21 أغسطس، 2017 950 مشاهدات
تتبعت صحيفة التلغراف البريطانية خيوط الجريمة البشعة التي راح ضحيتها سبعة من متطوعي منظمة الدفاع المدني السوري في بلدة سرمين بريف إدلب، والتي أصدرت لأجلها العديد من الحكومات والمنظمات الدولية بيانات الإدانة والاستنكار.
والتقت الصحيفة خلال تقرير لها بالعديد من قيادات الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، منهم حسام وزّاز رئيس المنظمة في بلدة سرمين التي وقعت بها الجريمة.
حيث روى وزّاز ما رآه عندما دفع باب المركز الذي وقعت به الجريمة، قائلاً: “أول شيء شاهدته هو الدم، كان في كل مكان، على الجدران وعلى الأرض وغارق في الفرش”.
وقُتل معظم المتطوعين السبعة بطلق ناري في الرأس. ووُجدت جثثهم بالغرفة الرئيسة للمركز، حيث يأخذ هؤلاء الشباب عادةً بضع ساعات من النوم بين مكالمات طلب الإنقاذ.
ومنذ تأسيسها في عام 2014، أصبحت منظمة الخوذ البيضاء تمثل خدمات الطوارئ في العديد من مناطق المعارضة بسوريا.
وكان الموت دوماً يطارد هؤلاء المتطوعين الذين كانوا يتسابقون، مع قليل من التدريب والمعدات الأساسية فقط، كل يوم لمواقع الغارات الجوية أو حالات الطوارئ الأخرى؛ في محاولة لإنقاذ الأرواح.
ويقول جيمس لي ميسورييه، وهو ضابطٌ سابق بالجيش البريطاني ساعد المجموعة: “إذا كنت من متطوعي الخوذ البيضاء، فهناك احتمالية 1 من 6 للموت أو الإصابة المغيّرة للحياة”.
وأضاف: “فرص الموت أو الإصابة بينهم أكبر بكثير من خطر الوفاة في الخنادق، وأكبر بكثير من الخطر الذي تتعرض له قوات المارينز بالفلوجة، وأكبر بكثير من العراق وأفغانستان”.
وعادةً ما يلقى متطوعو “الخوذ البيضاء” حتفهم بسبب الغازات الكيميائية أو البراميل المتفجرة أو الغارات الجوية المزدوجة، لكنهم لم يكونوا مستهدفين بشكل مباشر مثلما حدث في مجزرة يوم السبت 12 آب/أغسطس بمحافظة إدلب. ولم يسبق أن قُتل متطوعو “الخوذ البيضاء” من مسافة قريبة وبدم بارد هكذه المرة!.
وتمثل محافظة إدلب واحداً من أهم معاقل المعارضة في سوريا بعد عامين من التقدُّم من قِبل قوات نظام الأسد وحلفائه في بعض المناطق الأخرى في سوريا. وتقع المحافظة على الحدود التركية، وهي موطن لنحو مليوني مدني، من بينهم العديد من الذين فروا من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب عندما سقطت المدينة بيد النظام أواخر عام 2015، بالإضافة إلى عشرات الآلاف النازحين من محافظات أخرى كحماة وحمص ودمشق ودير الزور والرقة.
وقد تصارعت جماعات المعارضة المختلفة للسيطرة على إدلب لسنوات، لكن اليوم أصبحت المحافظة تحت سيطرة جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” التابعة لتنظيم “القاعدة”.
وقال بريت ماكغورك، منسق التحالف الأمريكي ضد تنظيم داعش: “محافظة إدلب هي أكبر ملاذ آمن لتنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر 2001، وهذه تمثل مشكلةً كبيرة”.
وتُعرف بلدة سرمين داخل محافظة إدلب بأنها بؤرة خاصة لكل من التطرف والجريمة. فقد اشتبك مقاتلو النصرة في الأسابيع الأخيرة مع ما قالوا إنها خلايا نائمة تابعة لتنظيم داعش في المنطقة.
ومن الأسماء التي تقدم نموذجاً لمعاناة سرمين مع التطرّف الوحشي، حسن عبود، وهو أحد سكان سرمين المدينة وأحد قادة تنظيم داعش الوحشيين، والذي قاد رجاله للقتال ضد فصائل المعارضة الأخرى على الرغم من أنه فقد ساقيه في انفجار بورشة عمل لصنع القنابل. وقُتل حسن عبود خلال إحدى المعارك عام 2016.
وقال رائد الصالح، المدير العام لمنظمة الخوذ البيضاء، إن قتل رجاله فى سرمين يبدو أنه خُطط له بعناية. وأضاف لصحيفة التلغراف: “قضى المجرمون وقتاً طويلاً في مراقبة المركز، والتخطيط لجريمتهم. لقد نُفذت الجريمة باحترافية شديدة”.
ومن المرجح أن عملية القتل نُفذت في نحو الساعة الواحدة صباحاً، وهي المرة الأخيرة التي فحص فيها متطوعو “الخوذ البيضاء” القتلى رسائلهم على تطبيق واتساب.
وقال الجيران في المنازل المجاورة إنهم لم يسمعوا أي إطلاق للنار في الليل؛ مما يوحي بأن القتلة ربما استخدموا كاتمات صوت للبنادق والمسدسات التي ارتكبوا بها جريمتهم. فيما ذكر متطوعو “الخوذ البيضاء” أنهم وجدوا فوارغ لرصاصات بحجم 9 ملم في مكان الحادث.
الجدير بالذكر أن سيارتي الإسعاف اللتين كانتا تقفان خارج المركز قد سُرقتا أيضا بعد إطلاق النار؛ لذلك من المؤكد أن هناك اثنين من القتلة على الأقل قاما بتنفيذ الجريمة.
كما سُرقت أيضاً 10 دراجات نارية؛ مما يشير إلى وجود مجموعة أكبر من المسلحين. وقد عُثر على إحدى سيارات الإسعاف محروقةً على حافة حقل بعد ساعات من إطلاق النار قرب مدينة بنش القريبة.
ويجري التحقيق في الجريمة من قبل تجمع المحامين الأحرار، وهم مجموعة من المحامين والقضاة في إدلب، لكن ليس لديهم معدات طب شرعي أو خبرة في التحقيقات الميدانية. وقال السكان المحليون إن لديهم أملاً ضئيلاً في معرفة ما حدث. كما ليس لدى محافظة إدلب قوة شرطة يمكنها أن تنظر في القضية.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد استنكرت الجريمة، ووصف بيان صادر عن الخارجية مقتلهم بـ”الجريمة الوحشية”، و”الفعل الجبان”؛ لأنه استهدف عناصر “الخوذ البيضاء”، “الذين يخاطرون بأرواحهم في سبيل إنقاذ الأرواح في مناطق خطيرة”.
يبدو أحمد شيخو مرهقاً، ففي الأيام الأربعة الماضية، قام رئيس منظمة الخوذ البيضاء في محافظة إدلب بترتيب جنازات لرجاله، وقام بزيارة أسرهم الحزينة، ووضع تدابير جديدة للسلامة يأمل من خلالها المحافظة على سلامة المتطوعين الآخرين. إنه يريد أن يتحدث عن أولئك الذين قُتلوا، وليس أولئك الذين قتلوهم.
يريد رئيس المنظمة بإدلب أن يتذكر محمد ديب الهر، المتطوع البالغ من العمر 25 عاماً، والذي أنقذ طفلة من تحت أنقاض مبنى في موضع غير بعيد عن مكان وفاته يوم السبت، أو عبد الرزاق حسن، الذي كان يغني بشكل جميل في أثناء طهيه لرفاقه، وكان من المفترض ألا يكون موجوداً في النوبة المسائية التي قُتل خلالها.
لكن بعد الإلحاح عليه، قال شيخو إنه يعتقد أن رجاله قُتلوا على أيدي عناصر من نظام الأسد، الذين يعيشون إما خفيةً داخل إدلب وإما تسللوا إلى المنطقة لتنفيذ عملية القتل.
وأضاف: “لقد استهدفونا مرات عديدة بضربات جوية”، مشيراً إلى أن مركز سرمين نفسه قد تعرض للقصف في أوقات سابقة. وقال: “إنهم يريدون قتلنا؛ لأننا ندافع عن الشعب ونعرض جرائمهم”.
وحمَّل آخرون في إدلب أيضاً نظام الأسد مسؤولية عملية القتل، قائلين إن عملاء الأسد كانوا يحاولون إثارة عدم الثقة بين الجماعات المعارضة؛ وربما ليجبروا متطوعي “الخوذ البيضاء” على التخلي عن استقلالهم والسعي للحصول على الحماية من الجهاديين؛ مما يجعلهم أقل استساغة للحكومات الغربية.
ولفت التقرير إلى أن نظرية النظام معروفة للغاية، لكن الأسد قد يكون أيضاً الجاني الوحيد الذي يمكن أن يُحمِّله الناس في إدلب المسؤولية بأمان؛ لأن من المخاطرة بشكل كبير الإشارة بأصابع الاتهام علناً إلى جبهة النصرة وتحمُّل خطر رد الفعل الذي يمكن أن يتبع ذلك من قِبل الجبهة التي تسيطر على إدلب.
وقال إبراهيم الأصيل، وهو محلل سوري وزميل في معهد الشرق الأوسط، إنه يعتقد أن جبهة النصرة قد نفذت عملية القتل أو غضّت الطرف بينما قامت مجموعة أخرى بتنفيذ ذلك. وأضاف: “أعتقد أن النصرة هي المشتبه فيه الرئيس بهذه العملية”.
وأضاف أن هيئة تحرير الشام تريد أن تكون ليس فقط القوة العسكرية في إدلب، ولكن أيضاً المسيطرة على المجتمع المدني. ونظراً إلى أن منظمة الخوذ البيضاء هي في المقام الأول مجموعة إنقاذ، فإن مكانتهم في المجتمع تعني أن الناس يتجهون أحياناً إليهم للفصل في المنازعات أو التعامل مع مسائل مدنية أخرى.
وتابع الأصيل قائلاً: “لقد أصبحوا قادة في المنطقة المحلية والناس يستمعون إليهم، وهذا تحدٍّ كبير لجبهة النصرة ومشروعها في الهيمنة على إدلب. وأعتقد أن النصرة تحاول استهداف المجتمع المدني ومنظمة الخوذ البيضاء هي واحدة من أقوى منظمات المجتمع المدني”.
وأضاف أن القرار ربما لا يكون قد اتخذ من قِبل قيادة جبهة النصرة، وربما يكون خطوة أحادية الجانب من قِبل قائد مجموعة مسلحة محلي ترضى عنه النصرة وتتعاون معه.
من جانبه، نفى عماد الدين مجاهد، المتحدث باسم جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” مسؤولية الجبهة عن العملية، وقال إنهم يشتبهون إما في خلية لتنظيم داعش، وإما في عصابة مسلحة تابعة لنظام الأسد. وأصر على أن هيئة تحرير الشام تبذل كل ما في وسعها لحماية المدنيين بإدلب.
وقال: “نبذل قصارى جهدنا، وهناك دول كبيرة وضعت نظماً أمنية، لكنها تتعرَّض للاختراق. قارِن ذلك مع وضعنا في حالة الحرب والطوارئ”.
ربما يكون التفسير الأكثر ترجيحاً لضحايا “الخوذ البيضاء” أنهم قُتِلوا في لحظةٍ من العنف المحلي لا يمكن تفسيرها من خلال الاتجاهات السياسية الأوسع نطاقاً في سوريا.
وقال سام هيلر، وهو زميل في مؤسسة القرن: “أحد ملامح الصراع عموماً وخاصة في الشمال الغربي لسوريا الذي تسيطر عليه المعارضة هو مدى الانقسام والمحلية بالمنطقة”.
وأضاف: “سرمين مكان قاس، وإذا كنت لا تعرف التفاصيل المحلية المحددة، فربما لا تصل إلى حقيقة ما حدث بشأن عملية القتل”.
الجدير بالذكر أن بلدة سرمين والمناطق المحيطة بها لطالما كانت أرضاً خصبة لتجنيد عناصر تنظيم داعش وجماعة جند الأقصى، وهي جماعة جهادية أصغر تجمع بين عناصر تنظيم القاعدة وداعش، ولا تزال مكاناً عنيفاً حيث يُخلط بين الأيديولوجية والجريمة.
ولطالما اختطفت العصابات المحلية، بشكل منتظم، أشخاصاً للحصول على فدية، ولسنوات قامت بتجارة سريعة في المركبات المسروقة.
وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر (13 آب) ظهر مقطع مصور مرتعش من هاتف جوال يُظهر اختطاف رجلين في طريقهما إلى سرمين.
ويُظهر المقطع رجلاً معصوب العينين “الحاج محمود الزين” راكعاً على أرضية منزل في بلدة حزانو يناشد أسرته وأخيه “مظهر الزين”، قائد لواء قذائف الحق التابع للجيش السوري الحر، دفع فدية 30 ألف دولار بالتزامن مع قيام خاطفيه بإعدام رجل ثانٍ أمام الكاميرا لتعزيز موقفهم. ودفعت الأسرة الفدية في النهاية.
وقد تكون عملية القتل نتيجةً لمزيجٍ مماثل من الوحشية والجشع من الناس الذين يريدون سرقة أسطولهم الصغير من الشاحنات الصغيرة والدراجات النارية، وكانوا على استعداد للقتل من أجل الحصول عليها.
وقال المدير العام لمنظمة الخوذ البيضاء رائد الصالح، إن عمليات القتل كانت لحظة مظلمة لمنظمة عانت بالفعل الكثير من الخسائر. وأكد: “إننا نتعرض للضرر، وكان لعملية القتل تأثير مؤلم على المتطوعين لدينا”. وأضاف: “دفعنا ذلك إلى إعادة تقييم ما يجري حولنا”.
وقد اتخذت المنظمة خطوات قليلة لحماية أفرادها، مثل وضع المزيد من الأضواء والكاميرات في مراكزها وزيادة نوبات العمل. لكن حتى مع هذا الخطر الجديد، قال الصالح إن عملهم سيتواصل في مجال الإنقاذ.
وأضاف: “إن دورنا في منظمة الخوذ البيضاء هو تعزيز المجتمع السوري وإظهار وجه سوريا الحقيقي”.
أقسام
من الانترنت