على أرضها من احداث كما ان الصالون وكعادته استن سنة مفادها ان يكون المحاضر ابن بيئته، وبما ان المحاضرة عن سوريا الشقيقة فالاجدر ان يتحدث في هذا الموضوع احد أبناء سوريا، وأشار دكتور غازي إلى أن هذه الليلة ليلة مميزة ومهمة حيث تشهد إلى جانب المحاضرة تكريم الدكتور محمد الشاكر، كعادة درج الصالون عليها، حيث كرم كوكبة من المبدعين العرب، الذين كان لهم أبلغ الأثر كل في قراءة الأحداث والتغيير في مجتمعاتهم.
ثم تحدث الكاتب مصطفى عمارة الذي رحب بالحضور جميعا ثم استعرض جانبا من السيرة الذاتية لضيف الصالون، ثم بدأ ضيف الصالون الأستاذ الدكتور/ محمد الشاكر بتحية الحاضرين جميعا وتوجه بالشكر العميق لرئيس مجلس إدارة الصالون د / غازي مدني، على حفاوة الاستقبال وحسن الترحيب ، ثم تحدث معرفاَ بتيار الغد السوري واهدافه، و سبب اختياره لموضوع المحاضرة وهو الأزمة السورية وإشكاليات بناء الدولة السورية ومحاورها الدستور – التسوية – الانتخابات حيث إن هذا الموضوع من الأهمية بمكان نظرا لأنه موضوع حيوي.
وأضاف الشاكر، انه لا يمكن الحديث عن المرحلة بين الإعلان الدستوري والدستور، دون المرور بالمحددات الأساسية لأطروحات بناء الدولة السورية، التي أصبحت محكومة –نتيجة للصراع الدامي- بالأطر القانونية الصادرة عن المنظمة الدولية، وارتباطها الوثيق بواقع تدويل الصراع، ما يجعل من إشكالية صوغ الدستور –بوصفه مهمة وطنية- تجنح نحو عملية تتداخل فيها الفواعل الخارجية، من جهة، والتحولات الطارئة على بنية الدولة السورية سياسيًا ومجتمعيًا، من جهة أخرى.
تستتبع إعادة هيكلة السلطة وتراتبها في مراحل ما بعد الصراعات الدولية؛ أو ما يُطلق عليها اصطلاحًا بـ “إعادة بناء الدولة”، تحولات جذرية في مؤسسات الدولة، حتى يتسنى لهذه الأخيرة، أداء الوظيفة الأمنية والسياسية والاجتماعية، بكفاية تستند إلى الشرعية والرضا المجتمعي
وبناء عليه؛ تصطدم الحالة السورية -خلال المرحلة الانتقالية- بفكرتين أساسيتين ستلقيان بظلالهما على آليات بناء الدستور..
الأولى: تاريخية الهيمنة السياسية للنظام السوري الذي غيّب فكرة المعارضة السورية.
الثانية: حالة الاستقطاب الحاد بين النظام والمعارضة، إذ مازال الطرفان لا يحيدان عن فكرة “كل شيء أو لا شيء”، ما يعني التباعد الحاد سياسيًا الذي سيراكم صعوبات جمة على عملية التوافق، وبسبب هذا التراكم التاريخي والاستعصاء السياسي الحالي، أصبح الطرفان (النظام والمعارضة)، يفتقران إلى الخبرات القادرة على إدارة التعددية السياسية.
ترتكز عملية بناء الدولة في الفترة الفاصلة بين الإعلان الدستوري والدستور على مراحل أساسية تسير تراتبًا؛ تبدأ من القدرة على خلق حال من التوازن بين القوى السياسية، وبما يدعم مفهوم تقاسم السلطة أو “الحكم المشترك” الذي يتضمن ثلاث مراحل توافقية، هي :
المرحلة الأولى: التسوية السياسية؛ بوصفه مصطلحًا دبلوماسيًا يستند إلى آليات تجنب الحرب، من خلال التفاوض، الذي يفترض تقديم كل طرف بعض التنازلات إلى الطرف الآخر.
وتسوّية الخلافات بين الأطراف من خلال ضمانات يُعترَف بها على الصعيد الدولي. ومن ثَم؛ فإن التسوية السياسية تهدف إلى تفاوض عقلاني، يؤدي إلى تجنب اللجوء إلى الصراع المسلح، وتجنب العودة إليه.
المرحلة الثانية: الإعلان الدستوري، وآليات صوغ الدستور؛ وتتضمن المسائل المتعلقة بصوغ دستور جديد، وتحديد الجدول الزمني الذي يبدأ بالإعلان الدستوري؛ إذ يشكل الأخير –في فقه القانون الدستوري- مجموعة المبادئ القانونية، التي تتضمن القواعد التي تتأسس عليها الدولة في حال سقوط الدستور أو إلغائه.
إذن؛ يشكل الإعلان الدستوري الفيصل بين أطراف التسوية السياسية، والوثيقة الأساسية الناظمة للمراحل الثلاث -آنفة الذكر- التي تحدد مسارات وأركان عملية الانتقال السياسي، وذلك بالتوافق على المحددات الرئيسة الآتية:
المحدد الأول: شكل النظام السياسي؛ أي: اختيار نظام الحكم الأمثل، سواء أكان رئاسيًا، أم برلمانيًا، أم مختلطًا (شبه رئاسي)، أم مجلسيًا.
المحدد الثاني: شكل النظام الانتخابي الذي يعد من أهم أركان عملية الانتقال السياسي، ويحدد آلية تداول السلطة، سواء أجَرى بطريقة نظام التمثيل النسبي أم نظام الأغلبية ويتضمن هذا المسار جميع المسائل المتعلقة بضمان انتخابات حرة ونزيهة.
المحدد الثالث: استدامة العملية السياسية التي تُبنى على مأسسة العلاقة بين المدني والعسكري؛ بالتوازي مع مسارات عملية الانتقال السياسي، ونزع السلاح ودمج الفصائل المسلحة في مؤسسة عسكرية وطنية لا تتدخل في السياسة، وتدافع عن السلطة، بحيث يكون الدمج أفرادًا وليس مجموعات، وفي الحال السورية تبرز محاربة الإرهاب استراتيجية عامة، تتوازى مع جميع المراحل والمسارات.
المرحلة الثالثة: آليات صوغ الدستور، وتشكل المرحلة التأسيسية، أو المدماك، لإعادة بناء الدولة، كون الدستور يشكل رابط التوفيق بين أطراف التسوية، والضامن النهائي لصوغ العقد الاجتماعي المنشئ للدولة.
وغالبًا ما تتحدد عملية صوغ الدستور في خيارين محكومين بشكل التوافق السياسي، فإما انتخاب جمعية تأسيسية تتولى عملية صوغ الدستور، وإما عن طريق ما يعرف بـ ” اللجنة الدستورية”، التي يتم اختيارها بالتوافق بين النخب السياسية خلال مرحلة التسوية، وفي كل الأحوال تتألف الجمعية التأسيسية أو لجنة صوغ الدستور من مجموعة من الخبراء والقانونيين بهدف صوغ الدستور، قبل عرضه على الاستفتاء العام
أولًا – الإعلان الدستوري
تتضمن فكرة الانتقال السياسي “عملية سياسية بقيادة سورية، تسيّرها الأمم المتحدة، تقيم حكمًا ذا صدقية يشمل الجميع، وتتضمن الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة1 يتناول جميع المسائل المتعلقة بإنشاء حكم موثوق وشامل وغير طائفي2.
وأول ما يتبدى خلال هذه المرحلة، قدرة النخب السياسية وأطراف الصراع على التوافق حول مسألتي شكل الدولة، وطبيعة النظام السياسي فيها، وهذا يقتضي بالضرورة عدم استبعاد أي طرف في الصراع3، سواء أكان من مولداته أم من مفرزاته.
تعمل الثورات أو الانقلابات العسكرية على نسف الشرعية الدستورية السائدة، لتحولها إلى شرعية ثورية، ومن ثَم؛ تعطيل الدستور، ما يستلزم عملية تقنية معقدة وشاقة، تتبدى أولى خطواتها، بما يعرف بـ “الإعلان الدستوري”.
ثانيًا- خيارات شكل النظام السياسي
يشكل اختيار النظام السياسي منعكسًا لجملة التجاذبات السياسية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد خلال مراحل الصراع، ومن ثَم؛ فإن عدم تحديد الشكل الأنسب للنظام السياسي، رئاسيًا كان أم برلمانيًا، قد يؤدي إلى أزمات تعصف من جديد بالسلم الأهلي.
يعد النظام السياسي منتجًا لمجموع الثقافات والفلسفات التي تعكس واقع البنى الاجتماعية والسياسية. وإذا كانت جميع نماذج الأنظمة السياسية في العالم وليدة مراحل طويلة في طريق الديمقراطية، إلا أنّ تحديد شكل النظام السياسي، ظل منعكسًا لمجموع البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة في مجتمع معين مدة زمنية معينة.
وبناء عليه؛ يصبح شكل النظام السياسي في الأزمات، أوفي مراحل ما بعد الصراع، محكومًا بالضرورات التي تحتمها واقعية الاستقطابات السياسية، والثقافة المجتمعية، خصوصًا عندما تقف جميع القوى على مسافة واحدة من الحكم. وفي هذا الخصوص، سنعرض لأهم أنموذجين من الأنظمة السياسية؛ فغالبًا ما تنحصر فيهما الحال السورية، وهما النظام الرئاسي والنظام البرلماني، واضعين نصب أعيننا ميزات وسيئات كل نظام على حدة، وصولًا إلى تحديد النظام السياسي الأنسب:
• النظام الرئاسي؛ يمارس فيه رئيس الدولة السلطة التنفيذية بأكملها، بما في ذلك السلطة التنظيمية، إذ يسيّر السياسة الخارجية، وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، ويمكنه -أيضًا- التدخل في المجال التشريعي، إما عن طريق خطاباته التي يوجهها لأعضاء حزبه، أو عن طريق تقديم مشروعات قوانين بواسطتهم.
ويمارس رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بأكملها؛ إذ تتركز السلطات بيد رئيس الجمهورية الذي يرأس السلطة التنفيذية، وتقوم فلسفة النظام الرئاسي على فكرة ” الأكثرية”، التي تنعكس على مؤسسات الدولة؛ لذلك، فتركيز السلطة بيد رئيس الجمهورية (رئيس السلطة التنفيذية) يعطي الرئيس ” الغنيمة الكبرى”، ويعطي مجالًا رحبًا للأحزاب الكبرى؛ للاستحواذ على القرار، في عملية دستورية غالبًا ما تجنح في دول التحول الديمقراطي إلى ما يشبه الفصل الجامد بين السلطات .
• النظام البرلماني، ويقوم على ما يُعرف في الفقه الدستوري بـ “ثنائية الجهاز التنفيذي” ( رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة)، وتكون مسؤولية الوزارة مسؤولية تضامنية أمام البرلمان، يقابلها عدم مسؤولية رئيس الجمهورية سياسيًا؛ إذ يختص بأمور شكلية بروتوكولية، ويقوم على الفصل المرن بين السلطات، فللسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والتصديق عليها ( المراسيم الاشتراعية)، يقابل ذلك حق السلطة التشريعية في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية، في عملية تقوم على التوازن والتداخل؛ إذ يحق للسلطة التنفيذية دعوة البرلمان إلى الانعقاد، وحتى حله، كما يحق للبرلمان استجواب الوزارة، وحجب الثقة عنها.
ثالثًا- خيارات شكل النظام الانتخابي
يشكل الاختيار الأمثل للنظام الانتخابي، عاملًا محوريًا في إنجاح عملية التسوية السياسية، وركنًا مهمًا من أركان عملية الانتقال السياسي؛ لسبب وحيد مؤداه أنّ العملية الانتخابية هي الآلية التي تحدد تداول السلطة بين الفرقاء السياسيين، وفقًا للدستور الجديد6.
رابعًا- بين الجمعية التأسيسية ولجنة صوغ الدستور
تُعدّ الجمعية التأسيسية، أو لجنة صوغ الدستور، الهيئة التي تتولى السلطة التشريعية خلال المرحلة الانتقالية، والمنوط بها إعداد دستور جديد للبلاد. وتتضمن نخبة من الأكاديميين المختصين بالقانون العام؛ لما لوضع الدستور من خصوصية دقيقة، تتعلق بالأمور التقنية، والمصطلحات الخاصة بقسم القانون العام التي لكثرما أدى الإخلال بها إلى أزمات دستورية، أعادت البلاد من جديد إلى الصراع في كثير من البلدان.
وتُختار هذه الهيئة بطريقتين، بحسب مقتضيات العملية السياسية التي تقدم -أحيانًا- الدستور على الانتخابات، أو تلك التي تقدم الانتخابات على الدستور.
وأضاف الأستاذ الدكتور / محمد الشاكر الباحث والأكاديمي وأستاذ القانون الدولي، أنه وبعد هذا العرض المبسط، بإسقاطاته على حال الصراع في سورية، تبدو عملية بناء الدولة السورية، مهمة أكثر من شاقة، حتى إن نجحت التسوية السياسية؛ فتعارض المصالح الإقليمية والدولية ستكون العائق الأكبر في وجه بناء الدولة السورية، فالصراع مازال أبعد من كونه صراعًا داخليًا، في الوقت الذي مازالت فيه مسألة الاتفاق على تداول السلطة غائبة، في ظل استقطاب حاد بين الأطراف السورية ذاتها. فعلى الرغم من قناعة الطرفين بأنهما غير قادرين على إقصاء الآخر بالسلاح، وهو ما رتب ذهابهما إلى محادثات لم تأخذ حتى هذه اللحظة صفة “التفاوض”.
ويصطدم -كذلك- بناء الدولة السورية ببنية المعارضة السورية؛ بسبب الصراعات البينية بين قوى المعارضة السياسية من جهة، والصراعات البينية بين المسلحين على الجغرافيا السورية كاملة، على الرغم من تقاسم مناطق النفوذ؛ ما يعيق فكرة التفاوض مع النظام، ويعيق فكرة الحوار السوري – السوري أيضًا.
الأهم من ذلك هو افتقار العملية السياسية إلى فكرة السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية للدولة السورية، ولا سيما أن المعارضة المصنفة إرهابيًا، مازالت تتمدد على رقعة واسعة من الإقليم السوري، إضافة إلى أنها تشكل الثقل الأكبر أمام هامشية المعارضة التي توصف بالمعتدلة؛ ما يجعل الحديث عن تسوية فعلية اقتسامًا لدولة فاشلة، أكثر من كونه مسارًا لبناء الدولة.
وبذا تصبح استراتيجيات العمل على بناء الدولة السورية، مرهونة بوقف إطلاق النار، بوصفه مقدمة ضرورية للاتفاق على ضمانات بناء الثقة في المرحلة الانتقالية، بدءًا بالإعلان الدستوري وانتهاءً بصوغ الدستور، بوصفها آليات قانونية – تقنية تحتاج إلى الحد الأدنى من السلم الذي يستلزم -نفسه- توافقًا لا يوقف الحرب وحسب، وإنما يقيم الدولة أيضًا.
ثم بدأت بعد ذلك المداخلات من السادة الحضور التي ثمنت عاليا موضوع الندوة وأكدت على الأهمية القصوى لعنوان ومحاور المحاضرة وخاصة في هذا التوقيت الحرج التي تمر به المنطقة، وقد خرج الحضور بصياغة مبادرة تتبناها الجامعة العربية وهي الهدنة الحالية ووقف اطلاق النار في الغوطة واستضافة فصائل المعارضة والنظام في القاهرة.
ثم اختتم ضيف الصالون الأستاذ الدكتور / محمد الشاكر بالشكر الحار لرئيس مجلس إدارة الصالون د/ غازي زين عوض الله المدني على حفاوة الاستقبال، وحسن الترحيب والشكر لكل الحضور على مشاركتهم الفعالة في إنجاح تلك الندوة ثم قام د/ غازي زين عوض الله المدني رئيس الصالون بتكريم الضيف بإعطائه درع الصالون، تقديراَ لما قدمة الضيف من مؤلفات ودراسات أكاديمية، وحراك إعلامي في خدمة الأزمة السورية.