19 سبتمبر، 2017 1991 مشاهدات
بسم الله الرحمن الرحيم
ها نحن بعد ٦ سنوات من ثورتنا المباركة، نعود لنلتقي على نفس الثوابت والمبادئ، التي انطلقنا منها وبقينا عليها. لم تتغير لأننا لم نغير قيمنا، ولم نضع البوصلة، أو ننقل البندقية في زمن تكاثرت فيه الألاعيب والبيع والشراء. نعم لم نتغير، لكن ظروف سوريا – كما المحيط والعالم – تغيرت. وخريطتها السياسية تبدلت. ويكاد البعض يغير ديمغرافيتنا وجغرافية سوريا السياسية بالكامل.
من هنا تداعينا لنرفع الصوت قبل فوات الأوان. وقبل الدخول في متاهات لعبة الأمم، التي لا تعرف نهاية ولا مستقرا إلا ما ترسمه الأمم لنا.
إننا أمام مفترق مصيري، فإما أن نمسك مستقبلنا ومستقبل اولادنا بأيدينا، او نتحول إلى كرة تتقاذفها الأقدام الإقليمية والدولية. ولا يخفى عليكم، أن سوريا وخلافا لأي دولة منكوبة، تتعرض لاحتلالات وليس احتلال، وتتقاسمها مناطق نفوذ تتوزع بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، ناهيك عن الجماعات والعصابات المسلحة، التي وفدت من كل فج عميق لتقتطع جزءا من ارضنا وقرارنا الوطني.
ولكن لماذا الآن، ولماذا المنطقة الشرقية؟ ولماذا منطقة الجزيرة والفرات؟ هذا هو السؤال المهم. ببساطة، لأن منطقتنا تشكل الآن خط الصدع، ومحور المواجهة الدولية في مكافحة الإرهاب وتقاسم النفوذ في آن معا. لذلك فإن مصير سوريا برمتها يتحدد اليوم في المعركة الدائرة عندنا الآن. والآن هو الوقت الوحيد لنقول كلمتنا، وإلا فلن تكون لنا كلمة ولن يسمع أحد صوتنا بعد الآن. الآن هي اللحظة الأكثر حساسية في هذا الزمن الصعب.
واجتماعنا اليوم كعشائر عربية أصيلة، ونخب سياسية وفكرية وثقافية، له أهمية استثنائية. فلو ركزتم معي، حول الدول التي تتقاسم النفوذ في سوريا، تجدون الغرب والشرق والايراني والتركي. ولا تجدون دولة عربية واحدة صاحبة نفوذ. لأن الدول الشقيقة راهنت – وما زالت تراهن – علينا كحصان عربي يمكن أن يحفظ عروبة سوريا ويصون هويتها، بالتلاحم والتعاضد مع كل المكونات الأخرى، وعلى رأسهم الإخوة الكرد. إخوة التاريخ والجغرافيا، وشركاء الأمس والمستقبل.
وما اجتماعنا في مصر العروبة، والشقيقة الكبرى، المحروسة والمشكورة، إلا دليل على المشروع العربي العروبي الذي يساندنا ويشد عضدنا، هذا المشروع الذي يحمل رايته اليوم، مثلث الصمود العربي الوازن، المتمثل بمصر والسعودية والإمارات.
ولكن عندما نتحدث عن خيار عروبي وطني سوري، نتحدث عن شراكة حقيقية، لا نأكل فيها حق احد، ولا نسمح لأحد أن يتطاول على حقوقنا وكراماتنا. فنحن لسنا مكسر عصا، ولم ولن نكون. يدنا ممدودة وعقولنا مفتوحة للجميع. ولكننا نقف عند حقوقنا فنأخذها أو نبذل دونها الدماء والأرواح. ومن له أذنان صاغيتان فليسمع.
لذلك أدعو نفسي وأدعوكم، إلى وقفة تأمل بواقعنا وتبصر بالمستقبل. ولتكن وقفتنا مستندة إلى موقفنا الثابت في الدفاع عن الحقوق حتى آخر رمق. وقد أثبتنا ذلك في الميدان، وما زلنا. من مواجهة استبداد النظام، إلى هزيمة مرتزقة وعصابات داعش والنصرة وأخواتهما.
من هنا، أتوجه إليكم بدعوة صادقة لكي نسارع ونرفق عملنا على الأرض، برؤية سياسية شاملة، ننجزها الآن وليس غدا، حتى لا يضيع حقنا كما ضاعت حقوق عربية كثيرة. وإننا لم نحضر رؤية جاهزة وعلى القياس، فهذه ليست عادتنا ولن نحترفها، ولكننا وضعنا مسودة نقاط – تسهيلا للنقاش – من اجل الخروج بمقررات سياسة عملية، تحجز لنا موقعا على رقعة الشطرنج السياسي، وبشكل مبكر، حتى لا نفيق يوما كغيرنا في المنطقة، على صوت كش ملك.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا.
وأعتبر أن النقاط الأساسية واضحة للجميع، ولكنني سأذكرها – على قاعدة وذكر- في سياق مسودة نبيضها مع هذه الوجوه الطيبة والأيادي البيضاء. لكن قبل أن أعرض النقاط، أقترح أن نثبت اجتماعنا هذا، بشكل يمكننا من حجز مقاعدنا على طاولة الحوار السياسي. وهذا أمر اعتقد لا نقاش فيه. أما نقاط الرؤية السياسية التي يتوجب علينا دراستها، فأقترح أن تكون كالتالي:
• اولا: التأكيد على مواجهة الارهاب بكل أشكاله ومن كل الأطراف، لما لذلك من أهمية في استعادة قرارنا الوطني من العصابات التي سطت عليه، إضافة إلى أهميته على مستوى التواصل مع العالم والأصدقاء، الذين قدموا القليل، وننتظر منهم الكثير في مواجهتنا المفتوحة مع الارهاب.
• ثانيا: التأكيد على أن الحل السياسي، لا ولن يكون إلا متوازنا ومرتكزا إلى مطالب السوريين اولا، وقرارات الشرعية الدولية ثانيا، وبالتنسيق الكامل مع الثلاثي العربي.
•
ثالثا: تثبيت حقوق جميع المكونات داخل سوريا الجديدة وليس المفيدة، وأعني كل شبر من سوريا الواحدة الموحدة، ومن يظن أن تقسيم سوريا سيمر مرور الكرام، فنقول لهم: أن اللعب بهذه النار، لسوف يفضي إلى انتشارها في سائر دول الإقليم. وعندما نتحدث كعشائر عربية ومكون عربي عن حقوق كل المكونات، فلن نقبل بكل تأكيد أي انتقاص أو مجرد مساس بحقوقنا أو وجودنا، من أي جهة أو طرف.
• رابعا: التأكيد على أن تكون خطة المرحلة الانتقالية مفصلة وواضحة، لجهة الإدارة السياسية وطبيعة النظام الجديد الذي ستفرزه. والمنظومة الكاملة للحقوق والواجبات التي سيكفلها دستور سوريا الجديد، الذي نصمم على أن ينجز بأيادي سورية. بعيدا عن أوهام الغلبة أو الاستقواء بالخارج.
• خامسا: التشديد على إطلاق حوار وطني حقيقي، تحت مظلة الإدارة الانتقالية الجديدة. لأن طي الصفحة الراهنة، ومواجهة كل أشكال الارهاب التي مورست علينا، لن تكون من دون مصارحة ومصالحة حقيقية، وهذا أمر لن ينجز دون حوار حقيقي. وانظروا إلى الدول القريبة والبعيدة، التي خرجت من حروب وأزمات ولم تجر حوارا حقيقيا ومصالحة نهائية، انظروا إليها كيف تنتقل من أزمة إلى أزمة، وتفقد قرارها وسيادتها لتتحول إلى ورقة لعب وصندوق بريد، وسوريا لم ولن تكون ورقة او مسرحا للعبة الأمم القاتلة.
وأخيرا: إن هذه النقاط، وما تقترحونه وتعدلونه، يمكن أن يشكل منطلقا عمليا وإطار عمل سياسي، يمكننا من طرح رؤيتنا والحفاظ على حقوقنا ومكتسباتنا. أما الوقوف على الأطلال والاكتفاء بالشكوى فلن يأتي إلا بالمزيد من الكوارث. أبعد الله عنا كل ضر، وسدد خطانا لما فيه خيرنا وخير سوريا الشعب، التي نراها مستقرة مستقلة، وغدا سيرى الجميع صدق رؤيتنا وأن “الغد” لناظره قريب. عشتم، عاشت سوريا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته